أحتى هناك...لا ألتقيك؟*



كريمة مكي
2013 / 2 / 22

أحتى هناك...لا ألتقيك؟!*

البارحة حين علمت بأنك قادم لبيتنا طار قلبي فرحا و شوقا ثم ما لبث أن وقع من علياءه خوفا، لكن أبي طمأنني و هدّأ من روعي، نعم أبي هو من أحس باضطرابي فغمرني فجأة بعطفه الذي لم أكن أعرف و كلّمني بذلك الحنان الذي كنت دوما به أحلم، لقد قال لي أنه سيخرج لقضاء شأن من شؤونه كما أن أخي لن يأتي للبيت في تلك الساعة... ساعة مجيئك عندنا... ساعة قدومك إليّ... نعم أخيرا ستأتي هنا للبيت و بعلم أهل البيت و في غياب رجال البيت، يعني أننا أخيرا سنلتقي !! أحقا سوف لن يكون معنا أحد...أحقا سنكون وحدنا معا!! يا إلاهي، كيف أصدّق أنهم أرادوا أن يسهلوا لنا لقاءا ظلّ لأربع سنين حلما في القلب سجين..."يا الله ما أكرمك معي و ما أرحمك بعبادك العاشقين الصابرين، شكرا و ألف شكر لك يا مولانا، يا رب العالمين".
و رأيتك قادما من بعيد و انقبض قلبي بعد الفرحة برؤياك...و لكن... لماذا لم تكن لوحدك...لماذا وقد انتظرتك؟؟ لماذا يا حبيب؟؟
كانت معك عمتي و امرأة أخرى لا أعرفها. لماذا جئت بهن؟ هل جئت لخطبتي أم لخطبٍ عظيم؟ أأعلمتهم بأمرنا؟ ألا تعلم بأننا في عيونهم لقاء مستحيل... ثم أنني ما كنت أريد خطبة وقتها و لا أحببت أن يكون أحد منهم معي فهم دائما...دائما معي...لا، بل هم دائما...دائما ضدي و يا ليتهم فقط كانوا يوما معي!
أما كنت تدري أنني وقتها ما أردت إلا لقاءنا فقط... إلا أن نكون معا فقط...إلا أن نكون بعيدا عنهم فقط.
أصابتني الخيبة المُرة بعد أن تدحرجت أمنيتي أمام عيني من سقف أحلامي، الذي علاّه أبي فجأة، إلى فناء واقعي البائس فاتجهت إلى المطبخ لأعدّ لضيوف الدار قهوة. و بقيت أتلصص على باب الدار من بعيد، لأراك من حيث لا تراني عمتي القاسية فتجلدني، أمامك، بلسانها الفض السليط.
رأيتكم تجلسون في بهو الدار و تتكلمون بصوت عال أفزعني و لكنني تركت أذني تراقبكم و انهمكت في تحضير القهوة حتى آتيكم بها على عجل فقد خفت أن ينفضّ مجلسكم قبل أن أراك و إن كنت لن أراك أمامهم إلا كغريبة تسقي القهوة لغريب...
" أوقدتَ في القلب نارا يا حبيب...فهيا اجهزي سريعا يا قهوة الحب!!".
كنت أجهد نفسي في طبخ القهوة و لكنني عجزت عن تحضيرها أنا التي لا أجيد عادة طبخ سواها. ظللتُ أسكب القهوة في وعاء ثم أعيدها إلى الإبريق بصعوبة بالغة و كأنما شلل قد مسّ يدي و كان الوقت القاسي يمر، و القلب الراجف بعنف يدق، و كنت أقاوم عصيان يدي بأعصاب خائرة حتى كدت أنهار وفي اللحظة التي تصورت فيها أن القهوة صارت جاهزة لأحملها إليك وجدت أن لونها بدأ يتغير حتى صار أحمرا...نعم أحمر، هل تصدق؟ و كدت أجن. "آه ما أصعب تلك اللحظات حين أتذكرها!!".
كان الوقت أمامي يزداد ضيقا و القهوة تزداد احمرارا و أنا أزداد عجزا و ارتباكا. و فكرت أن آتيك بها كما هي و لكن كيف أسقيك قهوة حمراء كأنما خُلطت بدم...يا إلاهي ما أبشع لون الحب!
كنت أقف في المطبخ مذهولة حين رأيت أبي يخرج من غرفته و أخي قادما نحوي من بهو الدار و تسمرت مكاني كأنما أصابتني الصاعقة: أكانا هنا؟ ألم يقل أبي أنهما لن يعودا قبل أن ألتقيك؟؟
لقد تعذر عليّ البارحة لقاءك حبيبي؟ ما كان الأمر جديدا عليّ و لكن كيف تراهم نفذوا إلى أعماقي، كيف ألقوك عني بعيدا بعد أن سحبوك بأظفارهم من بين أحداقي؟ سحقا لقسوتهم... لقد أفسدوا علينا لحظة أرادها الله أن تكون لحظتنا...لقد سرقوا منا ضحكتنا ثم جلسوا فرحين يتلذذون بقطع دابر الحب و تقطيع أوصال فرحتنا و بعد ذلك تسمعهم بكل الفخر يقولون: كذلك يُصان العِرض، كذلك نحفظُ سمعتنا!
أيحفظونها من دمنا، حبيبي، أمِنْ حزننا و دمعنا و حرقتنا؟؟؟
ما أمرّ القهر، حبيبي، حين يأتينا ممن قالوا أنهم أهلنا، أنهم أحبتنا!!
و يسألني قلبي: لماذا يحدث معي كل هذا، أليس من حقي أن أحلم كما تحلم بقية الناسٍ؟ أليست الأحلام أرض القلب الواسعة، فلماذا ضيقوا عليّ حتّى في المنام أنفاسي؟
و أسألك حبيبي وأنت هناك و أنا هنا و حياتي معلقة ما بين الأرض و السماء: إلى متى ننشطر نصفين و الروح واحدة و القلب حي لا يموت... إلى متى، حبيبي، ستنام أشواقنا حزنا و يسهر ذا الحزن ليبكيني و يبكيك... أحتّى في الحلم يا حبيبْ؟؟ أحتّى في الحلم حين ألقاك، لا ألتقيكْ!!

*حلم عاشقة أفغانية في مطلع القرن الواحد و العشرين بعد الميلاد.