مكانة المرأة في الشرائع الدولية..!(*)



باقر الفضلي
2013 / 1 / 22

مكانة المرأة في الشرائع الدولية..!(*)

باقر الفضلي

المادة الأولى:
[[ يولد الناس أحراراً متساويين
في الكرامة والحقوق، وقد وهبو عقلاً وضميراً
وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الأخاء.]]
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان


رغم وضوح نص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وهو نص عام شامل، كامل في أركانه ومحتواه، في كل ما يتعلق بحرية الإنسان وكرامته وحقوقه، وفي مساواة الإنسان بعضه للبعض الآخر، في كل ما له مساس بتلك الحرية والكرامة والحقوق..!


رغم كل هذا الوضوح في النص، ورغم [[ إن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها.]](1)

أقول رغم كل ذلك، وبعد مرور ما يزيد على خمس وستين عاماً على إعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا الإعلان في 10/12/1948، فإن البشرية اليوم وعلى وجه الخصوص (المرأة) التي تشكل ما يزيد على النصف من سكان المعمورة، لا زالت تعاني من إنتهاك فض لتلك الحقوق التي شملها الإعلان المذكور، ومن هدر للكرامة الأنسانية والشخصية، لدرجة لا تستسيغها النفس البشرية، ولا تقرها السنن الوضعية ولا حتى الشرائع السماوية؛ فالمرأة اليوم، وفي مناطق غير قليلة من المعمورة، لا تجد أمامها من التشريعات والقوانين المسنة، ما يحمي كرامتها الإنسانية أو يضمن حقها في الحفاظ على هذه الكرامة، سواء على صعيد المجتمع أو الأسرة، ناهيك عما يلحقها من غبن لا حدود له في مجال المساواة مع الرجل في ميادين الحقوق السياسية أوالإجتماعية..!


ولعل من أبرز صور إنتهاك الكرامة الإنسانية للمرأة، ما تكابده المرأة البالغة في تلك البلدان التي لازالت تتحكم بها العادات والتقاليد البالية، التي لا تستند في سننها وأحكامها الى منطق علمي أو خبرة إنسانية صقلتها التجارب، بقدر ما كونها تقاليد وعادات قديمة، يكمن أساسها في الشعوذة والخرافة، أو في بعض المعتقادات ذات اللبوس الديني التي تفتقر الى الدليل أو الحجة البينة، والتي تنتشر فيها الأمية والجهل على نطاق واسع بين أسر مجتمعات تلك البلدان؛ تلك المعاناة التي لا يسبر غورها ولا يحس بعمق آلامها إلا من كابدها بنفسه، ليدرك متأخراً الخطأ الجسيم وغير المقصود قياساً بمستوى الوعي السائد يومذاك، الذي إقترفته الأسرة بحق بناتها في صغرهن من فعل يرقى الى مستوى الفعل الشائن بحق أولاء القاصرات، جرياً مع منطق العادة والتقاليد ليس إلا..!؟


فقد أثبت العلم الحديث والتجربة البشرية المتواصلة حتى اليوم، مقدار الضرر البدني والنفسي الذي يلحق بالأناث، من اللائي يتعرضن بعد الولادة أو في صغرهن، الى عملية " الختان"، الذي تفرضه الأسرة ويقره المجتمع السائد في حينه، ناهيك عما يتسبب به من التشوهات الخلقية، والإحساس بالمهانة وغيرها من المشاعر النفسية المؤلمة فيما بعد، الأمر الذي أخذ معه بعداً دولياً تصدت له الأمم المتحدة بعد الكثير من الشكاوى المرفوعة اليها من قبل العديد من منظمات المجتمع المدني، أو منظمات حقوق الإنسان من مختلف البلدان التي تتعرض فيها النساء والفتيات الى ممارسات " تشويه الأعضاء التناسلية"، حيث وطبقاً لتلك المنظمات فإن ثلاثة ملايين فتاة وأمراة تواجهن خطر " تشويه أعضائهن التناسلية" في كل عام، معظمها في أفريقيا وبعض البلدان في آسيا والشرق الأوسط..!(2)


