قرة العين (زرين تاج )هي تاريخ لصوراً رائعة وخالدة عن نضال المرأة



نبيل عبد الأمير الربيعي
2013 / 1 / 4


تمتلك منطقة الشرق الأوسط سجلاً نضالياً رائعاً لنسوة كن في طليعة النضال في سبيل حرية المرأة وحقوقها. وقرة العين هي واحدة منهن التي قدمت حياتها فداءً لحريتها وحقوقها المشروعة. إنها السيدة الراحلة فاطمة بنت صالح القزويني , التي أطلق عليها لقب الطاهرة وقرة العين وأم سلمى والتاج الذهبي , وهي أم لثلاثة أبناء.
ولدت السيدة فاطمة من أبوين فارسيين في مدينة قزوين بإيران في العام 1231 هجرية المصادف 1815 ميلادية في أحضان عائلة متدينة ورعة ومتضلعة بالمسائل الدينية وتلتزم بالمذهب الشيعي الإثنا عشري في الإسلام. أطلقت العائلة الدينية اسم فاطمة على الوليدة تيمناً باسم فاطمة الزهراء بنت النبي محمد بن عبد الله وزوجة الإمام علي بن أبي طالب وأم الحسن والحسين والسيدة زينب , وفي ما بعد كنَّاها والدها بـ”زرين تاج” أو “التاج الذهبي” الذي زين بها العائلة , كما أطلق عليها فيما بعد كنية أم سلمى. تزوجت السيدة فاطمة من ابن عمها , وكان عمرها 14 سنة , ثم اختلفت معه فكرياً واجتماعياً وانفصلت عنه بعد أن أنجبت له ثلاثة أبناء , هم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق.
صنف الأدباء والشعراء كتابات حضرة الطاهرة على انها من الروائع الأدبية التى لا يستهان بها فهى تنضح بالأثباتات والحجج العلمية والفكرية المدعمة بالآيات والأحاديث التى لا يختلف عليها إثنان فكانت تكتب برقة روحانية تثير الإعجاب والتقدير لمن يطلعون على كتابتها .
كانت أخلاق هذه السيدة الصغيرة والعظيمة على غاية من الرفعة وعلو الشأن وعلى ما جمعت من جمالها النادر وطهارتها وعظمة مواهبها العقلية والفكرية والبلاغة والقوة والشجاعة الذاتية والإخلاص وشهرتها فى تقواها وفضلها وعلمها وحماسها المتأجج فى نشر تعاليم حضرة الباب وفضلآ على معرفتها للغة العربية معرفة جيدة للغاية وشهرتها فى العلم والمعرفة والخطب أشتهرت أيضآ فى كتابة الأشعارفكان لقرة العين دواوين كثيرة مشهورة باللغتين العربية والفارسية وهذا بالأضافة الى ما فقد وحرق حين أحرقت مكتبتها الخاصة بكل محتوياتها ولم يبقى منها إلا ما أحتفظ به بعض الأصدقاء المحبين لأشعارها.
ولنا أن نتصور أن فى إيران وفى ذلك الوقت كان ليس من الأمور العادية رؤية إمرأة تشتغل بمثل هذه الأمور بل كانت ظاهرة نادرة الحدوث .لقد أشعلت نار محبتها لهذه الدعوة روحها التى لا تقهر وقد ذادت شرف ما كشفته من البركات الفائضة المكنونة فى أمره وذادت شجاعتها الباطنية وقوة خلقها أضعافآ مضاعفة بسبب هذا الأعتقاد واليقين فى نصرة أمره وعرفانها مقدار وعظمة هذا الأمر التى قامت على نشر مبادئة وتعاليمه .
عندما وجه حضرة الباب ندائه الى أحبائه فى إيران ووصل هذا النداء الى العراق أجابت حضرة الطاهرة فى الحال بكل فرح وإجلال وتوجهت الى بغداد وأقيمت فى منزل مفتى البلاد وفى هذا المنزل دافعت كثيرآ عن دين حضرة الباب بكل قوتها وبغاية المقدرة والشجاعة ونجحت فى ايقاظ الهمم من جميع الطبقات وبهذه المبادىء . قبل دعوتها ما يذيد عن الف ومائتى شخص . لقد أشعلت قلوب كثيرين من العرب والعجم من سكان بغداد وكان كل من يقابلها ينجذب من فصاحتها وسحر بيانها ويشعر بالخضوع من أثر كلماتها ولا يستطيع أحد أن يقاوم لطف شخصيتها وسمو وكمال أخلاقها .
