المرأة الكادحة في تونس



حزب الكادحين في تونس
2013 / 3 / 8


لا تمثّل المرأة في أيّ مجتمع من المجتمعات طبقة مستقلّة، فهي إمّا جزء من الطبقات السّائدة أو جزء من الطّبقات المُضطهَدة شأنها في ذلك شأن الرّجل، لذلك فإنّ وضع المرأة يختلف حسب الطبقة الاجتماعيّة التي تنتمي إليها. وإذا كان الرّجل في المجتمعات الطّبقيّة يخضع إلى الاضطهاد الاجتماعي الذي تفرضه الطّبقات السّائدة فإنّ المرأة في هذه المجتمعات تخضع إلى اضطهاد مضاعف إذ يُضاف إلى الاضطهاد الطبقي ذلك الاضطهاد الجنسي الذي يفرضه المجتمع الباتريركي الذّكوري.
معطيات ديمغرافيّة عامّة:
على الرّغم من وزنها العددي الجملي الذي يفوق عدد الرّجال إذ بلغت نسبة الإناث في تونس 50.2% في جويلية 2011، وعلى الرّغم من التشريعات والقوانين التي حُبّرت لصالح المرأة التونسيّة منذ 1956، والمؤشرات الإيجابيّة حول نسبة الملتحقات بالتعليم، و نسبتهنّ داخل المؤسسات الجامعيّة التى تجاوزت بكثير نسبة الطّلبة الذّكور لتبلغ 61.5% خلال السنة الجامعيّة 2010/2011، على الرّغم من كلّ هذا فإنّ الإحصائيّات وهذه المؤشّرات والتشريعات لا تعكس الصّورة الحقيقيّة لوضع المرأة في تـونس.
فبلغة الأرقام ومن نفس المصدر يثبت أنّ هذه النّسب المرتفعة المذكورة سابقا تبقى أيضا مرتفعة في علاقة بالمؤشرات السلبية المرتبطة بالمرأة التونسيّة. ذلك أنّ أكثر من ربع (1/4) الإناث في تونس هنّ أميّات سنة 2011 مقابل 11.2% فقط في صفوف الذكور، كما تجاوزت نسبة البطالة ربع (1/4) من هنّ في سنّ العمل في ماي 2012 مقابل 14.6% فقط في صفوف الذّكور، وتبدو الأرقام مفزعة أكثر ضمن حاملي الشهادات العليا إذ بلغت نسبة المعطلات عن العمل من بين حاملات الشهادات العليا 40.2% في ماي 2012 مقابل 15.8% في صفوف نفس الصنف من الذكور.
المرأة العاملة في تـونس:
في تـونس، تقدّر نسبة النّساء الأجيرات بـأكثر من 75% من مجموع النّساء وهو رقم يدلّ على ارتفاع نسبة المشتغلات داخل المجتمع التونسي لكنّه لا يدلّ على المساواة الفعليّة بين الجنسين في العمل.
فالمرأة العاملة وخصوصا خارج ميدان الوظيفة العموميّة تعاني من تواصل مظاهر التمييز على مستوى الأجر مقارنة بالرّجل كما تبقى حظوظها في التّرفية أقلّ من حظوظ الرّجل. وتعاني من عدم تسوية وضعيتها القانونيّة في الشغل فهي أكثر استهدافا بالطّرد إذا ما اعترضت على ظروف عملها القاسية لذلك فهي غالبا ما ترضى بتلك الظّروف مقابل الإبقاء على أجر أدنى ومكانة دونيّة. ورغم انتشار النقابات العمّاليّة إلاّ أنّ مشاركة النساء العاملات فيها تبقى ضعيفة وهذا ما يدلّل عليه ضعف مشاركتها في الأنشطة الجمعياتيّة والنقابيّة وحضورها المحدود جدّا داخل الهياكل النقابيّة وخصوصا الوسطى منها والعليا.
وعلى الرّغم من أنّها تشتغل وتقبض أجرة مقابل عملها، فإنّ المرأة العاملة في المجتمع التونسي لا تتمتّع باستقلاليتها الاقتصاديّة أمام زوجها أو والدها أو إخوتها. وإذا كانت المرأة العاملة فاقدة لاستقلاليتها الاقتصاديّة فحدّث ولا حرج عن النّساء العاطلات عن العمل.
