إذا عُرف الداء سَهُل الدواء..



سومه حساين
2012 / 12 / 17

لكي نعرف سبب تخلّف مُجتمعاتنا العربية فمن المُهم ومن الضروري أن نَواجه الحقيقة ونعترف بأن ما وصلت إليه هذه الدول العربية الإسلامية من تخلّف وتدهور في أوضاعها المعيشية والتعليمية... وأصبحت على ما هي عليه الآن من قصور وتراجع حضاري وفكري ، وعدم مواكبة العصر والتطوّر العالمي في الصناعات والإنتاجات العالمية ، و أصبحت هذه الدول العربية تعتمتد بشكل كبير وكلي على المنتجات الغربيه الصناعيه والتكنولوجية، بل وحتى الغذائية بالرغم مما تملكه تلك الدول من مواد خام وموارد طبيعيه وأراضي زراعية وعقول بشرية ، ورغم وجود كل هذه الإمكانيات في دول مُتخلّفة وإتكالية.

وما وصل إليه العرب والمسلمون من إتكاليه وتراجع وتخلّف، واعتمادهم بشكل كبير على ما ينتجه الغرب لهم في شتى المجالات ، هو في الحقيقة سببه الإضطهاد والاستبداد الذي أدّى الى الفساد، وهذا الإضطهاد الذي مارسته عليهم الأقلية الحاكمة والمسيطرة على أكثر من 90% من الثروات العربية، تاركة لشعوبها بعض الفتات... وهذه الحكومات المستبده التي أمسكت بزمام الحكم بالقوة والتزوير والترهيب ولا زالت ، مارست على شعوبها شتى أنواع القهر والتجهيل والتجويع وتكميم الافواه.. لحصر عقول الناس وتفكيرهم في احتياجاتهم الضرورية لمعيشتهم .

وكل هذا الضغط إنعكس وبصوره سلبيه على أفراد تلك المجتمعات العربية الذكوريه بعاداتها وتقاليدها المتوارثه عبر أجيال، فهذه المجتمعات المقهورة وما يُمارس عليها من استعباد واستبداد وتحكّم أدى الى تخلفها وتراجعها في شتى المجالات وفي جميع نواحي الحياة حتى الأخلاقية منها وعدم تقبّل الآخر .

.. والمسؤولية الكبيرة التي توضع على عاتق الرجل الذي هو مُضطهَد أصلاً من قبل حكومته ومجتمعه، والمضَطهِد بدوره لما هم أضعف منه كالنساء والأظفال ، فالمسؤوليات التي أثقلت كاهله والعادات والتقاليد المجتمعية المُتخلّفه التي زادت من أعبائه وحمّلته مالا يطيق من مسؤولية في المعيشه وفي الحفاظ على المرأه وتَتبُع تحركاتتها حفاظاً على عرضه (وهي عار المرأة، الدائرة التي وضعها حوله المجتمع) فجعلته يراقب تصرفاتها باستمرار خوفاً من خروجها عن العادات والتقاليد التي فرضها المجتمع عليه وعليها.

وبسبب هذه المسؤولية الكبيره والضغط الكبير الذي تَعرّض له الرجل، أصبح يصّب جام غضبه على المرأة وأسقط ظلمه وقهره عليها وعلى من هم أضعف منه من رعيته ، فاضطّهدهم وعاملهم بعنف وشدة ووضع حولهم القيود وتحكّم فيهم وفي تَصرّفاتهم وحدَّ من تحركاتهم، والحدّ من تَحركات أفراد المجتمع أياً كانوا يجعل منهم عبيد مغلوبين على أمرهم وحاقدين على غيرهم.

وربما هذا كان يمكن أن يكون هذا الوضع مقبولاً بعض الشيء لو أنَّ الرجل المُتحكّم في المرأة والأبناء كان مُتعلّماً ومُثقّف ، فمُعظم الرجال في بلادنا العربية ذوي ثقافه بسيطة بسبب تسربهم من التعليم بسبب الأعباء المعيشية الكبيرة، وحتى وإن تعلموا فهم قليلو الثقاقة فلا وقت لديهم للقراءة والإطلاع ، وبهذا تكون ثقافتهم ومعلوماتهم لا تتعدى البيئة التي يعيشون فيها.

