لن تعود لزوجها الا بقرار سياسي



مفيد بدر عبدالله
2013 / 3 / 1

يجد الكثيرون في الأوهام ملاذا ونسيانا للواقع المرير ، فيتشبثوا بأي عبارة تحمل أدنى بصيص للأمل ، يبدأ الوهم صغيرا، ويكبر شيئا فشيئا ، فيبنوا آمالا عظيمة على ارض هشة لا تصمد أمام أتفه اختبار ، المشكلة تعظم إن ترتب على الوهم حسابات ووعود ، وما تلبث أن تتحطم الآمال على صخرة الواقع الصلدة ، بعد أيام أو أشهر... ، لي جار (أبو محمود) لم يفيق إلا بعد عشرة أعوام ، كان يحلم ببيت صغير يضم تحت سقفه أفراد عائلته المتواضعة ، ولأنه من المفرطين بتصديق وعود السياسيين ، أصبح ناطقا باسمهم ، لكنه وبعد عشرة أعوام ، وقع في الحرج وغادرته غاضبة أم محمود لمنزل أهلها بعدما طفح الكيل ، دعاني قبل أيام مع بعض الخيرين لحضور جلسة تفاهم ، لردم الهوة بينه وبينها وإنهاء حالة الخصام التي دامت أكثر من شهرين ، فله منها خمسة أولاد أكبرهم في الصف الثالث ابتدائي ، ولأتمكن من لعب دور ايجابي يرضي ضميري لما للإصلاح من اجر كبير ، دعوته قبل ساعة من الموعد ليشرب معي فنجان قهوة في منزلي فلبى ، وصلني يائسا محبطا ، وبعد ترحيبي ، سألته عن سبب الخصام فأجاب أبو محمود : " أحب زوجتي مثلما تحبني هي كثيرا ، منذ عشرة أعوام لم تحدث بيني وبينها مشكلة حقيقة ، لكن المشاكل تتفجر بين الحين والآخر بينها وبين أهلي الذين اسكن معهم بغرفة صغيرة منذ أن تزوجت ، سبق لي وان قطعت لها عهدا على نفسي بأن أحقق حلمها في السكن ببيت مستقل ، كان ذلك بعد التغيير عام 2003 ، في حينها لم يخطر ببالي سيحصل هذا الغلاء الفاحش ، وان مرتبي الشهري لا يفي بمتطلباتي حتى نهاية الشهر ، أصبح خياري الوحيد هو انتظار وعود السياسيين ، فكثيرا ما كانوا يتحدثون عن توفير السكن اللائق للمواطن وان موارد البلاد ستوجه للرفاه بعدما انتهت حقبة الحروب المدمرة " وما إن صمت أبو محمود حتى أجهش بالبكاء .
بعد صمت قليل ، قلت له : وماذا تريدني أن أقول في مجلس الصلح ؟ فعودة أم محمود لك واستقرار حياتك متوقف على قرار سياسي يلبي مطلبها ، والحكومة وحدها من تملك الأموال والأراضي التي تحل مشكلة السكن الخانقة ، لا اعتقد بان أي منهم من أصحاب القرار يسكن مثلك مع أبنائه في غرفة صغيرة وسط عائلة كبيرة ، اعتذرت له عن الذهاب لعدم الجدوى ، فان صدق هو بأقوال طالبي الأصوات الانتخابية فلن اصدق أنا ، فنحن في العام العاشر للتغيير ولم تحل حتى مشكلة الدور العشوائية التي تنتشر في كل مكان ، فالنار لا تمس البعيد عنها .
إن من نتائج أزمة السكن الخانقة ، عزوف الكثير من الشباب عن الزواج ، فضافت لمجتمعنا عبئا لا يقل تأثيره عما خلفته الحروب المتوالية والإرهاب من أعباء ، للرجال والنساء على حد سواء ، فالعنوسة القسرية للفتيات أصبحت ظاهرة مستفحلة ، لا بدافع البطر ، وإنما لعدم توفر الضمانة الحقيقية للاستقرار ، فما معنى أن تتزوج امرأة على طريقة أم محمود ، والنتيجة أنها تعود لبيت أهلها بشكل دائم ، ومعها الأطفال . على الرغم من إيمان المرأة بالأرزاق والأقدار ، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن تلغي دور العقل في خياراتها المستقبلية ، في السنوات الأخيرة بدأت تشيع بين أوساط الشباب ظاهرة غاية في الخطورة " الزواج عن غير قناعة "، لاستحالة تحقيق الأحلام باستقلالية تامة ، وأصبح اختيار الزوجة توافقي ، بحيث تتلاءم وتنسجم مع ما يريد المحيط العائلي ، مقابل تنازلات لها بداية وليس لها نهاية من الزوج والزوجة على حد سواء ، المؤكد أن الثقل الأكبر يقع على عاتق الزوجة لأنها هي من ستنتقل لبيئة جديدة ، وبعد فترة بسيطة تحدث خلافات عميقة تصل أحيانا للطلاق ، أما الزوج فلا يملك خيارات لأنه وضع بيضه في سلة واحدة ، وان تستمر العمليات الترقيعية ، من تنازلات كبيرة تقدمها الزوجة وأهلها رغبة منهم في عدم حصول ابنتهم على لقب مطلقة في مجتمع يتحدث عن النتائج دون بحث الأسباب ، مجتمع ذكوري يحمل بعض أفراده ثقافة قاصرة تبرر للرجال حتى الانحراف وكأن الشرف يرتبط فقط بسلوك المرأة ، لا ادري كيف يتقبل مجتمعا عبارة دارجة " رجال ما ينعاب "، عبارة يتقبلها الكثيرون ، فيتبجح البعض منهم متفاخرا بعلاقات شاذة رغم انه من المحصنين ، ما يدفعهم لمثل هذا السلوك الشاذ عدم قناعتهم الحقيقية بالزواج ناهيك عن جهل حقوق المرأة ، التي أصبحت اليوم تعي وتعمل وصاحبة كينونة وثقل في المجتمع ، ولم يعد الزواج مقياس رئيسي لنجاحها ، فبعضهن اخترن البقاء دون زوج على أن ترضى بحياة مشابهة لحياة أم محمود ، التي عرفت فيما بعد بان جاري طلقها ، لأنه لم يفي لا هو ولا السياسييون بوعودهم ، ولم تعد لا هي ولا أبو محمود بانتظار القرارات السياسية الحازمة التي تحل وبشكل جذري مشكلة السكن ، لكن ملايين مازالوا بانتظار أن يتذوقوا طعم بيض الديك .