النساء والحب لشير هايت


ناهدة جابر جاسم
2012 / 12 / 1


قضية المرأة قضية حياة
ما حفزني إن ادرس بحث المؤرخة والباحثة المعروفة عالميا شير هايتShere Hite (النساء والحب) ترجمة الأستاذ فؤاد جديد والصادر عن دار المدى للثقافة والنشر 1997 هو زيارتي الأخيرة الى العراق 2011 وسماعي همس نصف المرأة الأخر –الرجل- والنظرة اللانسانية إليها واعتبارها أداة و سلعة رخيصة لقضاء المتعة والتففن في تشريع العهر. هذا هو رأي الرجل في الشرق الأوسط وبحره المتوسط في المرأة وهذا هو جوهر التناقض -أنها تمنح المتعة ولكنها محتقرة-.
وما أثار استغرابي أكثر هو عند زيارتي الى مؤسسات ودوائر الدولة في العراق تديرها نساء أي الشرط الذي ورد في كل النظريات والحركات التي تطالب بالمساواة بين الرجل و المرأة وتحريرها من عبودية المجتمع ألذكوري إلا وهو الاعتماد على الذات اقتصاديا. وهذا الشرط الأساسي والجوهري متوفرا ولكن الطامة الكبرى هي الجهل الحقيقي الذي عم وساد المجتمع العراقي بعد الحروب الثلاثة والحصار الاقتصادي والحملة الإيمانية التي قادها وفرضها نظام البعث في تسعينيات القرن الماضي. الحملة المفروضة تعمقت بعد الاحتلال الأمريكي الذي جاء بالأحزاب الدينية الطائفية لتكمل ما بدأ به النظام الدكتاتوري السابق.
بالمقابل وفي أوربا المتحضرة ألمس في تفاصيل الحياة اليومية وأقرأ الكثير من البحوث والآراء حول موضوعة المرأة وحريتها في الحب لما تنطوي عليه هذه القضية من معنى يتعلق بنضالها من أجل المساواة بنصفها الأخر في العمل والحب منذ فجر الحضارات إلى اللحظة الراهنة.

يعد كتاب المؤرخة والباحثة الأمريكية "شير هايت" "النساء والحب" دراسة ميدانية أضافت وكشفت عمقاً جديدا حقيقيا ومن أفواه وعقول أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة امرأة ومن كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية من الطبيبة، العاملة، الطالبة، وبائعة المتعة الى ربة البيت. فألقت الضوء على عالم وحياة النساء بكل مناحيها من العلاقة مع نصفها الأخر "الرجل" الى نظرتهنَ المعاصرة الى الحياة الزوجية والحب.
كتابها "النساء والحب" الذي يربو على أكثر من 600 صفحة من القطع الكبير مبني على جملة أسئلة موجهة إلى هذا العدد الكبير من النساء إذ قامت المؤلفة بدراسة أجوبتهن وأجملت الأفكار وجوهر القضية النسوية في رؤية النساء للعالم.
أنها دراسة تستحق الوقوف عندها تساعدنا لكي نرى ونبصر الكثير من خبايا ووقائع حياة الكثير من النساء والتي ظل القسم الأكبر منها طي الكتمان عن علاقتها بالرجل كإنسان يشاركها نصف الحياة وطبيعة ما تريده منه كشريك وطبيعة الأثار النفسية والإجتماعية والوجودية التي تتركها تلك العلاقة الجوهرية في نفسية المرأة سواء كانت إيجابية أو سلبية، كما تناولت الباحثة طبيعة العلاقة المثلية بين النساء أنفسهن من خلال تفحص ودراسة حوارات مع مجموعة من النساء المثليات اللواتي يكتشفن بعد تجاربهن الزوجية طبيعة مشاعرهن التي لا تنسجم مع الرجل ويجدن ببنات جنسهن بديلا روحيا، ومن خلال الأستطلاعات نلمس أنهن يكن حقيقيات وصادقات مع ذواتهن حين ارتبطن مع نظيراتهن من النساء.

هذا الفهم الإنساني العميق للمرأة لم يتحقق إلا بفضل النظام الديمقراطي العلماني الحقيقي الذي فصل الدين عن الدولة، بينما ديمقراطيتنا العراقية المشوهة أدت إلى حملة لقتل مثيلي الجنس من الرجال في الشوارع من قبل ميليشيات دينية طائفية في العاصمة بغداد ومناطقها الشعبية.
نتوصل من خلال قراءة مثل هذه الكتب الميدانية إلى أن العالم الغربي والأوربي تركزّ فكرة "الإنسان أفضل رأس مال" من خلال احترام حتى الشواذ الذين أبتلتهم أنظمة أجسادهم الهرمونية المختلة بالميل إلى الجنس الآخر بينما تمارس في مجتمعنا العراقي المغلق كل الشذوذ في السر والعلن أيضاً وهذا ما ورد بكتاب د. على الوردي "طبيعة الشخصية العراقية" الذي كتبه في زمن أفضل من هذا بما لايقاس، عن شياع اللواط والأفتخار به في مقاهي المحلات الشعبية، وكذلك شيوع السحاق بين النساء سرا وهذه نتيجة طبيعية لصرامة القيم والعادات الشكلية التي تقمع رغبات وحرية الأنسان فتزيد من استلابه وشذوذه وتخلفه. مجتمعاتنا كما يقول المثل العربي (تحت الطاولة).
شعوبنا منغلقة متخلفة يسيطر عليها رجال الدين، ونتيجةً للتخلف هذا تحولت الثورات الشعبية التي قامت نتاج تردي الأوضاع البشرية الى دينية ستكرس التخلف وتحد من حرية الفرد وحقوق المرأة. في العراق والمنطقة العربية نحتاج الى ثورة حقيقية لتحقيق نظام ديمقراطي ليبرالي يكفل الحقوق والحريات للمجتمع رجالاً ونساءً كي تبنى العلاقة بين الجنسين بشروطها الإنسانية لبناء الحياة بشكل حضاري.
هذا لا يعني أن المرأة في المجتمعات الغربية ميدان الدراسة بلغت السعادة التامة إذ من خلال الكم الهائل من قصص النساء ورواياتهن عن تجاربهن في البحث تلمست أن الكثير من النساء تنعمت وتلذذت بالحب والعلاقة السوية مع الرجل، أو التي عانت من الخيبة والخسارة نعمت بفضل الحرية والديمقراطية الحقيقية بفرصة أختبار مشاعرها في التجارب وبقيت مستقلة وحرة من القيود التي تفرضها قيمنا المتخلفة أصلا والتي زادها وصول رجال الدين إلى مركز القرار ففرضوا المزيد من القيود على حريتها مما أهدر كرامتها حتى وصل بالأمر إلى مطالبة البرلمانيات العراقيات بتشريع قانون يبح للرجل الزواج بأربعة أو تصرح وزيرة المرأة في الصحف بأنها تأخذ الأذن من زوجها قبل الذهاب للوزارة مقر عملها.
لا تطور لشعبٍ ما دون تحرر المرأة فهي هي قضية حياة.