كاتب نسوي من الصين: لي شو-شين



عائشة خليل
2012 / 12 / 31

عاش لي شو-شين في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر إبان حكم عائلة كنْج حيث كانت الأفكار الكنفوشية التقليدية مسيطرة على العائلات الصينية، فكانت عادة ربط مشط القدم للفتاة منذ نعومة أظافرها منتشرة، وتُعد علامة على علو قدر عائلة الفتاة. كما كانت طاعة الزوجة لزوجها هي المعيار السائد، بينما كان اقتناء الجواري ممارسة واسعة الانتشار لدى العائلات الصينية في ذلك الوقت.
وقد ترعرع شو-شين في مقاطعة قريبة من العاصمة بكين، ودرس العلوم والفنون واللغات وبالرغم من نبوغه إلا أنه لم ينجح في تخطي الامتحانات الإمبراطورية المطلوبة للالتحاق بالوظيفة العامة. فقد نبغ شو-شين في الفلك والطب والموسيقى والرسم والشعر، وظهر تفوقه في راويته المعروفة "زهور في المرآة" والتي يعد الجزء الثاني منها على الأخص موسوعة مصغرة. تزوج شو-شين مرتين، حيث توفيت زوجته الأولى وهي في ريعان الشباب، فتزوج من أخت أحد أصدقائه المقربين. وعمل لفترة كاتب بالمحكمة ، وهي الوظيفة التي لم تكن تعد محترمة في ذلك الوقت، إلا أنه ترك الوظيفة ليتفرغ للبحث والكتابة. وعندما توفي عام 1830 كان مغمورًا نسبيًا، ولكن اكتسب الشهرة مع مرور الزمن.
أمضى شو-شين عشر سنوات في كتابة رائعته "زهور في المرآة" والمكونة من مائة فصل. وقد قرأ أصدقاؤه روايته وأعجبتهم كثيرًا ، فأصروا على نشرها بالرغم من معارضة شو-شين الذي كان يتوق إلى كتابة المزيد، إلا أنه توفي بعد ثلاث سنوات من نشر الرواية. وتعد "زهور في المرآة" الآن من كلاسيكيات الأدب الصيني حيث إنها عصية عن التصنيف ، فهي رواية رمزية تجمع بين أدب الرحلات والتاريخ والفنتازيا. وأحداث الرواية تدور في القرن الثامن إبان حكم الإمبراطورة وواه (690-705) وينتصر فيها الكاتب للنساء، فمن شخصيات الرواية نساء متناهيات الذكاء، ومنهن الشريرات حادات الذكاء اللواتي يسئن استخدام السلطة. وتروي الرواية عن رحال يصل إلى ممالك عدة منها مملكة النساء، وفي مشهد رمزي يصف الكاتب وصول الرحالة إلى مملكة النساء حيث يتم اختطافه وإخضاعه ليكون "عبدا" للإمبراطورة، فتقوم الخادمات بتحميته بالماء المعطر، وتزيينه، وإلباسه تنورة، ووضع المكياج على وجهه، وتضفير شعره، وربط مشط قدميه، ثم وضع شبشب أحمر على قدميه المربوطتين. ويحاول الرحالة أن يتخلص من الموقف فيدعي أنه متزوج وعليه أن يعود إلى عائلته، ويترجاهن أن يتركنه وشأنه، إلا أن الخادمات يرفضن طلبه ويعلن أنهن ينفذن أوامر الإمبراطورة التي أمرت بأتمام زينته، وبربط قدمه وبدعوته بعد ذلك إلى مخدعها. ففي مملكة النساء تلك، قام شو-شين بقلب للأدوار فوضع تجربة النساء في البؤرة، ومدح قدرات النساء، حيث يلبس الرجال ملابس النساء ويخضعون لسلطتهن ويقومون بالأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. بينما تلبس النساء ملابس الرجال وتمارسن السياسية والتجارة وتصريف الشؤون العامة. وبتصويره لتجربة رجال يخضعون لعادة ربط مشط القدم وللعبودية فإنه يصور عبثية تلك الممارسات وعدم إنسانيتها. وبتصويره لتجربة نساء يقمن بتصريف الشؤون العامة (فمن دور الإمبراطورة إلى أدوار الحاشية الكل نساء) فإنه ينحاز إلى قدرات النساء الكامنة.
وبالرغم من أن شو-شين لم يدعُ إلى مساواة تامة بين الرجال والنساء، إلا أن أفكاره تعد تقدمية بالنسبة للعهد الإقطاعي الذي عاش فيه. ولقد اشتهرت "زهور في المرآة" في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما بدأ الإصلاحيون الصينيون يرفضون عادة ربط مشط القدم، ويدعون إلى تعليم الفتيات، ثم اندثرت تلك العادة المقيته في القرن العشرين مع قدوم الشيوعية في الصين، ثم تحول الصين إلى أكبر اقتصاد في العالم.
لماذا يتعين علينا قراءة نص من القرن التاسع عشر؟ هذا سؤال مشروع قد يتبادر إلى الذهن، والإجابة عليه بسيطة للغاية، نقرأ لنتعلم، كما نقرأ التاريخ لنتعظ مما يمنحنا إياه من دروس. فلقد قرأ الزعيم الصيني ماو تسي تونج رواية أخرى من نفس الحقبة هي "أحلام الغرفة الحمراء" خمس مرات، وورد عنه قوله إنه تعلم منها عن الظروف التي أدت إلى تدهور الطبقة الوسطى. فقد لا يعيد التاريخ نفسه بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن الدروس المستفادة منه لا تقدر بثمن .