انتكاسة لحقوق المرأة في ليبيا



محمد عبعوب
2013 / 2 / 6

المحكمة العليا الليبية في ظل ثورة فبراير المجيدة سدد امس الثلاثاء طعنة قاسية وموجعة لحقوق النساء الليبيات، بشرعنتها لما بشر به رئيس المجلس الانتقالي السابق مصطفة عبدالجليل في اول اعلان للتحرير بخصوص رفع القيود على تعدد الزوجات، وذلك بموافقتها على طعن دستوري مقدم أمامها يلغي هذا القيد الذي يشترط موافقة الزوجة الأولى أو إذن المحكمة للزوج الراغب في الزواج بزوجة ثانية إضافة لزوجته التي في عصمته.

هذا الحكم الذي يمس حقوق نصف المجتمع كان الأجدر ان يعرض للاقتراع عليه من قبل الشعب، خاصة شريحة النساء اللائي يعنيهن هذا الأمر بالدرجة الأولى، قبل إصداره في حكم من المحكمة العليا.. فالمتضرر الاول من هذا الحكم هم النساء، أي امهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا، اللاتي يعنيهن بالدرجة الأولى أن يعشن في كنف زوج واسرة متضامنة خالية من اية منغصات عاطفية او مادية التي حتما ستكون نتيجة محققة لأي مشروع زواج بزوجة ثانية..

عشرات القضايا المهمة والملحة التي تمس حياتنا اليومية والمتعلقة بأمننا على كل المستويات لم تحظ بهذه المعالجة القانونية السريعة، فيما مرر مشروع ابطال تقنين الزواج بزوجة ثانية بسرعة البرق، وكأن النساء نصف هذا المجتمع لا صوت لهن ولا رأي، وأنهن مجرد قطع مكملة لأثاث البيت يحق للرجال إقتناء أي عدد منهن..

سيبقى هذا الحكم نقطة سوداء في سجل الحقوق في ليبيا التي ثار شعبها وقدم عشرات الآلاف من الضحايا من أجل ترسيخ الحقوق وصيانتها وإقامة العدل الذي عانى اختلالات مريعة في ظل النظام السابق، وهاهو اليوم يتعرض لطعنة مشرعنة لم يتم فيها أخذ رأي المتضرر الأول منه وهم معشر النساء..

يتذرع مؤيدوا تعدد الزوجات بعد اتكائهم على تفسير مبتسر للنص القرآني الذي يبيح تعدد الزوجات بشروط تم تجاهلها في هذا الحكم، يتذرعون بأن التعدد سيحل مشكلة العنوسة التي اصبحت ظاهرة في بلادنا، لكنهم يتجاهلون ويتعامون عن الظلم والحيف الذي سيلحق بالزوجة الأولى وأطفالها نتيجة حل مشكلة عانس واحدة!!
ويتجاهلون وبإصرار الأسباب الحقيقية لظاهرة العنوسة بين الشباب والشابات في بلادنا والتي تعود في معظمها لأسباب اقتصادية واجتماعية، ويقفزون الى الحل الذي يرضي غرائزهم وشبقهم دون مراعاة لحقوق هذه الانثى التي لا يكفيها أنها مستلبة وظل للرجل ويتم بهذا الحكم إلغاءها حتى كظل للرجل لا قيمة له إلا في إشباع الغرائز ..

لقد شكل قانون الزواج الصادر في ظل النظام السابق والذي يطابق النص الوارد في القرآن الكريم المتعلق بتعدد الزوجات، شكل نقطة مضيئة في مدونة التشريعات الليبية بإنصافه للمرأة ومراعاته لحقوقها باعتبارها الطرف المتضرر من هذا القانون سواء كانت زوجة اولى أو حتى ثانية أو ثالثة.. فالقانون الذي أصدره مشرعون معترف بهم في ذلك الوقت والغته الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في جلستها ليوم امس الثلاثاء، لم يلغ حق الرجل في الزواج بزوجة ثانية، لكنه وضع شروطا لهذا الزواج تضمن للزوجة الاولى حقوقها وأهم هذه الحقوق حقها في الموافقة من عدمها على وجود شريكة لها في فراشها، كما أعطى للرجل الحق في الزواج عندما تتأكد من تضرره من البقاء في كنف زوجة واحدة، كأن تكون مريضة وغير قادرة على تلبية متطلباته وحقوقه، وهذه الشروط تستهدف أول ما تستهدف صيانة وضمان حقوق الشركاء الأصيلين في هذه الاسرة وهم الزوجة الاولى والابناء، قبل المجازفة بفتح الباب لمشاكل أخرى تزيد من تأزم المجتمع..

كان جدير بمشرعينا اليوم ان يعالجوا قضايا ملحة تتكدس في أروقة الدوائر القانونية تتعلق بقضايا أخطر وأهم تتعلق بامننا، بدل القفز الى قضية الطرف الأضعف في هذا المجتمع وسلب مكسب بسيط لكنه مهم تمكن من نيله ، وهو مكسب من شأنه أن يعزز تلاحم الاسر ويشد من ازرها بدل تفخيخها وتفتيتها بمشاريع قوانين لا تراعي التبعات الخطيرة لها..

لكن هل سنسمع او نرى نساء في شوارعنا يعلن على الملأ رفضهن لهذا الحكم ، ويؤكدن تمسكهن بحقوقهن التي نص عليها القانون السابق، بعد أن هزم مجتمع الذكور ممثلاتهن في المؤتمر الوطني الذي سيسمه هذا الحكم بميسم الظالم ؟ هذا ما نترقبه غدا او بعد غد من الليبيات الواعيات لما تتعرض له حقوقهن من انتهاكات خطيرة على الاقل في كبريات المدن الليبية ..