درية شفيق والحقوق السياسية للمرأة



عائشة خليل
2013 / 2 / 2

اعترضت المؤسسات النسوية في مصر بشدة على شطب اسم درية شفيق (1908-1975) من مناهج التعليم. وتواتر أن رغبة القائمين على الحكم في مصر اليوم في عدم إدراج اسمها مؤداها إلى أنها سافرة لا ترتدي الحجاب، وبالتالي لا يليق أن تُدرس للنشء. وتساءل البعض: إذا كانت صورتها "لا تليق" فماذا عن تاريخها؟ ففي الواقع تدين المصريات (ولا أبالغ إن قلت العربيات) إلى درية شفيق بالفضل في الحصول على حق التصويت والترشح في المجالس البرلمانية والنيابية. وربما كان هذا السبب الرئيسي للرغبة في طمس تلك القيمة التاريخية الكبيرة.
تعرفت على درية شفيق منذ سنوات طويلة عندما كنت طالبة بالجامعة، حيث كانت مؤرختها الدكتورة سانثيا نيلسون أستاذتنا - ومازلت أتذكرها حديثها بشغف عن درية شفيق ونضالها الرائع من أجل حقوق المرأة العربية. وكانت أستاذتنا تعمل في ذلك الوقت على وثائق درية شفيق والتي أهدتها ابنتيها إليها، وخرجت علينا بكتاب قيم - رجعت إليه لأوثق تاريخ درية شفيق - هو "درية شفيق : مصرية طالبت بالمساواة بين الجنسين، امرأة مختلفة".
ولدت درية شفيق في دلتا مصر حيث ترعرت في مدينتي طنطا والمنصورة في وقت كانت مصر فيه شاهدة على الحرب العالمية الأولى وما تلاها من ثورة شعبية مصرية عارمة على الاستعمار (ثورة 1919) واستخدمت درية شفيق ما أتيح لها من فرص تعليمية حيث درست بالبعثة الفرنسية في طنطا ثم التحقت ببعثة بفرنسا وحازت على دكتوراة الفلسفة من جامعة السربون عام 1940. وبدأت حياتها المهنية مفتشة للتعليم الفرنسي بالمدارس الثانوية ثم تحولت إلى الصحافة وقيادة الوعي النسوي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث دعت إلى الاندماج الكامل للنساء في الحياة السياسية. وعملت لفترة كرئيس تحرير للمجلة الثقافية: "المرأة الجديدة" التي كانت تصدر بالفرنسية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأسست مجلة "بنت النيل" خاطبت فيها وعي نساء الطبقة الوسطى المصرية، ومجلة "الكتكوت" للأطفال. كما أسست اتحادًا نسائيًّا يعرف باسم “اتحاد بنت النيل” عارضت من خلالها النظام الحاكم (قبل وبعد ثورة 1952)
نشرت درية شفيق سبعة كتب بالعربية والفرنسية منهم مجلدان شعر، ورواية وأربع كتب نسوية. ولقد حاولت من خلال نشاطاتها المتعددة (السياسية، والكتابة بالكتب والمجلات) زيادة وعي النساء بمصر. ودعيت للحديث عن نضال المرأة العربية إلى منتديات بأوربا، والولايات المتحدة، والهند، وباكستان.
أما قصة الدستور فهي تستحق التوثيق والرواية، ففي مارس 1954 اعترضت درية شفيق على عدم تمثيل المرأة في لجنة الدستور وأصرت على منح المرأة المصرية الحق في التصويت والانتخاب، ولكنها لم تلق آذانا صاغية، فأضربت هي وثمانية من زميلاتها عن الطعام لمدة ثمانية أيام في نقابة الصحفيين (نقلن خلالها قسرًا إلى المستشفى إلا أنهن واصلن إضرابهن هناك) وأصبح الإضراب حديث الصحافة اليومية ما بين وعود الحكومة المراوغة وإصرار النساء على التمسك بمطالبهن المشروعة، وانقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض - فكانت هناك مظاهرات منددة بإضراب تلك النسوة عن الطعام، كما كان هناك تلغرافات تأييد لموقفهن تأتي من كل حدب وصوب - وبالرغم من الضغوط العديدة التي مورست عليهن ظلت النساء ثابتات على موقفهن حتى حصلن على وعد كتابي من القائمين على الأمر: حيث وصل محمود نور محافظ العاصمة إلى المستشفى ليبلغهن أن الرئيس محمد نجيب قد وعد بمنح المرأة الحقوق السياسية في الدستور القادم، وأصرت درية شفيق أن تحصل منه على خطاب بهذا المعنى. وبالفعل حصلت المرأة على حقوقها السياسية بفضل نضال درية شفيق. ولكنها اصطدمت مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر لتخليه عن المسار الديمقراطي، فما كان منه إلى أن وضعها تحت الإقامة الجبرية عام 1957. وظلت في عزلة عن الرأي العام والممارسة العامة إلى أن توفيت عام 1975.
هي إذن مناضلة نسوية نجحت في انتزاع الحقوق السياسية للمرأة المصرية، وهمشتها القوى السياسية أثناء حياتها، والآن يمحى تاريخها النضالي من المناهج التعليمية حتى لا تجد فتياتنا أمثلة مشرفة في العمل النسوي تقتدين بها، فيسهل أقتيادهن إلى ما يراد لهن من تهميش.