المرأة نصف الشعب ولبنة لنواة يسار كبير تطالب بالملكية البرلمانية



نبيلة منيب
2013 / 3 / 8

ونحن نحتفل بنساء العالم في عيدهن كل ثامن مارس، كيف يمكن تقييم وضعية المرأة المغربية اليوم، خاصة في ظل حكومة توصف بالإسلامية ويقودها حزب محافظ؟



إن ما يجري حاليا في المغرب، بالنسبة لي، يبعث على القلق، ويمكن القول إن هناك تراجعا في مجال حقوق المرأة، وهناك تخوفات حتى من أن تفقد المرأة اليوم مكتسبات تطلبت عقودا من النضال.

فعلى الرغم من أن الدستور الجديد ينص بشكل صريح في الفصل 19 على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فبين ما ينص عليه الدستور وما بين التطبيق هناك هوة عميقة.


أين الخلل في اعتقادك؟



فيما يتعلق بديباجة الدستور التي تقر بسمو المواثيق الدولية، وبالتالي نجد عبارة "ما لا يتعارض مع القوانين الوطنية"، في حين أن العكس هو الذي يجب أن يكون، أي أن تتأقلم القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية.

في واقع الممارسة نرى أن الحكومة تتلكأ في إخراج القوانين، نلاحظ أيضا خرقا كبيرا لمبدأ المناصفة في التعيينات الحكومية، وكل لوائح التشريحات للمناصب تكون بنسبة 90 في المائة ذكورية، فأين هو مبدأ المناصفة؟. هذا دون التذكير بقضية امرأة واحدة في الحكومة، والأنكى أنها وزيرة لن أقول عنها أنها محافظة ولكن رجعية، وأرى أن مقاربتها لمفهوم حقوق المرأة مقاربة متخلفة.

إن ما يجري حاليا في المنطقة المغاربية، وصعود تيار الحركات الإسلامية المحافظة، لمبعث قلق للحركة النسائية، فقضية المرأة، لم تكن أبدا أولوية بالنسبة لهم. ترى حركات الإسلام السياسي، بعين الدونية للمرأة، وتختزل حقوقها في القرآن والسنة، في حين لا تطبق الأمر نفسه في تعاملها مع قضايا أخرى.

إن ما تتقاسمه هذه التيارات أيضا هو أنها ترى في المرأة كائنا خلق ليعيش في فضاء داخلي، وعندما يريدون إشراكه فإن ذلك يكون من أجل التأثيث فقط، ولا تؤمن البتة بمبدأ المساواة. وهذا في نظري هو أبرز أوجه الاختلاف بين اليسار وحركات الإسلام السياسي.


هل يعني ذلك أن الديمقراطية ستبقى حكرا على الرجل؟



في دولة الحق والقانون لا يمكن بناء ديمقراطية بدون نساء، لأن الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب، ونصف هذا الشعب من النساء، لذا إن أردنا أن نكون ديمقراطيين، ليس علينا فقط أن نحتكم إلى صناديق الاقتراع، ولكن أن يكون نصف المنتخبين من النساء والنصف الآخر من الرجال.

إننا كتقدميين نرى أنه علينا في المغرب أن نطلع على تجارب عالمية في مجال المساواة وحفظ كرامة المواطن، تجارب تكرم الفرد كمواطن وتكفل المساواة بين الجنسين، تضمن للأفراد حرية المعتقد، وعلى الجميع أن يحتكم لدستور ديمقراطي.

للأسف ما هو موجود عندنا أشبه بغموض، هو في الأصل مفتعلة. لأنا هنا لا نؤمن بحرية الفرد، بل نتحدث دوما عن مفهوم الأمة، في حين أن واقع هذه الأمة هو واقع مقلق، وخير دليل ما يجري حاليا في المنطقة العربية، فالشباب في هذه المنطقة يعاني من أزمة هوية، لأنه لم يفهم كيف تقدم الغرب واستمرينا نحن في التخلف. فعندما لا يلمس الشباب تغييرا واضحا في واقعه المعيش الذي يفتقد للديمقراطية والكرامة، فأكيد أن ردته فعله على المجتمع ستكون قاسية.


