النظام و المعارضة .... وجهان لعملة واحدة في موقفهم من المرأة



وسام جلاحج
2013 / 1 / 11

من سخرية الأقدار أن النظام و المعارضة السورية يختلفوا في جميع المواقف إلا في موقفهم من المرأة. فهناك إجماع من الطرفين على تغييب هذا الموضوع أو تأجيل البحث فيه في أحسن الأحوال. وهذا ليس مستغربا ، فالعقلية الذكورية المسيطرة على مراكز القرار في كلا الطرفين لا تريد لهذا الموضوع أن يأخذ حيزا كبيرا في خطابها حتى لا تخسر حلفاء أقوياء يعول عليهم كل طرف في كسب الصراع. وهذا يعود إلى عدة أسباب:
أولا: النظام عمل طوال فترة حكمه على ضرب أي عملية تؤدي إلى إحياء المجتمع المدني وعمل بدلا من ذلك على تكريس المجتمع الأهلي وتقويته وتعزيز نفوذ قادته من الأقليات الدينية و الطائفية. وفي صفقة مبطنة بين النظام و هذه الزعامات ، أصبح لهؤلاء القادة الدينين الكلمة الأولى على رعيتهم مقابل ضمان ولاء هذه الطوائف والأقليات للنظام الحاكم. وهذا ما جعل النظام طوال مدة حكمه لا يطرح مشروعا جديا لتحرير المرأة قائما على المساواة الكاملة في الحقوق و الواجبات وعلى أساس قيم المواطنة وخصوصا في مسائل الأحوال الشخصية، لعلم النظام أن هذه المسائل إذا سحبت من هؤلاء القادة عمليا لا يبقى لهم من نفوذهم شيء. لذلك غاب موضوع المساواة عن حزمة القوانين التي أصدرها النظام مؤخرا وخاصة الدستور وجرى تكريس نفوذ وسطوة هؤلاء الزعامات بنصوص واضحة لم تكن موجودة حتى بالدساتير السابقة، و ذلك إرضاء منه لهؤلاء الزعامات ومكافأة لهم على مواقفهم من النظام في ظل الصراع الدائر بين الطرفين.
وبالمقابل فقد طرحت المعارضة بمختلف أطيافها موضوع المرأة على مضض وبشكل خجول لا يعدو كونه للاستهلاك الإعلامي أكثر من أن يكون تبنيا حقيقيا لهذه القضايا. و يمكن القول بكل صراحة أنه لولا ضغط الحركات النسوية و بعض الوجوه النسائية البارزة في الثورة ، لتجاهل قادة هذه الحركات و الائتلافات و الأحزاب موضوع المرأة كليا.
ففي ظل تواجد إسلامي قوي شبه مهيمن على الحركات و الأحزاب السياسية المعارضة، وفي ظل هيمنة إسلامية على معظم كتائب الجيش الحر، لا تريد التيارات السياسية العلمانية ( بمختلف تنوعاتها اليسارية أو القومية أو الليبرالية ) أن تغضب هذه القوى أو أن تخسر دعمها و أن تحدث انقساما كما تدعي بقضية يرونها إشكالية وليس الآن وقت البحث فيها وهي تبقى بنظرهم مؤجلة إلى حين انتصار الثورة.
ثانيا: يجمع النظام والمعارضة على رفض وكره الحركات والجمعيات والمنظمات النسائية التي تقدم خطابا علمانيا يدعو للمساواة وفقا للاتفاقيات الدولية والشرعة العالمية لحقوق الإنسان والتي لا تتبع لهم مباشرة . فالنظام وحلفاءه من أحزاب الجبهة كانوا دائما يسوقوا بأن هذه الحركات و الجمعيات هي حركات مرتهنة وعميلة للخارج ولديها أجندة غير وطنية كسبب لحظر عمل هذه الجمعيات و المنظمات وملاحقة الناشطات. ففي الوقت الذي سمح فيه النظام للحركات النسائية الإسلامية كالقبيسيات وغيرها أن تعمل بحرية على الساحة السورية، ضيق الخناق على الجمعيات الأخرى وحظر عملها وحل بعضها الآخر في محاولة لإسكات صوتها المختلف عن الخطاب الرسمي المعني بالموضوع المتمثل بالاتحاد النسائي و غيره من منظمات أو مؤسسات نسائية تتبع مباشرة للسلطة السياسية.
وبالمقابل تحارب المعارضة وخاصة الإسلامية منها هذه الجمعيات و تتهمها بأنها تريد تقويض الأسرة العربية الإسلامية و تسويق أفكار غريبة عن تربتنا العربية الإسلامية. و حتى المعارضة العلمانية ينظر معظمها بريبة إلى هذه الحركات النسائية ويتجاهل أكثر خطاباتها . والأمثلة أكثر من أن تذكر، حيث أصدرت هذه الحركات و الجمعيات النسائية خلال الثورة أكثر من ورقة و بيان و تصريح، لم تتعب معظم هذه الحركات والتجمعات المعارضة بمختلف أطيافها نفسها لنشرها على صفحاتها أو حتى التعليق عليها.
