المرأة وكيف نريدها؟



صليبا جبرا طويل
2013 / 3 / 3


اجتماعات ومؤتمرات عديدة تعقد سنويا على مساحة الوطن العربي الشّاسع من أجل دراسة وضع المرأة العربية وسبل تقدمها ودمجها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يصاحبها زخم وضجة اعلامية وحركات تسير بايقاعات سمفونية، ومصاريف مالية هائلة تدفع لتغطية احداث المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات. ويحاضر فيها رجال ونساء من قمة الهرم حتي القاع. وبرامج المؤتمرات توحى لك ان المرأة العربية وشيكا، ستصبح رائدة العالم والأولى في الحريات. فالتوصيات التي يخرج بها المشاركات والمشاركون لا تتحقق على ارض الواقع، الا نذرا يسيرا. وبعد أن توهمنا أن التغيير على بعد بوصات نجده ازداد بعدا وبات اكثر تعقيدا، والمسرحية تعاد وتستمر عاما
بعد عام لتصبح تقليدا باهتا لا معنى له ولا هدف.

الانسان، انثى كان او ذكرا فانه ابن بيئته يتأثر ويؤثر فيها ويعتمد دوره الاجتماعي على مستواه التعليمي والمالي وثقافة المجتمع الذي ينتمى اليه، ولكن المرأة العربية تستثنى وتعامل كمواطن له وعليه واجبات اكثر من الحقوق المعطاة للرجل، مما أدى الى اقصاء المرأة من الحياة العامة وتحديدا في الدور السياسي والاقتصادي وركز وحصر دورها على الانجاب. المرأة العربية تحارب في مجتمع ذكوري قبلي متزمت يرى المرأة عورة، غير مكتملة العقل وضلع مكسور، حيث يمكن التغرير بها بسهولة وتحتاج لمن يحميها. و لكن الصورة النمطية للحماية تتجلى في المحافظة على الشرف الذي يمتد للعائلة والحمولة والقبيلة والدولة اذا لزم الامر. فتغلي الدماء في عروقنا وتتعالى اصواتنا وتغتال الضحية. الشرف لا يحميه السيف، التربية هي التي تحميه، والشرف الملتصق بعورة امرأة لا يستحق الا ان نقول عنه أنه فكر ضيق بليد يسعى للسيطرة على عقول الناس والاستخفاف والاستهتار بها.لماذا الحساسية الزائدة لحماية المرأة والغير مبررة؟


موقع البي بي سي على الانترنت بيّن بالاستعانة بموقع اليكسا، أشهر مواقع تحليل زيارات صفحات الانترنت لمعرفة أكثر الدّول دخولا إلى احد أشهر المواقع الإباحية -معظم روادها من الرجال- تتصدر الولايات المتحدة لعدد الزيارات إلى هذه الموقع تليها إيران، ثم الإمارات العربية، ومصر، ثم الكويت بالمرتبة السابعة، تليها السعودية بالمركز الحادي عشر، علما بأن هناك رقابة صارمة وحجب للمواقع الإباحية في كل من الكويت والسعودية البلد الذي يتصدر قائمة الدول الأكثر حجبا للمواقع اكثر من 80 %من مستخدمي الانترنت يستخدمون برامج المحادثة الفورية وغرف الدردشة الاباحية . اكتفي بهذا القدر. السؤال من يجب ان نحميه الرجال الذين لا يضبطون غرائزهم ويسقطون مسؤوليتها على النساء؟ أم على المرأة، ضحية الفكر القبلي؟

المراة تسعى للاستقرار، من يحتاج الى العلاج هو عقلية الرجل التي ترى في المراة شريك للمتعة وليس شريك للحياة. للاسف في مجتماعاتنا العربية نسعى لتدجين البنت كي تتقبل وضعها الانثوي ويغسل عقلها من طفولتها لتتخرج مطيعة لا شريكة، جارية لا سيدة . في عرفنا محظوظ الرجل الذي يمتلك امراة مثل تلك لأنها مبرجمة، يسهل التحكم فيها، مطيعة، صبورة، تتحمل الضرب، تشتغل، تطبخ، تمتع سيدها، تسهر على راحة اهل البيت، تتحمل كل قرف. هذا النموذج المطلوب عربيا، صنع محلي لا يمكن اسيراده . امرأة السي.دي. هي كائن حي بشكل قرص مدمج يتم انتاجه بغزارة في المجتماعات العربية. بحبث يتم فيه قولبة عقل المرأة ووضعه في ايطار عبودي ينكمش معه تفكيرها وتصبح مسلوبة الارادة والفكر، مطيعة لسيدها، ليسقط عليها نقصه الذي يذله للسكون.