هذا ربما ساري المفعول في الوسط الحضري فماذا عن المناطق النائية؟



دعني أقول لكم أني كنت مؤخرا في مدينة كلميم، والتقيت ببعض الشباب المحبط والغاضب على وضعيته، وللأسف هو شباب يأس إلى درجة أنه أصبح يمتلك فكرا انفصاليا. إن الظلم الاجتماعي والحرمان هو أبرز العوائق اليوم، ولنقضي على الحرمان الاجتماعي لابد لنا أن نكون ديمقراطيين في اختياراتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أن نوفر تعليما ومدرسة عمومية للجميع وبمردود عال، وصحة في متناول الجميع، فكيف يمكن أن نحقق هذا الأمر عندما نطلع على أرقام للمندوبية السامية للتخطيط تخبرنا فيها بأن نسبة المغاربة ممن لا يتوفرون على التغطية الصحية يفوق 80 في المائة من الساكنة؟.


أ لا ترين أن اختزال قضايا المرأة في يوم واحد مرة كل سنة، م أ،ه وقفة تأمل متطلبة؟



الاحتفال بيوم 8 مارس هو بمثابة الشجرة التي تخفي الغابة، إن قضية المرأة هي ركن بارز في عملية البناء الديمقراطي، ودونها لا يمكن الحديث عن عملية ديمقراطية أساسا.

ما نلمسه اليوم هو غياب إرادة سياسية حقيقية لتحسين أوضاع المرأة المغربية، أي أن هناك غيابا لإدارة حقيقية لبناء عملية ديمقراطية. إن الخطاب الذي نواجهه اليوم يقول بأنه علينا أن نتقدم ببطء، وأنه علينا انتزاع الحقوق بروية مرة كل ألف سنة.

إنه خطاب عبثي، إذ أن المتغيرات الجيوسياسية التي طرأت في بلداننا، تبين أن الشعوب استيقظت وكسرت حاجز الخوف، شعوب اختارت الطرق السلمية للقطع مع كل ممارسات الماضي، وتنشد بناء دول للحق والقانون يعيش فيها الجميع بتساو وبطمأنينة سواء كانوا شبانا أو شابات.

صحيح أن المغرب صادق على مجموعة من المواثيق الدولية المهتمة بحقوق الإنسان والمرأة، لكن في الواقع هناك بون شاسع بين ما هو مسطر في القوانين وما هو جار على أرض الواقع.

إن من واجب كل الأحزاب السياسية أن تضع ضمن أولويات برامجها قضية المرأة، لكن للأسف هذا غير موجود عند معظم أحزابنا السياسية، لأنها أحزاب خلقت من رحم الإدارة، وهي لا تتوفر في الأصل على برامج واضحة.


ماذا يعني أن تكوني المرأة الوحيدة التي تحتل منصب أمين عام لحزب سياسي؟



إنها رسالة مفادها أنه بإمكان المرأة أن تتبوأ مناصب سياسية مهمة، وهو أمر ليس بالغريب على تاريخ النضال النسائي المغربي. إن النساء التقدميات كن في الصفوف الأمامية في صراعهن من أجل انتزاع حقوق المرأة المغربية منذ عقود خلت. والأمر ليس مقتصرا على النساء التقدميات فقط، إني أحس بفخر كبير عندما اطلع بأن 27 في المائة من الأسر المغربية تعيلها نساء.

إلى تلك المرأة العاملة التي تشغل في ظروف صعبة لأكثر من 12 ساعة يوميا، وتلك النسوة في البادية اللواتي يجلبن الماء لكيلومترات ويحرثن الحقول ويربين الصغار، أوجه تحياتي واحتراماتي.

وأتمنى أن تلتقط النساء الإشارة، ليبرهن على أحقيتهن في تحمل المسؤولية، لسنا بحاجة اليوم للبحث عن الاعتراف بمساهمة النساء في التنمية، بل نحن في حاجة إلى أن يصلن إلى مراكز القرار، لأن الدراسات العالمية أثبت أن النساء أقل عرضة للارتشاء، وبأنهن قادرات على تحمل مسؤوليات متعددة.

