الرجل القائد للجماعة و صلاة الجمعة



حمزة رستناوي
2005 / 3 / 24

إن هذه العبارة " العنوان " قد تستفز الغالبية العظمى من النساء في المجتمعات العربية الإسلامية ذات الثقافة الذكورية الأبوية المحافظة ، و لكن " المرأة المتدينة " سوف تقوم بمراجعة جوّانية لإعادة تقييم موقفها ، لتتبنى و بحزم شعار " الرجل القائد للجماعة و صلاة الجمعة " انطلاقا من انصياعها " للحكم الشرعي " في المسألة .
بداية لنميز بين الظاهرة القرآنية أي الخطاب النبوي المؤسس ، و بين الظاهرة الإسلامية المكونه من مجموعة نصوص ثانوية و نتاجات تشمل " الحديث و التفسير و الفقه و التصوف إلخ ....... "
فعند النظر إلى مسألة جواز إمامة المرأة للمصلين في الجماعة و صلاة الجمعة ضمن إطار الظاهرة القرآنية ، سوف لن نجد أي نص قرآني يؤكد أو ينفي جواز إمامة المرأة في صلاة مشتركة بين الرجال و النساء ، فهذه المسألة تدخل في إطار الظاهر الإسلامية و لا نستطيع تحميل الخطاب النبوي ما لا يحتمل ، أما عند النظر إلى المسألة في إطار الظاهرة الإسلامية فسنجد وجهات نظر و أراء كثيرة تجمع على عدم جواز أو كراهية إمامة المرأة للمصلين في صلاة الجماعة و الجمعة المشتركة بين الرجال والنساء ، و سأكتفي هنا بنص وحيد للحاجة درية الغيط في كتابها " فقه العبادات على المذهب الشافعي " حيث تذكر الشروط الواجب توفرها في الإمام لتصح القدوة به ، و نأتي معها إلى الشرط السادس " ألا يكون الإمام أدنى من المأموم بالأنوثة و الذكورة ، فلا يصح إقتداء الرجل بامرأة أو بخنثى ، و إقتداء الخنثى بامرأة ، و لا إقتداء الخنثى بالخنثى ، و تصح قدوة رجل برجل ، وامرأة بخنثى ، وامرأة بامرأة " ص 287
و في مكان أخر تقول : " و أفضل الصفوف الأول فالأول للرجال ، و كذلك للنساء إن لم يكن معهن رجال ، أما إذا كانت الجماعة رجالاً و نساء فالأصل أن تقف النساء خلف الرجال ، و إذا وقفت المرأة بحذاء الرجل أو أمامه صحّت صلاتهما ، و لكن الأفضل أن تتأخر عنه لحديث أبي هريرة " خير صفوف الرجال أولها ، و شرها آخرها و خير صفوف النساء أخرها و شرها أولها "" .
بالوقوف عند النص السابق نلاحظ :
1- وجود بناء تراتبي قيمي للمجتمع ، و ليس بناء تكملي " استخدام كلمة أدنى " رجل  امرأة  خنثى
2- هناك لغة فقهية تنضح من ذهنية التحريم و التحليل عبر توكيل اعتباطي مباشر من الله إلى الكاتبة من خلال استخدام تعابير مثل " لا يصح - لا يجوز"
3- الباعث على عدم جواز إمامة المرأة ، و تأخير صفوف النساء عن الرجال هو فكرة الفتنة التي يتم التعامل مع المرأة ضمن منظورها ، حيث أم تقديم المرأة أو الوقوف بحذاء الرجل يفسد صلاته ، و كأن المرأة الإمامة الافتراضية سوف تلبس " ميني جوب " أو" جنز " مثلاً ، فالمسجد مكان عبادة و هذا يفترض توفر مقاييس معينة للتصرف و اللباس في المسجد تدخل في إطار الحشمة و الطمأنينة و الوقار و التسامي الروحي . و الفتنة بحد ذاتها علاقة متناظرة ، فالمرأة قد تكون فتنة للرجل ، و الرجل قد يكون فتنة بنسبة للمرأة ، و لكننا تعودنا النظر إلى المسألة من وجهة نظر ذكوريّة ، حتى و لو كانت الكاتبة امرأة فيزيولوجياً و تشريحياً " الحاجة درية الغيط في مثالنا "
4- في دولة الرسول و المدينة كان الرجال و النساء يصلّون الجمعة في المسجد دون وجود حاجز يفصل الرجال عن النساء أو ملحق مخصص لمصليات أو باب دخول خلفي مثلاً كما هو الآن في معظم مساجدنا
إن ما حرضني على كتابة هذا المقال هو خبر صحفي معنون بـ " امرأة تؤم المسلمين و المسلمات في صلاة الجمعة في نيويورك " حيث قررت الدكتورة أمينة ودود و هي دكتورة في الدراسات الإسلامية في جامعة فيرجينا كومنولث أن تؤم عدداً من المسلمين في صلاة مشتركة بين الرجال و النساء يوم الجمعة الواقع في 18 آذار ، كما ستلقي خطبة الجمعة أيضاً ، و سيكون هذا الحدث برعاية عدد من المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية .
