حتى لو خلعت ملابسها في ميدان عام



عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
2012 / 12 / 4

تظل قيمة المرأة كإنسان كاملة ومساوية تماماً لهذه التي اختفت كلها تحت ملابسها. المرأة لا تستمد قيمتها من ملبسها. المرأة، كإنسان، قيمة في ذاتها، سواء لابسة كلها أو عارية كلها. اللباس لا يضيف قيمة إلى المرأة، والعري لا ينقص منها أي قيمة على الإطلاق. قيمة المرأة واحدة ومتساوية بالضبط في كل الأحوال، سواء انتقبت أو احتجبت أو أسفرت أو تعرت بالكلية. المرأة إنسان طبيعي له حق طبيعي في الحياة، بملبس أو بدون؛ الملبس هو مجرد عادة وتقليد اجتماعي مكتسب ومتوارث لا أكثر. كانت المرأة طوال آلاف السنين ولا تزال في قبائل بدائية ومجتمعات متطورة كثيرة تعيش وسط الرجال عارية وشبه عارية ولم يمنعها ذلك من الرخاء والازدهار وتأدية وظائفها الاجتماعية والإنسانية على أفضل وجه؛ وكانت المرأة طوال آلاف السنين كذلك ولا تزال في قبائل بدائية ومجتمعات تقليدية كثيرة تعيش وسط الرجال مسجونة ومنتقبة ومحتجبة داخل ملابسها ولم يمنع ذلك من استغلالها وقمعها وتخلفها عن اكتساب وممارسة أبسط حقوقها ووظائفها الاجتماعية والإنسانية.

المرأة حرة بالكامل حتى لو وصل بها الأمر إلى أن تخلع ملابسها وتقف عارية بالكامل وسط أكبر ميدان عام في أكبر المدن العربية اكتظاظاً بالسكان مثل القاهرة. في مثل هذه الحالة الافتراضية، لن تكون هذه المرأة المفترضة أبداً تحت طائلة القانون بنصه ومضمونه المتحضر الإنساني الديمقراطي المعاصر. الصحيح أن هي في مثل هذه الحالة تضع نفسها تحت طائلة العرف، العادات والتقاليد المجتمعية المتوارثة. البديهي أن كل وأي مجتمع إنساني يفعل أشياء ولا يفعل أشياء أخرى بطريقة معينة ومبررات معينة، واعتاد على أن يتوارث ويقلد من دون تفكير كبير هذه الأفعال جيلاً عن جيل. إذا كان المجتمع الذي تقع مثل هذه المدينة المزدحمة في قلبه لا يقر ولم يعتاد التعري في الميادين، حينئذ تكون هذه المرأة قد انتهكت العرف المحلي لهذا المجتمع لا أكثر. كل ما سوف تخسره مثل هذه المرأة المتجرئة على العادات والتقاليد المحلية لا، ولا ينبغي أن، يتعدى مركزها ومكانتها الاجتماعية وسط أقاربها ومعارفها وجيرانها وزملائها في العمل والسكان المحليين عموماً؛ لأنهم لم يعتادوا أو يتوقعوا مثل هذا الفعل منها أو من غيرها، بالتأكيد سوف تلقى منهم الاستياء والذم والنبذ الاجتماعي بدرجات مختلفة. لكن في جميع الأحوال لا طائلة للقانون عليها، إنما كل من تمتد يده أو لسانه بسوء إليها هو الذي يضع نفسه فوراً تحت طائلة القانون.

القانون لا يتدخل أبداً في مثل هذه الأمور المتصلة بممارسة أبناء المجتمع حرياتهم الشخصية، سواء في خصوصية أو على الملأ؛ إنما القانون وجد في الأصل لحماية القيم والحقوق والحريات الشخصية والعامة ومنع الضرر، سواء من الشخص ضد نفسه أو ضد غيره. الضرر لابد أن يكون ملموساً محسوساً، وله أثر ملموس ومحسوس على المتضرر ذاته، أو على من يدعي النيابة عنهم. لا يصح أن تدعي أنك متضرر معنوياً ووجدانياً وأخلاقياً، أو مشاعرك مستاءة ومتأذية، من رؤية المرأة العارية وسط الميدان. لا تنظر إليها. كما لا يحق لك أن تدعي نيابة عن المجتمع أن المرأة العارية تؤذي وتضر وتقوض أخلاقه ومقوماته وثوابته. لا يحق لك أن تتدخل إلا إذا رأيت المرأة العارية، مثلاً، تمسك آلة حادة وتحاول أن تقطع من لحمها وشرايينها؛ حينها فقط يصبح واجباً عليك وعلى كل من حولك أن تسرع لمنعها ومساعدتها ونجدتها، وأن تلجأ إلى تطبيق القانون ضدها. المرأة في ذاتها، لابسة أو عارية، قيمة؛ الملبس مجرد عادة مكتسبة ومتغيرة. لا تنتظر من القانون أن ينصف العادة من القيمة. منشأ ومبرر وغاية القانون هي أن يحمي القيمة، لا أن يخضعها ويرهنها للعادة، مهما كانت مقدسة وأصيلة ونبيلة. القانون يحمي ويصون القيم وغير معني أساساً بالعادات والتقاليد المتوارثة عمياناً؛ هذه الأخيرة تندرج في حوزة العرف المجتمعي ولا تندرج بأي حال ضمن القانون.

ثمة هوة سحيقة بين القيمة والعادة. المرأة قيمة، الملبس عادة. هل يعقل أن ينتصر مشروع دستور يدعي الحداثة لعادات وتقاليد متوارثة عمياناً من مبادئ وقيم إنسانية محترمة ومقرة ومصونة دولياً؟!