هدى شعراوي | ذكرى نابضة بالبحث عن المستقبل



رانية الجعبري
2012 / 12 / 28


عاما على رحيل المناضلة المصرية هدى شعراوي، و 89 عاما على خلعها للنقاب، نعد الأعوام لكن هل تقدمنا خطوة بعد تلك السنوات؟


قبل عام تقريبا احتد الخلاف بين قوى تقدمية مصرية وعربية وقوى رجعية على صورة الشهيدة المصرية “سالي زهران”، إذ قام البعض بتحريف “البوستر” الذي صممه شباب 25 يناير فحذفوا صورة الشهيدة سالي زهران، كونها لم تكن ترتدي الحجاب، ووضعوا مكانها صورة رأس مهشمة لأحد الشهداء، وبعضهم جعل مكانها فارغا.

بينما وقبل ما يقارب التسعين عاما، نشطت جدات سالي زهران لإعادة المرأة العربية إلى الساحات السياسية، الثقافة والاجتماعية، فمالذي اختل طيلة تلك السنوات السابقة لنعود إلى المربع الأول الذي بدأت منه عميدة الناشطات العربيات “هدى شعراوي” رحلة تحرر المراة؟

“شعراوي” ذكرى تنبض بالمواجهة

لم يتم تقديم الحرية على طبق من ذهب لـ “شعراوي”، فهي ابنة محافظة المنيا المصرية، ذات الطابع المحافظ، ورغم أن والدها محمد سلطان باشا كان رئيساً لأول برلمان مصري عام (1882)، إلا أن ذلك لم يحمها من الزواج المبكر.

اذ توفي والدها وهي طفلة، وتولت الأم تربيتها، والتي قررت أن تزوجها لابن عمتها علي شعراوي وهي لم تتجاوز (13سنة), ولعل معركتها في مواجهة هذا الزواج كانت من العارك التي فشلت فيها في حياتها، رغم ذلك أضاف ذلك الزواج لها، فزوجها أحد قادة ثورة 1919.

لتتمكن بعد سنوات من ممارسة نشاطاتها النسوية، مثبتة أن الإنسان قادر بإرادته على تحريف القدر الراغب في ردمه داخل تفاصيل مجتمع لا يريد أن يعترف أن ثمة إناث يعيشون في جنباته.

فأرغمت مجتمعها أن يعترف بإمكانية ترؤس المرأة لندوة عامة، كنا هناك، في قعر التخلف والرجعية، بينما كانت شعراوي ورفيقاتها يناضلن كي نقهر القاع ونتحرر.

ولم ينفصل النشاط النسوي لها ولرفيقاتها عن النضال السياسي، بل إن باحثين كثر يرون أن ما يشل ويعيق تطور وتقدم المرأة هو فصل قضيتها عن قضايا المجتمع السياسية، معتبرين أن الحاضن الأفضل لقضية المرأة هو “النضال السياسي”، لذا فإن انطلاقتها الكبرى كانت مع ثورة 1919.

تخرج شعراوي هي و300 سيدة في تظاهرة نسائية تنادي بالإفراج عن زعيم الثورة سعد زغلول ورفاقه. ليشهد ذلك اليوم 16 آذار مقتل أول شهيدة للحركة النسائية التي أشعلت حماسة بعض نساء الطبقات الراقية اللواتي خرجن في مسيرة ضخمة رافعات شعار الهلال والصليب دليلاً على الوحدة الوطنية، ويتم إعلان يوم 16 مارس من كل عام يوما للمرأة المصرية، لتتذكر في كل عام أن قضيتها خرجت من رحم السياسة.

خلع النقاب

تتداول المجتمعات العربية التي تمكنت منها الثقافة الوهابية “شعراوي” بشيء من السخط والتشويه، فهي وفق منظرين اسلاميين قائدة السفور، وتعتقد فتيات ونساء أنها خلعت الحجاب حال عودتها من روما.

أولا ومن باب تحديد المصطلحات فإن ما خلعته فور عودتها من روما كان “النقاب” لأنها رأت أنه يعزل المرأة عن محيطها الاجتماعي والسياسي، وحتى لو ثبت لبعض الوهابيين ذلك؛ فإنه سيهاجمها، كون المشروع الوهابي يطمح لفرض النقاب على النساء والعودة بهم إلى ما قبل القرن العشرين.

هذه المرأة التي ينعتها كثر بالتبعية للغرب، لم تكن في جيب أحد، ولم تجذبها ثقافة أخرى، وما كان يجذبها هو الحنين لمستقبل عربي حر يقوم على قيم الحق والخير، فعند مشاركتها في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي مع وفد من النساء المصريات في روما، التقت موسوليني الذي صافح عضوات المؤتمر. وعندما جاء دور شعراوي، قال لها إنّه يراقب باهتمام حركات التحرير في مصر. لم تصمت، بل طلبت منه أن يمنح المرأة الإيطالية حقوقها السياسية.

فمن يسلك طريق التغيير عليه أن ينبذ المجاملات والدبلوماسية ويتركها لغيره، لذا وفور عودتها من تلك الزيارة خلعت النقاب وتحدت مجتمعا بأكمله، تقول شعراوي في هذا الشأن “كيف يرقى الرجال إذا لم ترق النساء؟ وكيف تنتظم حال بيت تنيره امرأة جاهلة لا رأي لها في الحياة؟ كيف تريد الأمة رجالاً صالحين أكفاء للحياة المجيدة القوية، إذا كانت تتولاهم في نشأتهم وتطبع تفكيرهم أمهات جاهلات وضيعات التفكير؟”.

وترسم أسباب تخلفنا قائلة “تسامح الشرق ورقّة شعوره هما سبب تأخره واضمحلاله”، ولعل تلك العاطفة المنحازة أبدا للتدين بكل مافيه من دون تفكير وتأن تجعلنا رافضين للتغيير خائفين من مستقبل لا نعرف نواياه الحقيقية.

إننا مازلنا حتى اليوم نردد كلمات شعراوي، وكأننا نعود بعد كل مرحلة نضالية إلى ذات المربع الأول، وكأن أمتنا لا تبرح مكانها، فهل ثمة أصوات حرة ستجبر هذه الأمة على النهوض والتقدم ولو خطوة واحدة؟

على كل حال، مازالت روح شعراوي تنبض في ميدان التحرير، هناك حيث يقع قصرها في قلب ميدان التحرير، والذي تبرعت به ليكون متحفا للفن، وأصبح كذلك إلى أن تم هدمه لتصبح أرضه ملكاً لوزير الإسكان الأسبق أحمد المغربي الذي حاكمته ثورة يناير.

لا بد وأن روحها باركت الشباب في ثورتهم، وستبقى مرافقة لبناتها العرب اللواتي سيخلصن لدروس أمهاتهن وجداتهن في التحرر مهما طال الزمن.

* معلومات هذه المقالة تم الاستناد اليها من ملف خصصته صحيفة الأخبار اللبنانية قبل عام في ذكرى رحيل هدى شعراوي.