وأزاء الواقع المذكور، وجسامة الضرر الذي تتعرض له المرأة في تلك البلدان، فقد واصلت الأمم المتحدة سعيها المتواتر للحد من ظاهرة "ختان الأناث" ، التي باتت اليوم من الأخطار الجسيمة التي تهدد مستقبل أجيال غير قليلة من الفتيات والنساء في عدد من قارات العالم، الأمر الذي دفع بالجمعية العامة للأمم المتحدة الى إعتماد قرارها التاريخي في 19/1/2013 والذي " يهدف إلى إنهاء عمليات ختان الإناث، والتي وصفها بأنها "ممارسة ضارة لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث"، تضمن تعيين يوم السادس من فبراير/ شباط من كل عام "يوماً دولياً لعدم التسامح" إزاء هذه الممارسة، التي وصفت بـ"البغيضة." هذا في نفس الوقت الذي حث فيه " الدول الأعضاء على "اتخاذ جميع التدابير، بما في ذلك التشريعات التي تحظر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، لحماية النساء والفتيات، وإنهاء الإفلات من العقاب لممارسي هذه الظاهرة."..!(3)


ولعل ما يميز القرار الجديد عن سابقاته كقرار 2008، هو الإصرار الذي إعتمدته الجمعية العامة في سعيها لإنهاء تلك الظاهرة، التي وصفتها ب "البغيضة" من جهة، وإلزامها الدول الأعضاء عن طريق حثها على إتخاذ التشريعات الضرورية التي تحضر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، في نفس الوقت الذي أكدت فيه على تضمين الجانب العقابي في تشريعات الدول الأعضاء، الذي سيضع كل من يمارس هذه الظاهرة تحت طائلة العقاب، بالإضافة الى تحديد يوم السادس من شهر شباط من كل عام، يوماً عالمياً لعدم التسامح أزاء هذه الممارسة "البغيضة" على حد قول القرار..!


ومع كل هذا الجهد الذي تبذله الجمعية العامة للأمم المتحدة في مواجهة الحد من هذه الظاهرة "البغيضة"، يظل على الصعيد العملي موقف الدول الأعضاء من هذا القرار على المحك، وبالذات منها مجموعة الدول الأفريقية وغالبية دول الشرق الأوسط ومنها الدول العربية ودول آسيا، التي وطبقاً لبيانات الأمم المتحدة تشكل فيها ممارسة "ختان الأناث" ظاهرة شائعة، لتمثل صورة فاقعة من صور عدم المساواة بين المرأة والرجل، ناهيك عما تعانيه المرأة من صور عدم المساواة الأخرى في حقوقها السياسية والأجتماعية..!؟


فهل ستقدم تلك الدول بإعادة النظر في تشريعاتها وقوانينها النافذة، وتقوم بتضمينها من النصوص ما يحمي كرامة المرأة ويصون حقوقها، وذلك وعلى أقل تقدير، بالقدر الذي ينسجم وتشريعات لائحة حقوق الإنسان، وما ورد من نصوص قرارات الأمم المتحدة التي تصون كرامة المرأة، ومنها قرارها الجديد موضوع البحث، وتأخذ مثلاً بما أقدمت عليه رئيسة الحكومة الفدرالية الأسترالية السيدة جوليا غيلارد بإتخاذها مجموعة من الإجراءات بغرض الحد من " ختان الأناث " وما يصاحبها من أضرار جسدية ونفسية، علماً بأن ممارسة تلك العملية، تعد من جرائم الإنتهاك الجنسي في أستراليا، وتصل عقوبة المتورط فيها في حالة الإدانة في بعض الولايات الأسترالية، الى الحبس لمدة 20 عاما..!(4)
باقر الفضلي / 21/1/2013
(*) بمناسبة صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن "ختان الأناث" في 19/1/2013
(1) http://www.un.org/ar/documents/udhr/
(2) http://arabic.cnn.com/2010/scitech/2/5/WHO.Women/index.html
(3) http://arabic.cnn.com/2013/scitech/1/19/unitedNations.mutilation/
(4) http://www.alankabout.com/news/australian_news/18204.html