المرأة و الفئات المتزمِّتة!



ابراهيم عباس نتو
2005 / 3 / 15

المرأة و الفئات المتزمِّتة!
اليوم العالمي للمرأة، يوم 8 من مارس، أضحى اليوم يوماً عالمياً و لو أنه أخذ مجراه عبر السنين في صفة تدريجية؛ فلقد كان أن بدأ الاحتفال بهذا اليوم— بمسمى "يوم المرأة" في 8 من مارس 1917م في روسيا بعد نجاح الثورة البلشفية في موسكو. و بعد مضي 60 عاماً بالوفاء والتمام قامت الأمم المتحدة في 8 من مارس 1977م بالدعوة إلى الاحتفال به كيوم أممي عالمي. كما و لقد كان من أوائل الفاعليات بعد انبلاج ثورة إيران في أواخر القرن العشرين أن تظاهر آلاف النساء في 8 من مارس 1979م –بعيد حوالي شهر واحد من بدء الثورة، في طهران يطالبن بحقوقهن. و في 1995م، انعقد في عاصمة الصين بيجين (?يكين?)..المؤتمر العالمي الأول للمرأة.

و لأسباب تستدعي دراسات نفسية متعمقة، نجد أن بعض الجماعات المتعصبة لا تستسيغ "الاحتفال" بحال،.. بل و تؤكد –بشيء من الخصوص- على ممنوعية الاحتفال بأي من الأيام عدا عيدي الفطر و الأضحى؛ و ما أدري ماذا كان موقفهم تجاه قرار الحكومة السعودية (الذي صدر هذا العام و مباشرة بعد عيد المحبة العالمي)..بإقرار الاحتفال باليوم الوطني في المملكة العربية السعودية–بدءاً من هذا العام.. كمناسبة و عطلة وطنية يعطل فيها و يُحتفل بها و يُعوَّض عنها.

و هناك جماعات و جماعات مستشرية، منتشرة من كهوف قندهار شرقاً..إلى مجاهل داكار غرباً، تجدها و كأن جل شغلها و شاغلها(ربما لقلة مشغوليتها، و لضعف تأهيلها لأداء أي عمل تنموي فاعل)..تجدها و تجد "دعاتها" يهيمون، و في كل تل و واد يصيحون: "صَل يا جورج"؛ "غطي وجهك يا مّرة" (حتى حينما و حيثما لا يصح الغطاء، كما في الحج و العمرة)؛ "أبرز صك النكاح"..عند توقف سيارة فيها ذكر و أنثى..و لو كان ذلكما الشخصان في سُترة و مصونة و في داخل مكنونية سيارتهم..اللهم إلا أن حظهم التعيس صادف أن كانت إشارة المرور لحظَتَها حمراء.

ثم تطور عندنا "الحجاب" من كونه غطاء الرأس أو لغطاء الشعر قصراً.. حتى أصبح مطلوباً ليشمل الجبهة/ الجبين؛ ثم تدريجياً تمادى لتغشية بقية الوجه---حتى "العجوز التي لا تشتهى".. فتساوت نساؤنا في "خانة" عدم الاشتهاء؛ بينما، و لو كانت المسألة مسألة إثارة و استثارة.. لكان الرجل أولى بالحجاب من المرأة (ليس فقط لتساويهما نظرياً كطرفي إثارة..و لكن -على الأقل- بناءً على ما روَّجْناه و نروجه عبر العصور من أن المرأة "ضعيفة" ..ناهيك أنها متولدة من مصدر اعوجاج أساساً؛ و أنها (المرأة) لا و لن ترقى إلى مستوى تماسك الرجل نفسه و إلى مستوى انضباطه و ربطة جأشه ..و بالتالي فإن قابليتها إلى للانزلاق في الإثارة و الاستثارة تكون أكبر!!

كل هذا --و عشرات غيره-- مضى و يمضي في مجتمعنا..و الجماعات أعلاه تمضي في سلطويتها و تسلطها و إفراز طاقاتها الكامنة القابعة.. على القاصي و الداني من مواطنينا و مواطناتنا. و لكن يلزم هنا الاعتراف بأن تلك الجماعات –قبل و أثناء قيامها بما تقوم به من تسلط-- تجدها متعاونة متحالفة في حلف حفي و خفي مع ذكور "العيلة"..رجال العائلة، حيث يتم بذلك التحالف الوثيق للجم و كبح و قيد المرأة، بدءاً بالتعاون على طمس هويتها.. و منعها حتى من اقتناء و حمل "بطاقة الهوية"!

و كان عدم حملها "بطاقة الهوية" ثاني اثنين و أحد سببين رئيسيين لا ثالث لهما -بحسب تصريحات سمو رئيس الهيئة العامة للانتخابات السعودية- لحجب النساء عن المشاركة كمواطنات في التصويت و المشاركة في الانتخابات المحلية –رغم كون تلك المجالس هي بالكاد "نِصفية"، بل أقل من نصفية إذا ما احتسب رئيس المجلس البلدي (رئيس البلدية—المعين، مثله مثل نصف المجلس الآخر المعين على كل حال.) ("السبب" الآخر: عدم تمكن الدولة من إعداد مئات السيدات لتولي مواقع اقتراع السيدات ليكن جاهزات في الوقت المناسب لعملية الإقتراع..)

