نوال السعداوي ومواجهة أُخرى مع الفكر الظلامي المتطرف



شاكر فريد حسن
2005 / 3 / 15

مرة اخرى تقف الكاتبة والاديبة والطبيبة والمناضلة المصرية المعروفة د. نوال السعداوي في مواجهة مع قوى التزمت والانغلاق والتحجر والجمود العقائدي والفكر الظلامي المتطرف، وتتعرض لعملية قمع وكبت واغتيال فكري وتكميم افواه، بعد مطالبة مجمع البحوث الاسلامية بسحب ومصادرة احدث رواياتها "الرواية" واتهامها بالاساءة الى العقيدة والدين الاسلامي وافساد الاخلاق والذوق العام.
وهذه الرواية التي لم نقرأها بعد، لانها لم تصل الى مكتباتنا بل عرفنا من وسائل الاعلام المقروءة انها كسابقاتها من الروايات تطرح قضية اجتماعية حساسة ومهمة يعاني منها المجتمع المصري والعربي وتعالج مسألة قهر المرأة واغترابها واستغلالها جسديا وجنسيا. وفي الحقيقة ان ما تكتبه السعداوي بدافع الاخلاص لقلمها ورسالتها الانسانية والثقافية والحضارية ووفائها لمبادئها ودفاعها المستميت عن حرية وكرامة ومساواة المرأة العربية، وغيرتها على المجتمع العربي، وتناولها لقضايا اجتماعية ساخنة وحادة وبالغة الاهمية قد لا يعجب الكثير من المتزمتين والمتشددين الاصوليين وهذا هو شأنهم وهم احرار في تفكيرهم ومعتقداتهم وآرائهم، اما ان يصادروا الرواية ويمنعوا تداولها في الاسواق الادبية فتلك جريمة بكل المقاييس ودليل على ان المجتمع المصري لا يزال يعيش بعقلية القرون الوسطى، وبمثابة تعد على حق نوال السعداوي الدمقراطي في التفكير والتعبير عن معتقداتها وافكارها بحرية مطلقة وتامة وبالاسلوب والطرح الذي ترتأيه مناسبا.
ان غول التطرف الذي اجتاح الشارع المصري في العقود الاخيرة احدث تغييرا بنيويا في طبيعة وشكل الحياة المصرية، وادى الى نمو التيارات الفكرية المتعصبة التي تشد بمجتمعنا الى الوراء الى التخلف والعجز، وتهدد حرية الفكر والثقافة والابداع الانساني بنهجها ودعواتها وتكفيرها وتحريمها للافكار التقدمية والتحررية والمنفتحة وللاجتهادات والقراءات المعاصرة للتاريخ والتراث الاسلامي والفكر الديني.
ان هذه المعركة ليست معركة نوال السعداوي وحدها وانما هي معركة كل المثقفين المتنورين وكل القوى الانسانية والتقدمية والدمقراطية والنيرة الحريصة على التطور والتقدم ومستقبل المجتمع وعلى التسامح الديني والوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي للشعب. وواجب هذه القوى والاوساط الشعبية التصدي لكل الوان وانواع القمع والكبت والارهاب الفكري ولجميع الممارسات الظلامية والتخريجات والطروحات العقيمة التي تستهدف مصادرة الوعي واغتيال العقل والفكر الابداعي الحر والكلمة الجريئة والصادقة، وتغييب الحقيقة الثقافية والعلمية وكشف وتعرية الوجه الحقيقي للتيارات والقوى المتعصبة والنظم الاستبدادية الحاكمة وتغذية التوجهات والنقاشات والسجالات الفكرية والصراعات السياسية واحترام حرية المعتقد والفكر، بعيدا عن الغوغائية والعنف الكلامي والاكراه الديني ورسم صورة المستقبل الواعد والناهض والمشرق الذي تتحقق فيه المصالحة الفكرية بين جميع المذاهب والقوى والاتجاهات والتيارات الفكرية وفق مبادئ العلم والعقل وفي اجواء من الحرية والدمقراطية.

(مصمص)