قبة البرلمان و ما أدراكِ ما قبة البرلمان



فينوس فائق
2005 / 3 / 16

ما رأيكم بنسبة الـ %25 للتمثيل النسوي في البرلمان العراقي؟؟
نساء تحت قبة البرلمان بقرار ذكوري
مجرد المرور من أمام بناية المجلس الوطني في زمن صدام كان كفيلاً لأن يسحبك الحراس إلى مصير مجهول و من بعده يقطعون لك تذكرة فترحل إلى ما وراء الشمس ، هكذا كانت علاقة المواطن بنظام الحكم ، علاقة تحكمها مفاهيم العنف و القوة و الحيديد و النار ، كانت علاقة فريدة من نوع فريد ، و هكذا كان النظام الفاشي يحكم تلك الأيام ، كانت لفظة الحكومة من الألفاظ التي لا تلفظ إلا في المناسبات و في حدود مسموح بها ، كان النظام في كوكب و الشعب في كوكب آخر ، لأن النظام لم يكن منتخباً من قبل الشعب ، و بالتالي فإن حقوق المواطنة كانت محصورة على فئات معينة من الشعب العراقي .. في ذلك الزمن لم تكن هناك مشكلة إسمها مشكلة المرأة أو قضية بإسم قضية المرأة بالمعنى الذي نفهمه اليوم ، لأنه كانت هناك قضايا و مشاكل أخرى أنستنا إنسانيتنا ، أنست النسوة أنهن نساء في خضم الحروب المتلاحقة الواحدة تلو الأخرى و الخراب و الدمار السياسي و الفكري و إنهيار القيم الإنسانية إلى حظيظ عائلة مستبدة تعيث في الوطن خراباً دونما رادع من ضمير ، كانت هناك أزمة في القيم و المباديء الإنسانية ، كانت هناك أزمة حقوق إنسانية بشكل عام ، لم تكن الديمقراطية اساساً موجودة حتى يطالب الشعب في ظلها بحقوقها و تطالب المرأة بحقوقها و تعلن نضالها ، كان هناك قمع يتوزع على الكل بعدالة ، و ظلم يسود على الكل بعدالة لا نضير لها ، العدالة و المساواة التي كان النظام الفاشي يحققهما بين الرجل و المرأة في القتل و الهتك و الإبادة و الدمار و الخراب لم تكن لهما نضير في العالم ، فكان يهين الرجل كما يهين المرأة بنفس المقدار ، لم يكن الشعب المسكين لديه الوقت ليفكر في قضايا مثل قضية المرأة مثلاً ، لأن مثل تلك الأمور تحدث في ظل أجواء مناسبة و تسمح بظهور مثل تلك الحركات ، لأن الشعب بأكمله كان مضطهد ، الرجل كان مضطهداً و مسلوب الإرادة ، لم يفضل الطاغية رجلاً على إمرأة و لا فرق بين إمرأة رجل في مسألة المحاكمات غير العادلة و أحكام الإعدام و الإعتقالات و الترحيل و التبعيث ، حقاً فقد حقق المساواة بين الرجل و المرأة إلى آخر لحظة من جلوسه على رقبة شعب بكامله ..
الشعب المسكين لم يكن يتجرأ حتى على وضع تعريف لكلمة برلمان أو دستور أو ديمقراطية ، لأنها كانت من المحرمات و الممنوعات على الشعب ، أما و اليوم و قد تحرر الشعب على الأقل من تسلط حكم دكتاتوري ، صارت الأجواء مفتوحة أمام الكثير من الحركات و الأفكار و خصوصاً الحركات النسوية ، و التعبير عن الذات ، فمن غير الممكن أن يكون بإمكان المرأة المناداة بحقوقها أمام الرجل في ظل نظام دكتاتوري ، قضية مثل حقوق المرأة لا يمكن مناقشتها على طاولة إجتماعات النظم الدكتاتورية و لا حتى خلف الكواليس هناك .. لذا كان من البديهي أن تولي الحكومة الجديدة و على رأس القضايا العالقة من مخلفات النظام الفاشي ، أن تولي أهمية لقضية المرأة و حضورها بين أروقة السياسة و على طاولة المناقشات المصيرية ، فكان أن أول ما حصلت عليه المرأة هو نسبة الخمسة والعشرين بالمئة من التمثيل داخل البرلمان ، تعليقي هنا لا يشمل النسبة و ما إذا كانت كثيرة أو قليلة ، أو لماذا ليس أكثر أو أقل ، و إنما تعليقي هو على أساس فكرة تحديد نسبة لدخول المرأة في البرلمان ، و كأنما الرجل يضع شرطاً لدخول المرأة ذلك الصرح الذي كان حصراً على الرجل فقط ، فحسب علمي أنه حتى عندما تحررت كوردستان و نالت نصيبها من الحرية و خاضت أول تجربة في الممارسة السياسية الحرة بعد خروج النظام المقبور منها ، لم تتحدد نسبة للتمثيل النسوي في البرلمان الكوردي المنتخب من قبل الشعب الكوردستاني آنئذ ، و لم تطرأ أصلاً فكرة تحديد نسبة لمشاركة المرأة في البرلمان..
