ياللهول.. الطائرة تقودها إمرأة!



أمير على
2013 / 2 / 1

سمعت وقرأت كثيراً عن حوادث طيران عديدة حدثت فى سماء هذه المدينة الأوروبية التى كنت متوجهاً إليها.. حوادث تُحيكها طبيعة غاضبة تسلّط مناخها الحاد وعواصفها العنيفة, حتى أنهم قرروا إيقاف الرحلات الجوية إلى هذه المدينة وغلق المطار لفترة طويلة قبل معاودة الرحلات بعد أخذ الإستعدادت والتعاقد مع قائدى طائرات أشداء.
لكن كانت مفاجئتى بعدما صعدت الطائرة وجلست فى مقعدى أن أسمع صوتاً أنثوياً يأتينى عبر السمّاعة الداخلية للطائرة مُرحباً بالمسافرين ومعرفاً أو معرفة بنفسها على أنها كابتن الطائرة المسئولة عن الرحلة. وكنت الوحيد من بدا متفاجئاً, فالركاب الآخرين كانوا إما مسترخيين فى مقاعدهم أو آخرين ملّوا هذه الترحيبات المكررة بتكرار أسفارهم, فإنشغلوا بأمور أخرى.

"الكابتن كان واحدة ست".. وتخيلت وقتها لو كان مكانى شىء من تلك الأشياء المعروفة بيولوجياً بـ"الشيوخ"!
ورغم أفكارى وإستعدادتى الذهنية المُسبقة عن عالم مختلف تماماً عما شهدته فى مجتمع الجرذان الملتحية, تفاجئت.. أنا القادم من مجتمع ربما أصبح مؤخراً من حق المرأة القانونى أن تستخرج بطاقة إنتخابية وتشكل فرقاً سياسياً بصوتها (أو كما يفترض طبعاً قبل أن يعيد الأخوان المسلمون تحوير مفهوم العمل بالسياسة إلى جمعية مواد تموينية), من حقها أن تستخرج رخصة وتقود سيارة, من حقها إن أثبتت كفاءتها أن تصير مشرفة ومديرة (ورئيسة بلد؟! ليس بعد وربما ليس إطلاقاً), أو أن تصير قاضية (إلى حد معين لكنها على أية حال, تصبح عضوة بنادى القضاة وتحمل لقب قاضى)..
لكن يظل مشهد إمرأة تقود سيارة أمراً محط سخرية أغلب المجتمع الذكورى ونادراً ما تستقل تاكسياً مثلاً وتلمح إمرأة بسيارتها دون أن يتناهى إلى سمعك سخرية السائق منها وربما سبّها ولعنها لا لشىء إلا لكونها إمرأة.. ويبقى منظر المرأة المديرة أمراً مثيراً للغيظ لمن يعمل تحت مسئوليتها ومهيناً لشرف ذكوريته الوهمى.. وتبقى صورة المرأة قاضية أمراً مثيراً للإمتعاض وعدم الإرتياح للكثيرين ونذير شؤم!
والأسباب معروفة, إذ كيف تصبح ذات الصوت العورة والمنقوصة شهادتها وعقلها مديرة أو قاضية أو سائقة !!

لكن حتى هذا المجتمع الذى إعتبرناه أكثر حظاً بدأ بدوره يفقد هذا الحظ القليل بعد تمكن أعداء الحياة من الوصول للحكم وبدأ يقترب بإنحطاطه من مستوى مجتمعات لصيقة ترزح أكثر تحت نير ثقافة بائسة ودين أعرج. لا تزال تُـفضل قتل البنات فى حريق مدرسة بلا مبالاة بشعة ودون نية التفكير فى إنقاذهم, فقط لأن الدين أفهمهم أنهن عورة ولا يجوز دخول رجال المطافىء عليهن.. ولا تزال تفضل قتل البشر دون أن تقود إمرأة سيارة ربما تمكنها من إنقاذ حياة واحد من هؤلاء البشر فذلك أفضل جداً عند الله وعند إسلامهم.. ولا يزال كل إهتمامها بالبحث عن تلك الناشز وتلك الكافرة التى قد تعترض أو تلك التى تجرؤ على إرتداء زياً عملياً ومريحاً أكثر كالبنطلون مثلاً وتعاقبها بالجلد أو ربما بالقتل بما لا يخالف شرع الله لمنع فتنة قد تزلزل عرش الرحمن فيزلزل بدوره (أو بقدمه) الأرض..ولا تزال تلوم البنت على ملابسها وإتهامها بأنها السبب والمتهم فى تعرضها للإغتصاب والتحرش بها مع أنه حتى لو كانت عارية فلا يمكن تبرير إغتصابها إطلاقاً.
ببساطة وبأسف مرير, ثقافة تضع المرأة فى مكانة بين الإنسان والحيوان, وأقرب للثانية لكن حتى الحيونات أصبح لها حقوقاً أكثر منها فى كثير من البلدان!

وصلنا المطار بعد رحلة لم نشعر فيها بأى إهتزاز أو أى زلزلة ربانية للطائرة وحطّت الطائرة بكل سلاسة بفضل كابتن الطائرة المحترفة التى حياها الركاب بتصفيق حاد شاكرين لها و"مفتونين" بمهارتها خلال الرحلة قبل أن تظهر هى واقفة على باب الطائرة متبسمة تحيى الركاب وتودعهم.
وعندما عبرت بوابة الخروج, كان الظابط المسئول إمرأة وفى الخارج كان سائق التاكسى إمرأة وكانت الحياة تدور دورتها فى تناغم وهدوء وفوق ذلك, فى تقدم وتحضر لا تعرفه مجتمعات أوهمتها قيمها البالية وأفكارها الدينية أنها تحيا فى قمة المثالية رغم أنها تتنفس تخلفاً وتعيش هراءاً صافياً.
وغبت فى شوارع المدينة وأنا أسأل نفسى ماذا لو أن هذه الكابتن قد تربّت فى مجتمعنا, ماذا كانت لتصبح الآن بجانب أنها سوف تضع مصحفاً فى كابينة الطائرة كى يحميها من الفتنة ومن وساوس الذكور وإن نجت من إحتقارهم, هل ستنجو من إحتقارها الذاتى؟!!