وأرى في انتخابي على رأس حزب الاشتراكي الموحد إشارة قوية يجب على النشيطاء الشابات أن يلتقطنها، عليهن أن يدركن أن المجتمع في ماسة حاجة لنشيطات قياديات.


لكن هناك بعض المصادر اليسارية تتحدث عن أن منيب تتعرض للتضييق وأن المكتب السياسي لا يعطيها هامش كبيرا من حرية التحرك؟



أعتقد أن تحمل المسؤولية السياسية ليس بالأمر الهين، وكما يعرف الكثير من المناضلون أني لم أرغب يوما ما أن أصبح أمينا عاما، وحتى عندما جرى انتخابي كنت أول المفاجئين.

بالنسبة للحزب، فكما تعلمون فإن اليسار الموحد تأسس نتيجة اندماج خمسة مكونات يسارية، وكل مكون هو مدرسة بعين ذاتها.

في الاشتراكي الموحد اعتمدنا مبكرا سياسة التيارات لتذويب الاختلافات الداخلية، وندافع على المواطنة الحزبية وليس بناء على الانتماءات القبلية. من هذا المنطلق أحرص دوما على الدفاع على مبادئي وقناعاتي، وأجد في الاختلاف رحمة.

ومن يعتقد أن مهمتي في الحزب سهلة فهو مخطأ تماما، ففي حزبنا لا وجود للزعيم الذي ينبغي على الكل إتباعه حتى ولو كان على خطأ، نحن نشتغل جماعة ولكل مناضل الحرية في التعبير عن مواقفه. وصدقني طريق عملي في الحزب ليست مفروشة بالورود. فرأي الأمين العام يناقش، وحدث في أكثر من مناسبة أن اختلفت مع المكتب السياسي في بعض القضايا.

فإن كان لزاما على أن أنبطح لمجرد الحفاظ على منصبي فأنا مستعدة لتركه في أي لحظة أجد فيها أنني لا أشتغل في مناخ ديمقراطي. فالأهم هو أن ألتزم بقناعات المناضلين في القواعد، فالمكتب السياسي لم ينتخبني وإنما أعضاء المجلس الوطني، وأتمنى أن أكون أهلا لثقة المناضلين.


عن اليسار دائما، تحدث عن كون حزبكم هو نتاج اندماج خمس فعاليات، اليوم هناك من يتحدث عن تشكيل جبهة جديدة تضم الطليعة والمؤتمر الوطني، ألا ترين أن الاندماجات لم تأتي أكلا كبيرا، وأن الحديث عن توحيد اليسار دون الاتحاد الاشتراكي يبقى أمرا صعبا نوعا ما؟



الأكيد أن اللحظة الحالية هي لحظة اليسار وإعادة بناءه، صحيح أن أمام تحديات جديدة، سواء من حيث تجديد خطابه وترتيب أولوياته، وبناء جسور جديدة مع المواطنين.

صحيح أننا خضنا تجربة الاندماج، لذا فإننا اليوم نتحدث عن جبهة وليس اندماجا، هو في الحقيقة مشروع فدرالية أي أقوى من التحالف وأقل من الانصهار، وهو ما يمكن أن يكون النواة الأولى لتجمع يساري كبير.

نحن في مراجل متقدمة من التنسيق، ووضعنا لهذه الفدرالية أرضية تنظيمية لاتخاذ القرار، الآن نعمل على مستوى المكاتب السياسية، وقريبا ستصل الأرضيات إلى القواعد، فلكل حزب استقلاليته التنظيمية وعليه العودة إلى هياكله وقواعد.

اتفقت المكاتب السياسية للأحزاب الثلاثة على ورقة سياسية، ستطلع عليها القواعد لتصوت عليها، ومن أبرز ما جاء فيها، أننا نتفق على أن النظام السياسي المغربي هو نظام غير ديمقراطي، لأننا نتوفر على حكومة منتخبة ولدينا حكومة ظل. فعلى الرغم من أن الدستور الجديد جاء ليقلص اختصاصات الملك، إلا أننا نرى أنه ليس كافيا فالملك ما زالت بيده الصلاحيات الكبرى كتعيين الولاة والعمال والسفراء فيما يعين رئيس الحكومة الكتاب العامون والمدراء.

