العُصبة الوردية



عائشة خليل
2013 / 1 / 13

في عام ٢٠٠٦ كَوَنت "سمبات بال دافي" من مقاطعة "باندا" بإقليم "أوتار بارديتش" في شمال الهند العُصبة الوردية أو عُصبة الساري الوردي. و"سمبات بال دافي" أم لخمسة أطفال، وكانت تعمل وهي طفلة برعاية الغنم، وأولعت بالتعليم فعلمت نفسها مبادئ القراءة والكتابة ثم ألحقها عمها بالتعليم الابتدائي، وعملت لفترة بالرعاية الصحية. وقد عاينت الواقع المرير الذي تعيشه النساء في مجتمع شديد الفقر يتميز بالثقافة الذكورية المسيطرة، وبالفصل التام بين الطوائف، وبارتفاع نسبة الأمية بين النساء (فثلثي النساء بقريتها أميات) وبالعنف الأسري، وبزواج القاصرات، والمبالغة في مهورهن.

ولقد تكونت العُصبة لتعاقب الرجال (زوجا، أو أبا، أو أخا) الذين يمارسون العنف الأسري ضد النساء، ولوضع حد للعنف الأسري، أو الهجر. فيتحدث أفراد العُصبة مع المسيء حتى يرى خطأه. فإن لم يرتدع فإنه يتعرض للتجريس عندما يرفض الانصياع أو الاستماع لصوت العقل والحكمة. وتستخدم العُصبة اللآتي (وهو الاسم المحلي للعصا الخرزانية التي تستخدمها الشرطة والناس عامة للهجوم أو الدفاع) إذا لجأ الرجل إلى العنف معهن. فالعصبة ليست عصابة بالمعنى التقليدي للكلمة، وإنما عُصبة لإرساء العدالة المجتمعية. وقد أطلق عليهن العُصبة الوردية أو عُصبة الساري الوردي لأن أفرادها يرتدين الساري (اللباس التقليدي للنساء في الهند) الوردي اللون، اختارات "سمبات بال دافي " اللون الوردي ليميز مجموعتها عن بقية الألوان الأخرى التي تستخدمها الأحزاب السياسية. تدفع المرأة المنضمة حديثًا مئة روبية (حوالي دولارين) مقابل الساري الوردي، وخمسين روبية كاشتراك للعضوية، وتتلقى تدريبًا للدفاع عن النفس باستخدام اللآتي ويشعرها التدريب بالتمكين ويرفع من روحها المعنوية.

تؤمن "سمبات بال دافي" بأن القوة تأتي من الكفاح، وهي لا تأمل في التحول بعُصبتها إلى حزب سياسي، بالرغم من أنها أصبحت مرهوبة الجانب من قِبَل السلطات المحلية ومسموعة الكلمة بينهم. كما أن الرجال يؤيدون ما تقوم به لأنها تساعد العديد من فئات المجتمع في الحصول على حقوقهم المهدورة. فهي تؤازر فئة المنبوذين، وتعاضد مطالب العمال، وتساند العجائز، وتساعد المجتمعات المحلية بأسرها. فالقانون الهندي يمنح العجائز معاشًا شهريًا قدره ثلاثمئة روبية، ولكن تلك العجائز لا يحصلن على المعاش لأنهن غير مقيدات بالجداول الحكومية. تذهب بهن سمبات إلى وحدة الصحة المحلية لإصدار شهادة تقدير لأعمارهن، ثم ترشدهن إلى فتح حسابات مصرفية حتى يتمكن من الحصول على المعاش الحكومي. كما يتيح القانون للفقراء الحصول على الحبوب بأسعار مخفضة، ولكن التجار يستولون على الحبوب المدعمة لبيعها في السوق، فتقوم سمبات مع عُصبتها بالاستيلاء على عربتين محملتين بالحبوب ثم بتسليمهما إلى السلطات المحلية، وتتدفق منذ ذلك الوقت الحبوب المدعومة إلى القرية. تقوم الحكومة بمشروع وطني لبناء خزان لإمداد الأراضي المهددة بالجفاف بالماء اللازم للزراعة، ولكن المشروع يبقى حبيس الأدراج لمدة خمس سنوات وكأنه حبر على ورق، تواجه سمبات السلطات المحلية بواقع الحال، فيبدأ المشروع الذي يعمل فيه مئات العمال الذين يستفيدون بدورهم من أجورهم اليومية. وهكذا تعمل سمبات دون كلل أو ملل لمساندة النساء والرجال والمجتمعات، فهي تستطيع أن تواجه السلطات المحلية بما لا يستطيعه الفلاحون الفقراء والأميون، ولذا تلقى منهم الاحترام والمساندة.

ولعملها الدؤوب الذي لا تبغي من ورائه سوى مساعدة الفقراء - فهي مازالت تسكن في منزل متواضع عبارة عن حوائط مغطاة بالجريد والبلاستيك - تلقى "سمبات بال دافي" اهتمامًا متزايدًا من قبل وسائل الإعلام، فتغطي الصحافة الهندية والعالمية أخبار ومقتطفات من أعمالها، وتكون موضوع برامج وأفلام وثائقية، وأفلام روائية آخرها فيلم سيرفع عنه الستار في احتفالات اليوم العالمي للمرأة يوم ٨ مارس ٢٠١٣.