سؤالي هنا هو كالآتي: لماذا تحيد هذه النسبة للتمثيل النسوي؟ و كما قلت السؤال لا يشمل النسبة نفسها ، فربما هي نسبة لا بأس بها بالمقارنة إلى نسبة النساء في الدول الجوار داخل برلماناتهن ، لكن لماذا تحديد و تأطير النشاط النسوي النسوي مع هبوب رياح الديمقراطية ، هل هو الخوف من مستقبل العراق من التسلط النسوي ؟ لا أظن ، هل هو إتخاذ التدابير خوفاً من إحتلال بناية البرلمان من قبل العنصر النسوي في المستقبل؟ لا أظن ، هل هي فكرة دينية سياسية و خطوة نحو إعتماد الدين مصدر أساس للتشريع في الدستور العراقي؟ هل هي بداية محاربة العلمانية و التحرر و المناداة بالحريات؟ لماذا هذا التناقض بين الشعارات التي ناضلنا من أجلها و بين ما نطبقه على أرض الواقع ؟ و لماذا هذا الفرق و الفراغ الشاسع بين الديمقراطية ككلمة رنانة و بين الديمقراطية كتطبيق عملي؟
كما قلت النسبة لا بأس بها ، لكن لماذا التحديد ؟ ربما لو ترك الأمر بدون تحديد لكان التمثيل النسوي في البرلمان أقل من تلك النسبة بكثير ، ثم حتى ولو كانت النسبة أكثر من ذلك بكثير و حتى ولو كان 50 بالمئة أو أكثر ، لظل السؤال كما هو لماذا التحديد؟؟ ما الهدف من وراء تحدييد نسبة للتمثيل النسوي مسبقاً في البرلمان العراقي؟؟
كثيرة هي الحقوق التي إغتصبت من المرأة من قبل الرجل ، و حقوق أخرى إغتصبت بإسم الدين و أخرى ضاعت بين دهاليز الفكر الظلامي للمجتمع الأبوي ، لكن هناك حقوق ضاعت مع ما ضاعت من حقوق إنسانية على أيدي أنظمة شوفينية كان جل إهتمامها هو إفناء شعبه ، لكن بالمقابل هناك ممارسات تظهر في فترات أخرى و بإسم الإنفتاح و التحرر هي أكثر خطورة من تلك التي كانت الأنظمة الفاشية تتبعها ، لأن ممارسات الأنظمة الفاشية كانت تطال الرجال و النساء على حد سواء ، لكن مثل هذه الممارسات تستهدف المرأة تحت مظلة الديمقراطية، و المصيبة العظمى هي أن النساء اللائي الآن يمارسن حقوقهن السياسية داخل أروقة البرلمان بعد أن وصلن إلى مراكز قيادية سواء بالإسم أو عن جدارة أو بالمحسوبية راضيات و فرحات و لا يناقشن مجرد المناقشة لماذا هذا التحديد ، خوفاً من أن يفقدن ما حصلن عليه . ثم من يتبع العراق في مثل هذه الفكرة من الدول الجوار ؟ هل هناك دولة أخرى إتبعت مثل هذه الفكرة؟ أعتقد أن الجواب: أن ما من دولة أخرى حسب علمي عملت بمثل هذه الفكرة ، و حتى و إن كانت هناك دولة أخرى عملت بمثل هذه الفكرة ، كان الأجدر بنا أن ننتقدها لا أن نقتدي بها ..هذا إن دل على شيء فإنه يدل على حقيقة أن هناك جهود تحاول تحديد حضور المرأة بشكل فعال في كافة الميادين ، و بشكل خاص تحديد صوتها داخل دائرة القرار السياسي ، و كان أملي من النسوة اللائي وصلن إلى داخل قبة البرلمان أن أول ما سيرفضنه هي نسبة الـ %25 من تمثيلهن بدلاً من فرحهن بها ، و إلغاء تلك الفكرة و أن تكون النسبة مفتوحة كما هي مفتوحة للرجل على حد سواء.
لأنه و ببساطة شديدة تنتظر المرأة تحت قبة البرلمان صعوبات و مشاكل جمة هذه أولها و أهمها ، و من ضمن تلك الصعوبات و المشاكل هي مشكلة العقلية الرجولية التي تغذت منذ سنين طوال بمفاهيم الرجولة و السيطرة و مفاهيم مستقاة من واقع مرير صنعه النظام الدكتاتوري ، أمامها مشكلة العقل المتحجر الذي يتغذى من الدين من جهة و من التقاليد الإجتماعية البالية من جهة أخرى و من الجمود الفكري الذي عفى عليه الزمن لكنه عاد إلى الظهور مع عصر الإنفتاح و ظاهرة التعدد الفكري بعد زوال الدكتاتورية ، فعدم فهم الديمقراطية على أنها نظام الهدف منه تنظيم الحياة السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية لبلد ما ، و على أساسه إلغاء كل أنواع الفروق و تفرقة بين جنس البشر ، و فهمه للأسف على أنه نظام الهدف منه أن كل ممنوع صار مسموح لأن النظام الدكتاتوري زال و لأن الديمقراطية تسمح بكل شيء تلك هي المصيبة ، لأن الديمقراطية لا تعني الللمبالاة كما يفهمها المتعطشون لها ، كما وهي ليست نظام تخريب العقول و المباديء الأخلاقية كما يفهما من يعاديها بإسم الدين ، و إنما هو نظام الهدف منه تنظيم المجتمع على أساس من إحترام حقوق الإنسان و عدم التعدي على حقوق الآخر دون وجه حق ، و على هذا الأساس يجب مراجعة القرار الخاص بمنح المرأة نسبة الـ %25 من التمثيل النسوي في البرلمان العراقي.
هذه ليست دعوة للثورة و إنما دعوة لإعادة النظر ، و أن تعي المرأة أن تلك النسبة منحها الرجل ، و هو من سيستولي عليها يوماً ، لماذا لا تطالبن برفع النسبة و جعلها مفتوحة ، لا يهم كم تكون النسبة ، المهم أن لا يحد الرجل من حركة المرأة مرة أخرى تحت أية ذريعة..