لقد أتيحت لهذا النظام فرصة مع الربيع العربي إلا أنه فوتها، بل الأدهى أن هذا النظام يتقوى يوما بعد يوم، هو نظام محافظ يتقوى بأحزاب محافظة والغريب أن هناك أحزاب محسوبة على الصف التقدمي انخرطت في اللعبة.

في المقابل نجد أن المجتمع يزداد محافظة ويعود إلى التدين، ونحن هنا لسنا ضد الدين، بل إننا مع الدين كغذاء روحي، ما نرفضه هو أن تخلط السياسة بالدين، ونحن ضد الإسلام السياسي.

إننا نقف في الوسط، لا نريد أن نكون مع طرف ضد الآخر، لن نتحالف مع المخزن ضد الإسلاميين ولن نتحالف مع الإسلاميين ضد المخزن، بل نحن ملزمون ببناء تيار ديمقراطي واضح.

ومشروع الفدرالية يحمل عنوانا بارزا هو "الملكية البرلمانية بالمعاير الدولية"، أن تكون سلط الملك محددة، في حين تكون سلطة الشعب هي العليا. كما اتفقنا على أن ندخل الانتخابات بشكل موحد، واتفقنا على تقييمنا لحركة 20 فبراير وضرورة احتضانها واحتضان حركات الاحتجاج الاجتماعي.


كيف تتباعين ما يجري اليوم في الاتحاد الاشتراكي وما هو تقييمك لهذه التطورات؟



أعتقد أن إشكالية الاتحاد الاشتراكي، هذا الحزب العريق بنضالاته ورجالاته وقواعده، هي إشكالية سيرورة تاريخية وتحول فكري.

لم يقم الحزب بقراءة نقدية كافية لمشاركته في حكومة التناوب بقيادة عبدالرحمان اليوسفي، بما يسمح له بانطلاقة جديدة، ترجع ثقة قواعده وثقة العائلة اليسارية الكبيرة.

فسقوط الاتحاد الاشتراكي الذي كان أكبر حزب معارض في المغرب، سببه أنه خرج مائلا من الخيمة، على حج التعبير المثل المغربي، ففي اعتقادي يوم قبل هذا الحزب بتولي تقنوقراط منصب الوزير الأول، كان على السي اليوسفي حينها أن ينسحب من الائتلاف الحكومي سنة 2002، لأنه جرى ضرب للمنهجية الديمقراطية في الصميم.

لقد نجح المخزن في "برجوزة" النخبة السياسية، والنظام السياسي المغربي أفشل المعارضة وقضى عليها، وأنا أقول هنا إن المخزن قضى على الاتحاد الاشتراكي.

لكن دعني أقول أن هناك شبابا اتحاديين خرجوا مع حركة 20 فبراير، لأن شباب اليوم لم يعد يؤمن بالشرعية التاريخية بل بالشرعية الديمقراطية، ويؤمن بحقه في المشاركة في بناء مغرب ديمقراطي حديث وديمقراطي.

إننا نأسف ونتألم لما يقع داخل هذا الحزب العتيد، وأنا متيقنة من أنه قادر على تجاوز كل محنه، لأنه يتوفر على أسماء كبيرة، ولن ألعب لعبة المخزن وأقول أن كل الاتحاديين تمخزنوا.

منذ 2002 والاتحاد الاشتراكي يعيش الانكسار، فعلى الرغم من مشاركاته في الحكومات التي تلته، لم يكف المخزن عن خلق كائنات حزبية جديدة من قبيل الأصالة والمعاصرة ومجموعة الثمانية، إن ما جرى يعتبرا تخريبا للحياة السياسية. فأنا لم أفهم كيف لجأ حزب الاتحاد الاشتراكي إلى اللجوء إلى الأعيان في الانتخابات، هل لأنه فهم أن المخزن ينحره، وبالتالي فضل المصالح على سمعته