إن سياسة الكبت والقهر والتجويع بكافة أشكالها، والتي انتهجتها تلك الحكومات المستبدّه لتتمكن من السيطرة ومن إحكام القيود على الشعب للتحكّم في البلاد والإستيلاء على مُدخراتها ، هذا أدى الى خَلق أجيال من الرجال المُستبديّن بدورهم، والذين هم ضحايا لتلك المجتمعات المُتخلفة والحكومات المُستبدة التي أثقلت كاهلهم بتلك المسؤوليات الاجتماعية والصعوبات المعيشية، وبسبب هذا الضغط الذي مورس عليهم... أصبحوا أفراد مُعقدين ومُتسلّطين وعنيفين... فالضغط يُوّلد الإنفجار ومن ثم العنف الذي يُدمّر مُجتمعاتهم وربما انتقل الى باقي المجتمعات.

فكيف للرجل العربي المُستعبد أصلاً الفاقد الحرية أن يُعطي حُرية لزوجته وأبنائه وفاقد الشيء لا يُعطيه، إذن كيف للمرأة العربية أن تحصل على مساحة من الحرية وتنهض بنفسها ومجتمعها وهي مُقيّدة، فالرجال المُضطهدون صبوا جام غضبهم على المرأة فاضطهدوها وحجموها وحدّوا من حُريتها وتحرُكاتها على اعتبار أنها من مسؤوليتهم وعارهم ونقطة ضعفهم .

وبالتالي أدى هذا التسلط من الرجل على المرأة إلى تردي أوضاعها وسلبيتها وتحجيمها وتغيّبها (ولا أعمم، فهناك بعض النساء المُثقفات اللواتي استطعن أن يتحررن من هذه القيود ويُحققن أنفسهن ، وهناك بعض الرجال المُثقفين دعموا المرأة) ولكن الأغلبية العظمى من النساء استسلمن لهذه القيود ورضين بالعبودية وأصبحن جاريات تابعات للرجل وللعادات والتقاليد المُتعارف عليها في بلادنا العربية.

والمرأه عندما تكون عبدة جاهلة لا رأي لها فإنها بالتالي لن تنجب إلاّ عبيداً ولا تنشأ إلاّ سلبيين ومُعقدين ، لأنها هي التي َستُربي الأجيال الصاعدة بما عندها من وعي محدود، وباعتبارها الموكلة بهذه المهمة الربانية ، ولكن كونها مُضطهده ومُستبَدّه فسُتنتج للمجتمع عبيد غير ضعاف غير قادرين بالنهوض بالمجتمع، وعندما تربي أولادها كما تربت بالترهيب والعنف لتطويعهم، هذا سيُوّلد الخوف عندهم ، والخوف يؤدي إلى اللجوء الى الكذب والمراوغة للهروب من العقاب ، ومن ثم يصبح منافق وغشاش وعنيف لأن العنف يُولّذ العنف ، وهذا يؤدي الى تردى الأخلاق والفساد بين أفراد المجتمع ، وبالتالي يتراجع المجتمع ويتخلّف.

إذن ففساد الأفراد يُؤدي الى فساد المجتمعات وتردي الأخلاق، وفساد الأفراد من فساد الأمهات ، وفساد الأمهات من فساد الأزواج والآباء باعتبارهم الأقوى وبيدهم السلطة والمُتحكمين في المرأة والأسرة ، ولا ننكر أن الرجال هم أيضاً ضحايا فساد السلطات والحكومات الظالمة المستبدة، إذن فكيف نُصلح المجتمع ومن أين نبدأ الإصلاح، برأيي فلنبدأ من المرأة (فالأُمُّ مدرسةٌ إذا أعددتُها أعددت شعباً طيب الأعراق) ولنعطيها قدراً من الحرية لتتعلّم وتتثقّف وتصبح جديرة وقادرة على إنتاج أفراد مُثقّفين واعين وأحرار، وبالتالي مجتمع حُر واعي مُثقّف يعرف ماذا يريد ولا يرضى بالذل والإستبداد.

- سومه حساين -