إنا بلا شك أمام حدث تاريخي بامتياز ، و لا تكمن تاريخيته في السبق الذي يقدمه فقط ، و لكنه دفعه واحدة يجعلنا ندخل في صدام فكري مع تراث إسلامي بشري مهيمن ما يزيد عن أربعة عشر قرناً ، و ما كان لهذا الحدث أن يكون خارج الإطار الاجتماعي و الجغرافي المهيأ له ، ألا و هو المجتمع الأمريكي ، فإمامة امرأة للمصلين في صلاة الجمعة ذات معنى رمزي يتجاوز الإمامة بحد ذاتها ، إنها تطرح قضية تخلف الفكر الديني السائد الذي يرفض انخراط المرأة في الحراك الاجتماعي عامةً ، و الحراك المؤسساتي الإسلامي خاصةً ، فلا يجوز للمرأة أن تكون قاضية مع استثناءات محدودة و لا يجوز للمرأة أن تكون رئيسة جمهورية أو رئيسة حكومة أو عمدة مدينة مثلاً ، و قد يصل الأمر في بعض البلاد العربية كالمملكة العربية السعودية إلى حرمانها من حق الترشيح و الانتخاب لمجالس بلدية صورية نصف معيّنة و بل حتى منعها من قيادة السيارة ، لأنها حسب التعبير الأثير لدى المسلمين الفحوليين " ناقصات عقل و دين " و إذا أردنا نقل هذا التعبير إلى لغة الرياضيات " شهادة الرجل = شهادة امرأتين " " ميراث الرجل = ميراث امرأتين "
فالرجل يجوز له أن يؤم النساء في جماعة و في صلاة الجمعة ، و لا يجوز للمرأة أن تؤم الرجال يغض النظر عن المفاضلة العلمية و الأهلية الشرعية بينهما ، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدكتورة أمينة ودود متخصصة بالتفسير و الدراسات القرآنية و هيه تحظى باحترام كبير في الأوساط الأكاديمية الإسلامية عالمياً .
هناك تعبير غير مألوف في اللغة العربية " الإمامة أمينة ودود !!!! " فلغوياً أمَّت المرأة أمومةً : أي صارت أمَّاً ، فالأمومة اللغوية تعبير يتناسب مع الوظيفة الاجتماعية المنوط بها للمرأة ، أما أن تكون المرأة إمامة فهذا يقع ضمن حقل المستحيل التفكير فيه – حسب محمد أرغون – فمأزق الفكر الديني الإسلامي هو في أسلمته ، أي في ربط النتاج البشري الفكري الاجتماعي للنبي و الصحابة و الفقهاء بالمقدس على نحو خرافي أو عنصري ، فما يميز الأفكار و المفاهيم " قدرتها على الهجرة و الانتقال إلى أقاليم أخرى في حركة مزدوجة ملتبسة من الانزراع و الاقتلاع " فالثقافة بمعناها الأشمل هي صناعة الحياة ، و إبداع مفاهيم جديدة أو تطوير لمفاهيم قديمة ، إن مقولات " الرجال قوامون على النساء " و " النساء ناقصات عقل و دين " و " لا يفلح قوم ولوا امرأة " هي نماذج نمطية لتفكير جمعي أنتج ما نسميه بالظاهرة الإسلامية ذات المحتوى الفقهي المتورم ، و لا يمكن دراسة هذه الظاهرة إلا في سياق تاريخي نفسي أنثروبيلوجي تفاعلي مناسب ، فنحن أمام مجتمعات عربية إسلامية أبويّة قبلية طائفية قائمة على أساس التراتب الصارم كأفضلية الذكورة على الأنوثة ، باعتبار الذكورة أداة هيمنة في مجتمعات تفتقد إلى بنية مؤسساتية ، و نواظم قانونية متاحة حالياً في المجتمعات الغربية .
هل تملك المرأة الحق في إمامة المسلمين في صلاة الجمعة ؟ !
الدكتورة ودود لا تجد في الإسلام ما يمنع من إمامة المرأة للرجل في الصلات حسب قولها ، و لنكن دقيقين في كلامنا ، لم أجد في الخطاب النبوي " الظاهرة القرآنية " ما يمنع المرأة من الإمامة في الصلاة للرجل ، و أما الإسلام " الظاهرة الإسلامية " فهو ظاهرة أكثر تعقيداً أنتجها المسلمون في أطوار تاريخية معينة و مازال إنتاجها مستمراً حتى الآن ، و بالتالي لا يمكن أن نعزل رأي المسلمين عن الإسلام ، فالإسلام و المسلمون شيء و احد على خلاف ما يقول أستاذنا محمد عبده ، فالغالبية الساحقة من المسلمين والمسلمات يرفضون إمامة المرأة للرجل ، لأنهم بشكل أو بآخر مازالوا حبيسي الدائرة النصية ، و فكرة الاكتفاء الذاتي و الانعزال الجغرافي عن العالم .
فدعوات تحرير المرأة هي بشكل أو بآخر صدى للحركة النسويّة الغربية ، و تبرز حالياً كضرورة في إطار أسئلة النهضة و برامج الإصلاح المطروحة حالياً في العالم العربي و الإسلامي ، و أركّز هنا على البعد الجغرافي و الاجتماعي لعبارة " العالم العربي و الإسلامي " فهذا الحدث " إمامة المرأة للجماعة و الجمعة في صلاة مشتركة " غير قابل للحدوث في بلدان و فضاءات اجتماعية أخرى خارج حدود الولايات المتحدة الأمريكية و الغرب بصفة عامة " ، ففي البلاد العربية مثلاً لا يمكن أن نشهد هكذا حدث لافتقاد هذه البلدان و المجتمعات إلى هامش حرية يتيح لامرأة أن تغامر هكذا مغامرة لوجود الأسرة أو الحزب القائد للدولة و المجتمع