ثالثا: يجمع كل من النظام والمعارضة على رفض الالتزام بالاتفاقيات الدولية و خاصة المتعلقة منها بحقوق الإنسان أو اتخاذ موقف واضح منها على الأقل. فالنظام رغم مصادقته على العديد من هذه الاتفاقيات، لم يفته التحفظ على المواد الأساسية الجوهرية في هذه الاتفاقيات و التي عمليا تفرغ هذه الاتفاقيات من محتواها، وخاصة المواد التي تتعلق بتلقي الشكاوى أو إجراء التحقيق أو الزيارات. و المفارقة أن النظام الذي يهاجم الدول الوهابية والخليجية و العربية و يتهمها بأنها متخلفة وتحتقر المرأة و ينعت نفسه بصفة النظام العلماني، لا يختلف موقفه من اتفاقية سيداو ( اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ) عن موقف هذه الدول، فهو عمليا تحفظ على ذات المواد التي تتحفظ عليها هذه الدول ولاسيما المادة16 المتعلقة بالأحوال الشخصية. و أكثر من هذا تجاهل النظام عن عمد حين قام بوضع الدستور الأخير الإشارة إلى سمو الاتفاقيات الدولية أو إلى مكانة هذه الاتفاقيات الدولية من التشريعات الوطنية، ليتسنى له الهروب من موادها و ليدخل القضاء في متاهة التفسير و التطبيق و ليعمل إلى إعمال موادها أو إهمالها حسب رغبته و مصالحه.
والمعارضة الحالية بالمقابل ، لم تقم بخطوة مطمئنة في هذا الاتجاه. فرغم أن التيارات و الحركات و التجمعات الكبرى للمعارضة أعلنت في وثائقها عن احترامها لحقوق الإنسان وحقوق المرأة، فهي عملت إلى المراوغة في تبني موقف واضح من الاتفاقيات المعنية بحقوق الإنسان ومن الشرعة العالمية لحقوق الإنسان ومن اتفاقية سيداو بشكل خاص. حيث لا نجد في أدبيات المعارضة أي ذكر لهذه الاتفاقية إلا عند الحركات و التجمعات النسوية منها. و المخيف أكثر هو ما تطرحه المعارضة من فهم للعملية الديمقراطية عنوانه العريض الأغلبية و الأقلية الاقتراعية و ما يحدده صندوق الاقتراع والاستفتاء الشعبي على الطريقة المصرية. فبرأي أطياف من المعارضة يحق للأغلبية في المستقبل أن تصادق أو تلغي أية اتفاقية توافق عليها الأغلبية البرلمانية بما فيها اتفاقيات حقوق الإنسان و يمكن من خلال الاستفتاء الشعبي تحديد ما هي الحقوق التي يمكن أن يتمتع فيها الفرد. ورغم أن هذا الكلام صحيح من الناحية النظرية ، ولكن يبقى السؤال المهم والذي يخيف معظم الأقليات و الحركات النسائية ونشطاء حقوق الإنسان، هو :هل حقوق الإنسان وحرياته الأساسية قابلة للاستفتاء عليها وتخضع لمعادلة الأغلبية و الأقلية. وما هو مصير آلاف أو ملايين الأشخاص ( الأقلية ) في حال قررت الأغلبية مثلا استرقاقهم أو تحوليهم إلى عبيد أو تحوليهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية، وما هو الحال إذا قررت هذه الأغلبية إلغاء جميع حقوق الإنسان المتعارف عليها و الواردة في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان ووضعت بدلا عنها مفهومها الخاص للحقوق الذي يعنف المرأة ويضطهدها و يحرمها من أبسط حقوقها الإنسانية.
إن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وخاصة الحقوق الإنسانية للمرأة ، غير خاضعة للابتزاز السياسي ولم يعد من الجائز اليوم حرمان أي فرد من أفراد المجتمع من هذه الحقوق تحت أي ذريعة من الذرائع أو الحجج. وأي تسوية سياسية بالمستقبل بين النظام والمعارضة على حساب حقوق المرأة ووفقا لحسابات ضيقة لن يكتب لها النجاح وستكون محكومة بالفشل. فأحد العناوين العريضة للربيع العربي هو إلغاء التمييز بين البشر والذي كان سمة المرحلة السابقة، و تحقيق المساواة، و تعزيز قيم المواطنة كأساس للدولة القادمة التي يحلم بها المواطن العربي. وحرمان المرأة من حقوقها الأساسية سيجعل هذا الربيع يفتقد لأهم عنصر من عناصره، و التي قامت أصلا من أجله هذه الثورات وهو احترام كرامة الإنسان و تعزيز حقوقه الإنسانية.