هذا الموت أو ذاك



حفصة بوحدو
2013 / 1 / 4


أخذت ورقة مستطيلة و كتبت عليها : أحبك أمي ، وضعتها على المنضدة واستدارت لتفتح الباب بهدوء ،وضعت حقيبتها من يدها ومدتها لفتح الباب ،لم تنتبه يوما للضجيج الذي كان يحدثه أما الآن فهي تشعر أن صوته قادر على أن ينبه قبيلة غافية بثورة قادمة ، بعبد هو على وشك شراء حريته لكن بثمن يشبه الكتمان ،فيا باب صه اليوم فقط اليوم و دع هذه اللحظة تمر بسلام .
فتحته أخيرا و بصعوبة وحملت حقيبة ظهرها و جرت الباب خلفها بنفس الهدوء الذي فتحته به ،اجتاحها شعور مختلط اختلاط النور بالظلام ،في فجر هذا اليوم الاستثنائي ،وهي تعطي بظهرها للباب أحست و كأن جسما غريبا يتربص بها من الخلف و يكاد يلتهم ظهرها ، سارعت الخطى و أعصابها مشدودة ، و فكرها يحيط به الرعب ،و في خضم زمهرير المشاعر هذا ،سمعت اسمها من الخلف و استدارت لتجد أمها خلفها تمشي حافية القدمين بملابس النوم ، تدمع عيناها بلا توقف بينما تتنقل من خطاب ساخط ناقد وخطاب يتضرع لها كي لا ترحل ، كانت كالمصروعة كالمجنونة ، لم تقو على رؤية أمها في هذه الحالة و عزت عليها دموعها و تضرعها ،فازدادت حيرتها و ضياعها ،انقضت عليها الأم تعانقها و تتوسل إليها لتبقى ،و بقيت جامدة لحظة ،تخطو خطوة بعيدا عن قبضة أمها فيشتد ضيق نفسها و يطرحها الخوف من كل جانب ،و تلفها الشفقة في ثوب من موت يسير على قدمين ،تشفق و تشفق ،لكن تشعر أن جزءا كبيرا منها سيموت ،ان مضت ستصبح حجرا ،ستبثر الكثير منها و لن يكون من معنى للحياة ،تعود خطوة ناحية أمها فينهال عليها ضميرها الثوري المتمرد و تنهرها رغبتها في الخروج من وحل العبودية و ذل الوصاية ، وتصفها القضية التي تحملها :بالخائنة المتقاعسة التي تجرفها عواطفها على حساب مبادئها،تدرك أنها إن تراجعت عن موقفها سيموت جزء منها ،ستبثر الكثير منها و لن يكون من معنى للحياة ...
شعرت و كأن نقطة الجمود أرحم لها ،تمنت لو كانت تمثال في تلك النقطة لا تمضي الى الموت أمامها ولا إلى الموت خلفها ،تمنت لو تبقى هناك شاهدا على قسوة الوجود أحيانا حين لا يحيط بك سوى الموت بشتى أنواعه و لا يكون أمامك إلا أن تختار هذا الموت أو ذاك ...