أوقفوا العنف النفسي ضد المرأة



نزار جاف
2005 / 3 / 16

قد يکون موضوع العنف ضد المرأة من أکثر المواضيع إيغالا في القدم، بل قد يکون الموضوع الثاني من حيث الاهمية بعد موضوع العنف ضد الحيوان و الذي مارسه الانسان منذ فجر التأريخ. ولعل إقتران موضوع تکوين الاسرة مع فکرة تدجين الحيوانات، يحمل في ثناياه أکثر من إشارة ذات دلالة و مغزى، خصوصا حين کانت المرأة المستأنسة ضمن النطاق الاسري مترافقة مع الحيوانات المدجنة ضمن زريبة الاسرة ذاتها. هذه الفکرة وإن قد تکون غير مقبولة من بعض جوانبها، لکنها مع ذلک تحمل قدرا کبيرا من الحقيقة التي رسمت سياق المسار المأساوي للمرأة عبر مراحل التأريخ المختلفة. وقد کان لعامل التفوق البايلوجي الذي حظي به الرجل، من الاسباب المهمة لتحجيم المرأة ضمن دائرة محددة لاتختلف عن الحيوانات الداجنة، إلا بفارق يکاد يکون ضئيلا في أغلب الاحيان. وبرغم الجدل المثار بخصوص إشکالية حقوق المرأة من المنظور الديني و القول بتفاوت ذلک الامر من دين لدين آخر، إلا أن الحقيقة الاهم هو إن جميع الاديان بدون إستثناء وضعت المرأة في الموضع الادنى قياسا للرجل، أو بکلمة أخرى أبقتها في نفس الموضع الذي سبق وإن حدد لها من قبل سيدها و مالکها و مستعبدها"الرجل"!! وليس هذا فحسب، وإنما لعبت الاديان دورا وصل بها في بعض الاحيان الى حد صارت فيها جزءا مهما جدا من طوق الاستعباد الذي تکبلت به المرأة. ولعل ترادف مفردة المرأة مع فکرة الخطيئة التي بشرت بها الاديان السماوية الرئيسية، عزز مکانتها الدونية بهالة من القدسية، مما جعلها المحکومة الابدية"إجتماعيا" بالبقاء في المقام الذي تم إختيارها لها رغم أنفها. ولن نبالغ إذا قلنا (لو) أنه شاءت الاقدار وکانت للمرأة ذات القدرة البدنية التي حظي بها الرجل، فهل کانت مکانتها بهذه الدونية؟ أم أن الحقب التأريخية کانت ستکتب بصورة اخرى مغايرة تماما لما هو متعارف عليه حاليا. هذه المنزلة الثانوية للمرأة، نستطيع أن نضعها و بصورة طبيعية جدا في إطار الطرف المهزوم في ساحات الوغى و مايترتب عليه من عقوبات(مادية ـ معنوية)بحسابات القرون الوسطى. والحق أن تحجيم المرأة و تأطيرها في مکانة إجتماعية" مهمشة" من الناحية البايولوجية، منحها بعدا دونيا أيضا من الناحية المعنوية و جعلها مرادفة لکل المعاني التي تدل على الضعف و الوضاعة و الاحتقار. وإذا ماکانت المرأة الاوربية قد طوت صفحة قاتمة من تأريخها الزاخر بالمعاناة و الاظطهاد و الدونية، وصارت في موقع إيجابي جدا بالقياس الى أمسها المغالي في السلبية، فإن المرأة الشرقية في أوج حالات صراعها العنيف مع مجتمع القيم الرجولية. وليس غريبا أن تکون مواضيع من قبيل" عدم التبرج" و "إلتزام جانب الطاعة للزوج" و "تکفيرها بالحرية و مساواتها بالرجل" هي السائدة في الکثير من القنوات الاعلامية (ولاسيما في البلدان العربية و الاسلامية)، بل وأن مجرد ظهور فنانة معينة في إحدى حفلاتها بشئ من التبرج، کاف لملاحقتها و مقاضاتها بإسم القيم الاجتماعية و الدينية. إلا أن فکرة التصدي العنيف لکل الحالات التي قد تشذ عن قاعدة(العيب)، هي تنبع أساسا من زاوية ضمان بقاء المرأة الشرقية محصورة ـ محاصرة في ذات موقعها الدوني قياسا للرجل وهذا الامر يعني نوعا من التعسف الفکري الذي يلجأ إليه مجتمع تسود فيه قيم سيادة الرجل، ضد المرأة. وقد أشار الدکتور علي الوردي في أکثر من موضع الى الموقع الدوني للمرأة في وسط و جنوب العراق، وبين بحذاقة تامة البون الشاسع بينها و بين الرجل، لکن الذي يحدث الان في الکثير من المدن العراقية(تحت يافطة الدين تحديدا)، هو تأکيد قوي على ضرورة بقاء قيم المجتمع الرجولي مصانة من کل خدش. ولم يکن غريبا أن تترافق عمليات الذبح و التفجيرات الجارية على قدم وساق في أرجاء واسعة من العراق، مع حملات هوجاء في غاية التعسف من أجل (تحجيب )النساء، حتى غير المسلمات منهن! وصار الحجاب بمثابة صمام الامان للمرأة عندما تخرج من منزلها، وکل هذا يأتي في وقت کانت تطمح فيه المرأة العراقية (ولاسيما بعد أن تخلصت من النظام الدکتاتوري) الى تحقيق المزيد من المکاسب التي تکفل لها السير قدما في طريق مساواتها بالرجل. وفي الوقت الذي کنا نشهد فيه مدى التوقير و التبجيل اللذين يکنهما الغرب لإحدى أقلامه النسوية الراحلة(فرانسواز ساغان)، فإننا نشهد في نفس الوقت مدى الحملة الظالمة الشعواء التي تتعرض لها الدکتورة نوال السعداوي في شرقنا المسلم وهي على قيد الحياة. وقد يکون الرابط بين فنانة متبرجة و مثقفة عراقية ترفض الحجاب و الدکتورة نوال السعداوي، هو أن کلهن نساء! وما يجوز في الشرق للرجل، فهو لايجوز قطعا للمرأة، أما لماذا فأن السبب الوحيد هو لأنها إمرأة و لاشئ غير ذلک. واليوم أرى من الضروري أن تطلق حملة إنسانية جديدة من قبل کل المثقفين و دعاة الحرية و مناصرة المرأة، من أجل وضع حد لحملة العنف النفسي ضد المرأة، تحت أية مسميات کانت أو ستکون، ولاسيما حين يبتغي الارهاب الاسود القادم من خلف الحدود العراقية بالتکاتف و المؤازرة مع الارهاب البعثي، جعل موضوع تکبيل المرأة واحدة من أهدافه الاستراتيجية ضمن برنامجه الهمجي الاسود!