أيها المرأة أنت نبع الحياة



محمود فنون
2013 / 3 / 8


عاشت المرأة وعاش يوم المرأة العالمي
تقلًب الزمان ،وبعد أن كنت السيدة ،أتبعك ملاكوا العبيد لسيادتهم الذكورية ،كانت هذه البداية واستمر الحال .
كان الأمر في البداية يخص حاشية السيد فقط ،ولم يكن ينسحب على باقي النسوة ،لم يكن هذا التحول ينسحب على نساء المواطنين الأحرار ، ولا على من تبقى في المشاعيات من النساء .
لقد انقسمت النساء اجتماعيا ومكانة بعد الإنقسام الطبقي وترسم هذا الإنقسلام بالممارسة ومع طول الزمن والتكريس، وأخذت نتائجه تنسحب شيئا فشيئا على نساء العوام كذلك من باب التقليد حيث يمكن التقليد .
انقسمت النساء إذن :
نساء الذوات والطبقات العلية ،وهؤلاء أصبحن حاشية وحريم ،يترفهن في المنزل ويتبعن سي السيد ممسوحات الشخصية والحضور .وقد يمارسن دورا متعاليا على بقية النساء الملحقات في الخدمة وعلى بناتهن وزوجات أبنائهن.
نساء بقية الناس :وهؤلاء احتفظن ببعض الكرامة والحضور بحكم المشاركة الجدية في عملية الإنتاج دون أن يعني هذا انهن لم يصبحن درجة ثانية .
إن أخلاقيات وسلوكيات الطبقات الغنية تنعكس بالمجمل على الطبقات الفقيرة ولكن في ظروف مختلفة .فالطبقات الفقيرة لا تستطيع (أن تستت)المرأة كما الأغنياء لإستحالة ذلك ولحاجتهن في الحقل وكل أشكال العمل .
وحتى في الأسر البطريركية ،فإن زوجة الأب ،رب الأسرة تشارك في كل الأعمال الجسدية وفي نفس الوقت تمارس دورا إداريا وربما متسلطا على بناتها العوانس وعلى كناتها بمقدار ما تسمح لها سلطة البطرك الأكبر وتكون هي زوجة سي السيد الذي يمسح شخصيتها ويعاملها من الدرجة الثانية .
ثم سادت قيم المجتمع الطبقي بما في ذلك النظرة للنساء بوصفهن الجزء الثاني من المجتمع ومن الدرجة الثانية على الرغم من الرجة العالية من المشاركة في الشقاء .
أما العبدات وخاصة العاملات في الخدمة والحقول فإنه لا يعترف لهن بأية حقوق ناهيك بأن المجتمع أصبح لا يتعاطى مع العبد كإنسان ولم يعد له حقوق إنسان ،سواء الذكر والأنثى .
وانسحبت هذه النظرة في الثقافة المجتمعية والممارسة على الأقنان عبيد الأرض بمن فيهم النساء والرجال .
إن الإتجاه العام الذي ساد مرحلة العبودية ومرحلة الإقطاع هو تقزيم وإهانة مكانة المرأة والتعامل معها بدونية.هذه الحقيقة وهذه هي الحقيقة التي سادت في المجتمعات الغربية والشرقية أيضا .
إن هذه النظرة قد أصبحت جزءا أساسيا مكونا للقيم والثقافة والذهنية وقد أصبحت بمثابة جزء من المبنى الحقوقي والثقافي في الذهن والممارسة .
وكانت العقلية العثمانية قد رسخت مثل هذه النظرات الدونية للمرأة مدعمة بالفتاوى والقصص الدينية التي كانت في خدمة الإقطاع الشرقي المتحجر.وقد ورثت مجتمعاتنا هذه الثقافة ،هذا الموروث بدون مقاومة تذكر وظلت هذه النظرات سائدة في عقول المتدينين والتيارات الدينية حتى يومنا هذا .كما أن الحركات الدعاوية لا زالت تجوب البلاد طولا وعرضا وتكرز بخصوص المرأة ولباس المرأة وظهور المرأة وواجبات المرأة ...تكرز بما يزيد على 60% من الدروس الدينية بخصوص المرأة .
انها تدعو في جولات الدعاة ومن على منابر الجوامع، والدروس والحلقات الدينية ومن خلال الفضائيات المكرسة لهم وهي كثيرة إنها تدعو ليس لإيجاد بعض المتنفسات هنا وهناك في منزلة ودور المرأة بل إنها تدعو لإعادتها الى أسوأ مما كانت عليه في العهد العثماني وأشد شراسة تجاهها .