ثم لك أن تذكر و تتذكر محدودية المرأة عندنا في حركتها في حضرها و سفرها (في حضرها، تجدها مربوطة بمعية و صحبة سوّاقها/ سائقها الأجنبي الذي "يقود لها" سيارتها و يقودها، ليلاً و نهاراً.. في أرجاء المدينة -و بين المدن- و في أنحاء البلاد! و كذلك حين يتم تقييد حركتها في السفر؛ فهي لا بأس من أن "تسافر" إلى كافة أرجاء المعمورة، لوحدها أو مع زميلة لها أو حتى زميلها المسافر معها في نفس الطائرة .. (طالما) أنها تحمل تصريحاً أملاه زوجها.. أو والدها أو حتى أخوها..أو ربما طفلها، حسب سنها أو حالتها الاجتماعية/ الزواجية!

و تجد كثيراً من أعضاء تلك "المجموعات" المتزمتة يتنوع و "يتفنن" في مدى التمادي في الغلو..و"التكفير"..و"الهجرة". و من عينات أولئك متبعو نهج سيء السمعة، جالب العار لأهله و عشيرته الأقربين و المتسبب بالأذى للسعوديين أجمعين، صاحب "تورا بورا". و لقد كان آخر خبر (و نرجو أن يكون الخبر الأخير)..ذلك الذي جاء من الكويت مؤخراً، حينما أقدم المواطن "ع.ع." (عندي اسمه بالكامل الذي تم تداوله في شتى وسائل الإعلام).. أنه -بعد أن أتم حجة إلى مكة المكرمة- قام بذبح إحدى بناته،..هكذا ذبحاً سحلا!! تقرباً إلى الله، لمجرد أنه "شك" في سلوك طفلته أثناء غيابه للحج؛ فراحت تلك الفتاة، وهي في ربيعها الثالث عشر –و في رواية الحادي عشر- "ضحية" لهذا العنف و العنفوان و الهوان!
و لقد جاء تقرير الطبيب الشرعي بـتأكيد سلامة بكارة الطفلة الضحية. (و عند القبض على "الأب" /الجاني، ..صرح بأنه لو أنه تمكن من بقية بناته لما تردد في ذبحن (سحلهن!) أيضا، سعيا لدخول الجنة و نعيمها.. و صوناً لهن!! فهل من مصيبة أو بلوى أصيب من هذا؟!

و في "يوم المرأة العالمي"، 8 من مارس 2005م، جاء في صحيفة خليجية كبرى – موجزة ما نشرته جريدة مشهورة تصدر في السعودية- خبرٌ معنى عنوانه: "اعتقال سعوديين لإنقاذهم امرأة من البوليس الديني"، جاء فيه أن مجموعة من الرجال أخذت رهن الاعتقال لإقدامهم على محاولة إنقاذ مواطنة تبكي و تصيح بينما كان يسحبها من عرف أنه عضو من "الهيئة"؛و كان ذلك الحدث في مجمع سكني عام، فجاء عدد من المتسوقين الرجال لنجدة المرأة التي كانت تصيح و تطلب العون للفكاك من الرجل الذي كان يسحبها بغلظة و عنف من عند أحد مداخل المجمع التجاري، و بينما كان هو مصراً على المضي في "اعتقالها". و يبدو أن "المطوع" هذا لاحظها بقرب باب سيارة فيها رجل بعدما دخلت المجمع التجاري مع صديقة لها؛ فقبض أيضاً على ذلك الرجل، و خطف مفتاح سيارته مما حدا بالمرأة إلى أن تجري لتلجأ عائدة إلى المجمع التجاري، فلحق بها و أمسك بها و سحبها إلى سيارة الهيئة. أما ما كان من شأن الرجال الذين أقدموا على محاولة تخليص المرأة من سواعد "المطوع".. فقد تم القبض عليهم هم الآخرين، و اقتيدوا –و معهم "الرجل الذي في السيارة"- للاستجواب؛ ثم ما لبث أن أطلق سراح المرأة.

كما ورد تصريح عن امرأة أخرى كانت حاضرة نفس الواقعة أن قالت، "حتى لو عملت تلك المرأة غلطاً،.. فإنه ليس من حق البوليس الديني هؤلاء اقتفاء أثر الناس و"البصبصة" عليهم، ناهيك "القبض" عليهم! و جاء عن سيدة أخرى، "في الإسلام، ليس من الصحيح أن تفضح أحداً أخطأً،..و إنما من المناسب أن يتم نصحهم، و بصفة غير تشهيرية." ثم أردفت قائلة، "ثم، كيف حق لهؤلاء أن يقبضوا على أناس أقدموا على إسعاف تلك المرأة؟--ما جرم هؤلاء!؟" و أضافت السيدة، بأن ليس من المناسب –ناهيك أن يكون من الحق-- أن يلمس أحدٌ امرأة، أو أن يمسك بها بأيديه أبداً؛ و أضافت قائلة، "من أين استقى هؤلاء الحق للتعرض للنساء هكذا بالإمساك بهن جسمانياً؟!" ثم علق أحد حاضري الواقعة من الرجال، بأن دور "الهيئة" هو للمشورة و التوعية،..و ليس لها الحق في تقلد أو حتى تبني أدوار "السلطة" التنفيذية ..و لا السلطة القضائية في البلاد."

و مع كل هذا و ذاك، فإننا -مع حلول اليوم العالمي للمرأة، 8 من مارس- نرجو لكل رجل (و لكل امرأة) الخير و السلامة و السلام على كل حال.


د. إبراهيم عباس نـَـتــُّـو
Dr. Ibraheem A. NATTO
Box 28765 BAHRAIN
[email protected]
عميد سابق في جامعة البترول (الظهران، السعودية)