المرأة نصف المجتمع والرجل نصفه الاخر، وان اختلفت الوظيفة البيولوجية لكل منهما فانّ الدور الاجتماعي لا يختلف لأنه يعتمد على الطاقات الفكرية لكل منهما.الماضي والحاضر شاهدان على الادوار المختلفة التي ابدعت فيها المرأة ونافست فيها الرجل وبعضهن تفوق عليه في ميادين عدة. هناك امثلة يمكن للقارئ الاطلاع عليها من خلال الانترنت والكتب التاريخية والعلمية والادبية على منجزات هائلة وعظيمة قدمتها المرأة، تبيّن الادوار المختلفة التي خاضتها وابحرت فيها عبر العصور الى زمننا هذا.
لو شرّحنا دماغ الرجل ودماغ المرأة، لوجدنا ان معدل وزن دماغ الذّكر 1360 غرام ومعدل وزن دماغ المرأة 1250 غرام، فإذا ما ألقينا نظرة مقارنة على عقل الرجل والمرأة فإننا نجد الفروق تتكون على النحو التالي: يزيد عدد الخلايا في عقل الرجل عن تلك في عقل المرأة بحوالي 4%، في حين تزداد شبكات الاتصال في عقل المرأة أكثر من الرجل ، وهذا يعني بالواقع العملي أن النساء أكثر تأثراً بالتجارب من الرجال وأكثر احتفاظا بها وتذكرا لها، وفي العلاقات بين الرجل والمرأة، قد يلاحظ الرجل تذكر المرأة للآثار الشخصية للاحداث، كأنّ تذكره أحياناً بأنه نسي عيد ميلادها قبل 10 سنوات، أو أنه أو أمه قد قالا لها كلمة جارحة في أحد المواقف من سنوات. وفيما يتعلق بتمايز وظائف عن أخرى نجد أن المناطق المتعلقة باللغة استقبالا أو إرسالاً، هي عند المرأة أكبر من الرجل بنحو 13% استقبال و23% إرسال، في حين أن المناطق المتعلقة بالقياس والأبعاد والتجسيم هي عند الرجل أكثر، وبهذا نجد في الحياة العملية أن المرأة تميل للتحدث أكثر وشرح المشاكل في حين يميل الرجل للصمت. بعد أن تعرّفناعلى هذه الفروق ننتقل للموضوع الثقافي والتحصيل الاكاديمي والتوجه الاجتماعي ...في هذه مجتمعة لن نجد فرقا بين الرجل والمرأة. اذا لماذا الاجحاف بحق المرأة؟؟ المجمتع الذي يركز على الفروق الجسدية مجتمع معاق ومتخلف حيث مصيره الدمار. فالمرأة لن تبقى حبيسة الافكار الهدامة وفي النهاية ستخرج عن المجتمع الذي هي منه لانه لم ينصفها، وغيّبها سرا وعلانية كي لا تتفوق عليه وبالتالي يشعر بنقصه.

دائما ما نفاضل بين المجتماعات العربية المجتماعات الغربية لنخرج بانطباع اننا الافضل، وما نركز عليه هو سلبيات المجتماعات الغربية، الانحلال الخلقي والاباحية وزواج المثلين... هذه نزعات نتفق عليها ولا نريدها. ولكن ان تغلغلنا الي قلب المجتمع العربي فاننا نجده لا يخلو من هذه السلبيات، وقد نكون غارقين في اخرى سواء منها يمتهن حرية المرأة. هالة القداسة التي تلبسها مجتماعاتنا العربية علينا التحقق من صدقها او كذبها. مجتماعاتنا مغلفة بأساطير وهمية تخدعنا بعادات وتقاليد تأسرنا تعيدنا الى عصر ما قبل الجاهلية وقد تكون المرأة في الجاهلية افضل مما هي عليه اليوم في القرن الحادي والعشرون. ليست الاديان ولا الاعراف ولا العقائد من يكبل المرأة ويجعلها ضحية تقبع في سلم دوني عن الرجل. المتهم الوحيد في حالتنا هذه هو الرجل الذكر، الذي حوّل المجتمع الى قطب احادي تحكمه سطوة الرجال لانتاج فحول غير ناضجة فكريا ولا عاطفيا همها أن تزرع شهواتها في احواض كل النساء.