و إذا كان هذا حال المرأة في الوسط الحضري، فأيّ وضع تعيشه المرأة الكادحة في الرّيف التـونسي ؟
أوضاع المرأة الرّيفيّة:
تمثّل المرأة الرّيفيّة في تـونس أكثر من 35% من مجموع عدد النساء في القطر. لا تعرف هذه النسبة من النساء تاريخ 8 مارس اليوم العالمي للمرأة ولا تسمع بتاريخ 15 أكتوبر المعروف باليوم العالمي للمرأة الريفيّة، كما أنّها لا تعلم بوجود جمعيّات نسائيّة على غرار اتّحاد المرأة التونسيّة أو جمعيّة النساء الدّيمقراطيّات ولا غيرها من الجمعيّات التي بدأت تنتشر منذ انتفاضة 17 ديسمبر 2010، غير أنّ مشاركتها في هذه الجمعيّات لا زالت شبه منعدمة، كما أنّ حضورها في النقابات غائب تماما لأنّ لا وجود للنقابات أصلا في الأوساط الرّيفيّة.
في الرّيف التّونسي، الإناث هنّ أقلّ حظّا من الذّكور في الالتحاق بالمدرسة رغم إجباريّة التعليم، وهنّ أقلّ حظّا في مواصلة تعليمهنّ حتّى وإنّ كُنّ أكثر حظّا منهم في الذّكاء والتحصيل العلمي.
في الرّيف التّونسي، 99% من النّساء عاملات وهنّ يعملن في القطاع الفلاحي. ومع أنّه حين تتثبّت في بطاقات الهويّة تجد لهنّ مهنة واحدة وهي شؤون المنزل، فإنّ الواقع اليومي للمرأة يثبت لك عكس ذلك. فالمرأة الرّيفيّة تقضّي أغلب وقتها خارج المنزل سواء كانت تعمل في حقل زوجها وإسطبل حيواناته وهذا شغل بدون مقابل طبعا أو في ضيعة "السيّد" الملاّك الكبير. تستيقظ هذه المرأة منذ الدّقائق الأولى للفجر ليتواصل اغترابها عن المنزل إلى حدود غروب الشّمس أو ما بعده. وعلاوة على هذا الشغل الذي يستغرق أغلب وقتها فإنّها لا تهمل شؤون المنزل من إعداد الوجبات الغذائيّة والغسيل والاهتمام بالأطفال ...إلخ، لذلك فهي أوّل من يستفيق وآخر من ينام وهي الطبّاخ الوحيد ولكنّها آخر من يأكل.
تتعرّض المرأة الرّيفيّة التي تساهم بقسط كبير في تأمين غذاء العائلة وبقسط أكبر في تأمين الأمن الغذائي الوطني لشتّى صنوف الاستغلال والاضطهاد في مجتمع لا يرى فيها إلاّ آلة للإنجاب والإنتاج وتوفير الحاجيات البيولوجيّة وذلك انطلاقا من سيطرة الجنس الذكوري الذي رسّخته قرون من سيادة المجتمع الباتريركي. وفي مركز عملها تقوم المرأة بأداء أشقّ المهّام و"أوضعها" ويتمّ استغلالها في تأدية مهامّ أخرى حتّى خارج الحقل فتُرسل مثلا إلى بيت "السيّد" لتنظيفه وترتيبه أو إعداد الطعام لأسرته وغيرها من المهامّ. وتحصل المرأة على أجر أقلّ من أجر الرجل الذي يشتغل معها في نفس الحقل ويقوم بأعمال أقلّ شقاء منها.
أسئلة لا بدّ منها:
بعد هذا الجرد السّريع لبعض الأرقام والمؤشّرات والمعطيات الخاصّة بأوضاع المرأة في تــونس، كان لا بدّ من طرح بعض الأسئلة التي تبدو ضروريّة في علاقة بما قدّمنا وبما ترنو إليه النّساء وأنصارهنّ من تحقيق شعارات المساواة بين الجنسين. هل حدث وهل سيحدث أيّ تغيير في وضع المرأة بمجرّد كتابة فصل في الدّستور يقرّ بـ"المساواة بين الرّجل والمرأة" حتّى وإن كانت هذه المساواة تامّة ؟ هل أن وضع المرأة سيتغيّر فعلا إذا أصبحت تقوم بنفس عدد ساعات العمل مثل الرّجل وتحصل على نفس الأجر مثل الرّجل وتحظى بنفس الحظوظ في التّرقيات ؟ هل ستتحرّر المرأة بالفعل بمجرّد إقرار هذه الحقوق وحتّى لو تمّ تطبيقها ؟ قد لا تكون الإجابة صعبة، ولكن طريق حلّ هذه الوضعيّات صعب بما انّ حريّة المرأة لا يمكنها أن تتحقّق في مجتمع غير حرّ وحريّة المجتمع لا يمكنها أن تتحقّق دون تحرير طاقات المرأة فيه.