برلمانيون بدون ضمير أخلاقي ولا حس وطني أو إنساني.



سعيد الكحل
2013 / 1 / 15

في الوقت الذي تتعبأ فيه الهيئات النسائية والمنظمات الحقوقية من أجل الضغط السياسي والأدبي والحقوقي على الحكومة لتعديل القانون الجنائي خاصة الفصل 475 المتعلق بجريمة الاغتصاب ، وكذا فصول مدونة الأسرة التي تجيز تزويج القاصر أو المتعلقة بإثبات البنوة ؛ تشذ لجنة التشريع في البرلمان عن السياق العام للتعبئة وتصر على تأبيد العنف ضد النساء وحماية مغتصبيهن من العقاب أو تحمل التبعات .فالبرلمانيون لا يتحملون مسئوليتهم الوطنية والأخلاقية من مستويين : الأول أنهم تغيبوا عن أشغال لجنة التشريع وهم على علم بمقترح التعديل وأهمية دعمه وإجازته ،إذ لم يحضر سوى 16 عضوا . وتغيبهم إخلال بواجبهم الوطني وخيانة للأمانة التي تطوق عنقهم ، فضلا عن تواطؤهم لتأبيد معانة المرأة ، مما يجعلهم دينيا يتحملون وزر الجرائم التي ترتكب ضد النساء . فلا يمكن التعلل بأن النواب الإسلاميين هم من رفض التعديل . فهؤلاء الإسلاميون لا يشكلون الأغلبية البرلمانية 50 + 1 التي تضمن رفض التعديل أو تمريره ، وإن كانوا يشكلون الأكثرية لا تمنحهم حتى نصيب الثلث ؛ فأين باقي النواب ؟؟ المستوى الثاني : أن الأعضاء 16 الذين حضروا رفضوا المقترح بأغلبية 12 صوتا مقابل 3 وامتناع نائب واحد. والذين لم يمنعهم ضميرهم الأخلاقي وحسهم الوطني والإنساني عن معارضة مقترح التعديل فقد فقدوا آدميتهم قبل ضمائرهم التي ما عادت تهتز لفظاعة الجرائم التي تُرتكب في حق النساء وفداحة تبعاتها الاجتماعية والمادية على المجتمع والدولة . فالولاء الحزبي يعمي الأبصار ويميت الضمائر ويحجب حقيقة الأطفال المتخلى عنهم بأنهم في غالبيتهم الساحقة أبناء لأمهات عازبات تعرضن للاغتصاب أو التغرير بهن دون أن يكون لهن القانون سندا حقيقيا يسترددن به حقوقهن وحقوق أبنائهن . فالسيدة عائشة الشنة أطلقت حملة تحت شعار "ارحموا الأطفال اليوم ليرحموكم غدا"، وهو شعار يحذر الدولة بكل مؤسساتها من تزايد أعداد هؤلاء الأطفال الذين هم مشاريع منحرفين ومجرمين إذا لم يتم تغيير القوانين المشجعة على تمدد الظاهرة . فبحسب تقديرات السيدة الشنا ، سيتزايد عدد المواليد خارج إطار الزواج بنسبة 50% في العشرين عاما المقبلة . ولا جرم أن القوانين الحالية فيها من التناقض ما يجعلها تعصف بأسس ومبادئ المناصفة والمساواة التي نص عليها الدستور ؛ وأخص منا بالذكر :
1 ـ المادة 146 من مدونة الأسرة تنص على التالي ( تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية ) .بينما المادة 148 من المدونة نفسها تنص على إعفاء الأب من كل التبعات (لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية ) . فبأي منطق وبأي ضمير وبأي عدل تتحمل الأم نتائج الاغتصاب ومخلفاته وآثاره وهي الضحية ولا يتحملها الفاعل/الجاني ؟؟ فإذا كان فقهاء زمان شرّعوا لزمانهم وظروفهم ، فإن زماننا وفر ظروفا تقنية وعلمية تسمح بالكشف عن الأب الحقيقي لكل مولود . فلم يعد من عذر للمشرعين لكي يلغوا اللامساواة ويقروا المناصفة بين الأم الطبيعية والأب الطبيعي في تحمل التبعات .
2 ـ المادة 156 من المدونة تقر باعتماد جميع الوسائل الشرعية بما فيها الخبرة الطبية لإثبات البنوة في حالة حصول الحمل أثناء فترة الخطوبة ؛ علما أن الخطوبة ليست علاقة شرعية حتى من الناحية القانونية نفسها .هي وعد بالزواج فقط. في حين أن المدونة لا تقر باعتماد نفس الوسائل لإثبات البنوة في حالة الاغتصاب أو التغرير أو خارج الفراش .
3 ـ المادة 147 تنص على التالي (تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب ) . وهنا إقرار بشرعية بنوة الأمومة المغتصَبة ورفض لها في حالة الأب المغتصِب . وهذا ليس عدلا أبدا ، بل تشجيع لجرائم الاغتصاب وحماية للمغتصِبين/الجناة . والمشرّع ، في هذه الحالة ، لا يضع تشريعات تحمي المجتمع وتحمي أفراده في أعراضهم وحقوقهم وآدميتهم ، بقدر ما يضع تشريعات هي أقرب إلى قانون الغاب . إذ بسبب هذه التشريعات التي تحمي المغتصِب من كل التبعات وتحملها للأم المغتصَبة ، لن تنحصر جرائم الاغتصاب ، بقدر ما تستفحل وتتفشى لغياب الرادع القانوني . أما التخفي وراء الإسلاميين البرلمانيين لن يعفي باقي النواب من مسئوليتهم الدينية والوطنية والأخلاقية . ذلك أن جرائم الاغتصاب لا تخضع أبدا للمزايدات السياسوية ولا ينبغي لها أن تكون موضوع تجاذب بين الأغلبية والمعارضة . وكل النواب يدركون الخلفية الإيديولوجية لحزب العدالة والتنمية ومواقفه المناهضة لمشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية والمسيرة التي نظم في البيضاء سنة 2000. لهذا لا يمكن توقع تغيير مواقفهم أو مراجعة قناعاتهم تجاه المرأة التي تظل في لاوعيهم كما في عقائدهم مصدر كل الشرور ؛ وهي المسئولة ، بالتالي ، عن فساد الأخلاق وجرائم الاغتصاب . فأي قانون لصالح الضحايا يعتبره الإسلاميون تشجيعا على الفساد والانحلال والإباحية . وكل غياب البرلمانيين أو امتناعهم عن التصويت هو تواطؤ فج مع الإسلاميين ضد حماية المجتمع والنساء من جرائم الاغتصاب وآثارها .