ما زلنا نعيش كقبائل، وتراثنا تراث قبلي، وعاداتنا عادات قبلية، وعقلنا صحراوى قبلي متمسك بقسوة الصحراء. حتي القوانين القبلية ما زالت تتحكم في حياتنا. شاع وئد البنات بين بعض القبائل أم اليوم فاستنهضناه بألوان واشكال مختلفة، فالعنف الموجه ضد امرأة ينتج امرأة معنفة ، تربي ذكور واناث معنفين ومعنفات وتستمر الحلقة جيل بعد جيل، وتوسم مجتماعاتنا بالعنيفة او بالارهابية .فرص التقدم مرهونة بقبول المجتمع بضرورة وحتمية التغبير. والتغيير لن ياتي بالتربية، والتربيةهي الوسيلة لتغير المسار الفكري. وبرفع المرأة صوتها احتجاجا فهي الملام غلى قبولها للقهر.

"النساء أخوات الرجال وبنات الرجال " و" بنات الرجال ما بتخاف من الرجال" هذا ما تقوله الامثال عندنا ...لماذا يخفن؟. لأن عاداتنا وتقاليدنا أعطت المرأة قيمة اكبر من قيمتها الاجتماعية. لأننا ربطنا شرفنا بسمعتها والغينا كل مفاهيم الشرف من قاموسنا العربي. واصبحت قيمة المجتمع والاسرة مرتبطة بتصرفات المرأة، واي خطأ سلوكي او اخلاقي تاتي به بنسف كبرياء العائلة وتصبح عارا عند الرجال لايمحوه سوى القتل في اغلب الاحيان. ونركز ثانية قائلين ان الشرف لا يحميه السيف بل التربية.

وكمحصلة لذلك اصبنا دوار اجتماعي ومغص فكري. المرأة الجريئة نقول عنها وقحة، ومن تتكلم مع الغريب عن طائفتها او ابن مدينتها تصبح متسيبة، ومن تشارك في الاعمال التطوعية او الرحلات المشتركة تصبح متهورة، ومن تقف على الشرفة نقول تبحث عن زوج، ومن تضحك تصبح غير منضبطه ومنحلة، ومن اتبعت الموضه تصبح غير ملتزمة. ومن تتحدث عن طموحتها نقول عنها سهلة المنال، ومن تبيح بسر حبها لرجل جريئة، والمرأة التي تشارك الرجل في اتخاذ قرارته ندعوها حاكمة مسيطرة. هذا الشعور وهذه النظرة تبعث الكوابيس والخوف في قلوب الرجال الذين بحسب رائيه تقع عليهم فقط مسؤلية حماية المجتمع.

بعد تقديم هذه الصورة الخالية من العواطف والشعور والاحاسيس، لا مخرج لانهزامنا الا اسقاط اللوم على المرأة، على المخلوق المتهم ب" عقلها صغير"، المرأة شاركت في الثورات العربية والاحتجاجات الوطنية في مراحل تاريخية عديدة و اجحاف المجتماعات في حقها خيانة تاريخية وانحياز ذكوري. وبالرغم عن الوظايف التي تشغلها المرأة اليوم كطبيبة، ومعلمه ، ومهندسة، وصيدلانية، ومحامية، ومزارعه، ووزيرة، ...فان نسبتها قليلة وتنحصر في نخب معينة لا تزيد عن 2 %من النساء...فالتخلف والطبقية الاجتماعية يحتضن كل معوقات النمو، ويكبح التطوير، ويمنع الارتقاء الاجتماعي حيث ما زالت مواطن من الدرجة الثانية، الرجل ما زال مسطرا على معظم الوظائف وبشكل خاص الحكومية والادارية في القطاعات الخاصة والعامة للدولة...ما زالت المراكز العليا من نصيب الرجال. أما صناعة القرار فهي حكر على الرجل. أين المساواة اين العدالة؟، أين الحرية الاجتماعية؟ لقد ان الاوان لخروج المرأة الى الساحة العامة....ومحاسبة كل الايادي الخفية التي تعيق تطورها وتمنع تقدمها. فالحركات النسائية ما هي الا استجابة لحاجة ورفض لواقع مرير مرّت وما زالت تمر فيه المرأة من عقود طويلة. فالحركات النسائية جاءت كتعبير عن رفض واقعها المعاش وللتعبير عن مشاعرها عن الكبت والحرمان والتميز. بمعنى ان المرأة تريد ان تقول نريد ان نحيا بمساواة نحن بشر كفانا ظلما. وما يمارس بحق المرأة اليوم لا يساهم في نهوض المجتمع وتحسين العلاقات الاجتماعية. وحالها يقول نريد عدالة في القضاء عدالة في العمل... والمطلوب من المرأة هو جزم وحزم امورها لتحقيق التغير والمطالبة بحقوقها كاملة ومساواتها بالرجل في دساتيردولها وقوانينها .تحتاج المرأة الى انتفاضة...ويحتاج الرجل الى تحرر من قيوده الفكرية البالية.