كانت كلما تقيم فى مكان يسرع اليها الناس يستقبلوها بحماس شديد ويحرص على زيارتها العلماء والأمراء وموظفوا الحكومة اللذين كانوا يتأثرون من فصاحتها وإتساع علومها وسمو أخلاقها وعلى أثر هذا قبل حاكم كرمنشاه وزوجته هذه التعاليم عندما كانت هناك وأعلنوا هذا أمام الجميع حين سمعوا منها تفسير لسورة الكوثر لحضرة الباب فاعترفوا فى الحال وأقروا بصحة هذا الأمر .
عندما زارت مدينة همدان وأقيمت فترة هناك تغنى خلالها أكثر العلماء الروحانيين بفضائلها وشجعاتها فكانوا من فوق المنابر يعلنون أنه يليق بنا أن نتبع مثالها الشريف وعلمها لأن ما وصلنا إليه من علم لم يكن إلا قطرة فى بحر علمها .
كتب الزميل الدكتور رشيد خيون بشأن الديانة البهائية يقول:
“البابية والبهائية حركة دينية اجتماعية ، ومجددة بحدود ما تبنته من تعاليم جديدة ، عرفت بين أعدائها بنسخ الشريعة ، وإباحة المحارم. ولعلها كانت الحركة الدينية الأبرز في الشرق خلال القرن التاسع عشر ، في تبني أفكار جذابة ، استوعبت المتغيرات الجديدة ، بعد ركود السائد الديني والمذهبي عشرات القرون. عزفت هذه الحركة على وتر المعاصرة والتجديد ، مع أن رداءها الديني والمذهبي أدخلها في متاهات الإعجاز وغيرها من الغيبيات.حين نستقرئ سيرة قرة العين منذ بداية أمرها حتى ساعة مقتلها نشعر بأنها امرأة ليست كسائر النساء , فهي علاوة على ما تميزت به من جمال رائع كانت تملك ذكاءاً مفرطاً وشخصية قوية ولساناً فصيحاً , وتلك صفات أربع قلما اجتمعت في إنسان واحد , وأن هي اجتمعت فيه منحته مقدرة على التاثير في الناص وجعلته ممن يغيرون مجرى التاريخ…. إني أعتقد على أي حال أن قرة العين امراة لا تخلو من عبقرية وهي قد ظهرت في غير زمانها , أو هي سبقت زمانها بمائة سنة على اقل تقدير . فهي لو كانت قد نشات في عصرنا هذا , وفي مجتمع متقدم حضارياً , لكان لها شأن آخر , وربما كانت أعظم امرأة في القرن العشرين” .
ويمكن الادعاء بأنها لو ظهرت اليوم في العراق وإيران , أي في أوائل القرن الحادي والعشرين , ستكون قد سبقت زمانها بأكثر من قرن واحد بعد أن عاش البلدان ردة فكرية وسياسية واجتماعية عميقة وشديدة الوطأة على الناس ”
كتب الأستاذ الراحل الدكتور علي الوردي مقيماً قرة العين ما يلي: “حين نستقرئ سيرة قرة العين منذ بداية أمرها حتى ساعة مقتلها نشعر بأنها امرأة ليست كسائر النساء , فهي علاوة على ما تميزت به من جمال رائع كانت تملك ذكاءاً مفرطاً وشخصية قوية ولساناً فصيحاً , وتلك صفات أربع قلما اجتمعت في إنسان واحد , وأن هي اجتمعت فيه منحته مقدرة على التاثير في الناص وجعلته ممن يغيرون مجرى التاريخ…. إني أعتقد على أي حال أن قرة العين امراة لا تخلو من عبقرية وهي قد ظهرت في غير زمانها , أو هي سبقت زمانها بمائة سنة على اقل تقدير . فهي لو كانت قد نشات في عصرنا هذا , وفي مجتمع متقدم حضارياً , لكان لها شأن آخر , وربما كانت أعظم امرأة في القرن العشرين” .
كانت هذه هى السيدة الطاهرة قرة العين تتفانى فى ظهور هذه المبادىء والتعاليم بإخلاص وبمقدرة وقوة وكما أنها قد قبلت دعوة حضرة الباب من تلقاء نفسها وأعترفت بصحة دعواه كذلك أدركت بكل فراسة مجد حضرة بهاء الله المقبل وقد تغنت كثيرآ فى بأشعارها لهذا المجد الذى سوف يظهر, ومن بين هذه الآبيات التى نثرتها بكل برقة وعذوبة .تفضلت :
لقد خرقت أنوار الجمال الأبهى حجاب الظلام
ورقصت أرواح محبيبه فى النور المشرق من وجهه
كما ترقص ذرات الهباء فى الضياء الخارق للظلام
كان يقينها فى قوة أمر حضرة بهاء الله شديد لا يقهره شىء وكان يجعلها تنطق بنبؤات تثبت إيمانها وتوحى لها فى فى أظلم ساعات حبسها أن تقر بكل شىء فى شجاعة لا تتزعزع أبدآ وتأكد لها من خلاصها القريب . لقد حبست فى منزلها فترة