حوار بين حواء وآدم عام 1915



طلعت رضوان
2013 / 3 / 8


قبل ثورة شعبنا عام 1919بخمس سنوات اهتمتْ صحيفة الأهرام بنشر أخبار(جمعية تحرير المرأة برفع الحجاب) وفى يوم 24فبراير1915بدأتْ الأهرام نشر سلسلة مقالات أحد المواطنين اسمه حسن الشريف بعنوان (من آدم إلى حواء الجديدة- رسائل مفتوحة إلى السيدة المصرية) فتفاعلتْ معه إحدى الفتيات ونشرتْ لها الأهرام سلسلة مقالات بعنوان ثابت (من حواء إلى آدم الجديد) بدأتها يوم 10مارس1915ومن بين ما كتبتْ ((التربية هى أساس الأخلاق ونموذج الطهارة. أرونى فتاة مهذبة أصرّح لكم ألاّ تـُقـيّدوها بهذا الحجاب . يُعجبنى بنت الريف الفطرية بردائها البسيط ووجهها الصبوح وهى تـُحيى عارفيها . إنى أصرّح جهارًا بأنّ هذا الحجاب كان واسطة لارتكاب موبقات تميد من هولها الأرض وتهتز لذكرها السماء))
هذا المقال شجّع (آدم) فدعا النساء فى مقاله الرابع إلى خلع الحجاب فورًا. وطالب بأنْ تطول فترة الخطوبة ليمتحن كل من الخطيبيْن حقيقية مشاعره تجاه الآخر. وفى مقاله الخامس ردّ على المحافظين الذين ينصحون بمحاربة الرذيلة ويُهاجمون دعاة السفور. وتعجب من الذين ((يطلبون أنْ نـُربى المرأة على مبادىء الحرية ، ولا يحترمون حريتها. وأنْ نـُعلمها العفاف ولا نعتقد فى عفافها)) وكان المحافظون يُروّجون لمقولة أنّ بديل الحجاب هو السفور على النمط الأوروبى ، فردّ عليهم قائلا ((إنّ البديل هو السفور على نمط فلاحات القرى . ولا أظن أنّ هناك من يدّعى أنّ الفساد منتشر فى القرى ونساؤها سافرات ، انتشاره فى المدن ونساؤها محجبات. وإذا كان الإسلام أمر بالحجاب ، فإنما أمر به فى القرون الوسطى ، ونحن اليوم فى القرن العشرين . ويجب أنْ نـراعى أحوال الزمان والمكان فى تطبيق أحكام الشرالئع والقوانين))
ذاك التلاحم بين الشابيْن على صفحات الأهرام جعل (حواء الجديدة) تصف (آدم) بأنه ((الكاتب الديمقراطى الحر الذى رأيته يخوض عباب موضوعنا الخطير وكأنه ميرابو (ثائر فرنسى وكان صوته أول صيحة فى الثورة الفرنسية- ط . ر) يقف فق رابية الحرية ويصيح إلى الأمام)) وفى الفقرات التالية ندّدتْ (حواء الجديدة) بالذين كانوا يُروّجون لمقولة أنّ مصر ليست أوروبا فكتبتْ (( اسألوا إسماعيل باشا فى قبره يُنبئكم أنّ مصر قطعة من أوروبا . وسلوا أغاخان الذى ذكر فى كتابه (المرأة فى الإسلام) أنّ المسلمات عشن 600سنة من التاريخ الهجرى سافرات الوجوه . كفى عبودية 734 سنة. كفى رقـًا سبعة قرون))
000
أعتقد أنّ ذاك الحوار الذى دار بين الشابيْن اللذين أطلقا على نفسيهما (حواء الجديدة وآدم الجديد) لم يأت من فراغ ، وإنما سبقه تمهيد حرثه فى الثقافة المصرية جيل تنويرى أمثال قاسم امين وأحمد لطفى السيد (وحتى رفاعه الطهطاوى رغم مرجعيته الدينية) إلخ كما أنّ هذا الحرث الطيب هو الذى أثمر أسماء تنويرية أتتْ بعد عام 1915 أمثال سعاد الرملى ودرية شفيق ومنيرة ثابت وهدى شعراوى وسيزا نبراوى إلخ . والمُلفت للنظر أنهن لم يكتفين بالمطالبة بحقوق المرأة أو خلع الحجاب وإنما طالبن فى كتاباتهن بمنع تعدد الزوجات والطلاق يكون أمام المحكمة إلخ والمُلفت للنظر (ثانيًا) أنّ تلك المطالب أيّدها وكتب عنها جيل التنوير من الرجال أمثال عبدالحميد الحديدى ومحمود عزمى وإسماعيل أدهم وإسماعيل مظهر وطه حسين إلخ .
وأرى أنّ الحوار الذى نشرته الأهرام عام 1915 هوالحلقة الوسطى بين مرحلتيْن : الأولى بدأتْ مع منتصف القرن التاسع عشر حيث سطعتْ أسماء أمثال نبوية موسى (1886- 1951) والحلقة الثانية بدأتْ مع ثورة 19وانتهتْ فى يوليو52. ويذهب ظنى إلى أنّ المرأة المصرية استردتْ عافيتها واستلهمتْ تراث جيل التنوير السابق على يوليو52 بعد ثورة شعبنا فى شهر طوبة / يناير2011 .
***