إنهم يصورون المرأة التي يمكن أن تدخل الجنة بما هو أشبه بمرض معدي يتوجب على المريدين أن يحجروا على نسائهم وأن يحظروا عليهن كثيرا من المحظورات ،وقد الزموهن بالحجاب والجلباب وبإتجاه الزامهن بالخمار وفق خطة مدروسة ،تستهدف فصل المرأة عن الرجل في المجتمع والنظر اليها فقط على أنها أحدى أدوات المتعة للرجل مقابل أنهم يعدون بارسالها الى الجنة .
وقد نجحوا في تعميم الحجاب إجمالا بحيث أصبح متوارثا وتلتزم به الفتيات وكأنه جزء من التراث ومن شروط الحياة ومن وسائل الحصول على العريس،أو أن ارتدائه يمثل برهانا على نضج الفتاة وأنثويتها .
لقد تمكنت هذه الحركات من إحياء التراث العثماني تراث العصور الوسطى مسلحا بكل القصص الديني من زمن النبوة والخلافة الراشدة والأموية والعباسية و حتى يومنا هذا، من أجل محاصرة المرأة والزامها بالدونية تحت مسميات مختلفة وإقناع الرجل (إهلها وذويها )بأن لا خلاص لهم دون أن يخضعوا نسائهم لنظرات الدعاة والمبشرين .
إن ما يساعدهم في ذلك أن المجتمع بالإجمال يتقبل مثل هذه الثقافة وهذه الدعوات لأنه مجتمع طبقي ذكوري تسوده قوى رجعية .
ولأن هذه الحركات الدعاوية هي جزء من النظام وتدافع عنه كما أن أدوات النظام الإجتماعي القائم من وسائل إعلام ومدرسة ...الخ هي موجهة طبقيا وتتحالف مع التيارات الدينية بشكل عفوي ومقصود في آن واحد
أن ما يسمى بالصحوة الإسلامية هي تسمية مجملة للردة المجتمعية والمحافظة، ثقافيا وذهنيا وسلوكيا .وهذه الصحوة تكرس نسبة عالية من جهدها واهتمامها لإعادة وضع المرأة كما كانت في العهد العثماني و أشد سوءا ،وذلك بعد أن تحسن وضع المرأة قليلا في أربعينات وخمسينات وستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي .هذا التحسن جاء إثر صحوة المجتمع على التطور والحضارة والتعليم المدرسي والجامعي ،وتعززت هذه النظرة في مرحلة الناصرية والنهوض الثوري القومي والتحرر الوطني بل وتحسن وضع ومكانة المرأة في تلك الحقبة وتحسن وضعها في مناخات العمل الحزبي والمجتمعي في أحزاب تقدمية مثل الأحزاب الشيوعية والبعث والقوميين العرب وبعد ذلك بسبب دورها الكفاحي في الثورات العربية عموما والفلسطينية خصوصا .
كانت هذه فترة قصيرة ولكنها تمثل نموذجا يذكر بعد كل هذا العناء الذي تبذله التيارات الدينية من أجل دونية المرأة .
لقد تغلبت الأنشطة الدعوية على كل محاولات النضال من أجل تحرير المرأة من بدايات القرن العشرين ،وعل دعوات وتنظير القوى الثورية والتقدمية خلال النصف الثاني من القرن العشرين ،وعلى الفسحة التي يعطيها التعليم المدرسي والجامعي ..وأصبحت الدعوات لحرية المرأة ومكانة المرأة كمن ينحت في الصخر وخاصة في القرى العربية .
إن تحرر المرأة إذن هو جزء من تحرر المجتمع ومرهون به ،ومن تحرير مؤسسات ومركبات المجتمع من إرث القرون . وعبر إطلاق قوى وطاقات المجتمع الخلاقة للبناء والتطور وتصفية القوى الرجعية وإغلاق الباب عليها واسقاطها نهائيا .وإفساح المجال لقوى التقدم والنهوض لتنهض بالمجتمع الجديد وتنهض هي بتغيير وتطوير نفسها وثقافتها وعقليتها وذهنيتها وسلوكها ، مسلحة بنظرة المساواة ، النظرة التقدمية تجاه مكونات المجتمع الجديد المرأة والرجل ، مسلحة بثقافة جديدة منتصرة على الثقافة البائدة ومسلحة بالطبع بالفكر الثوري لا محالة.
أن هذا لا يحصل دفعة واحدة .إن الطلائعيين مدعوون للعمل وفي كل الإتجاهات من أجل تركيم التغيرات شيئا فشيئا الى أن تصبح نهرا جارفا ينفي القديم ويولد الجديد
عاشت المرأة عاش يوم المرأة العالمي .