كنت من المتحرشين لفظياً ج2



محمد الحداد
2013 / 3 / 14


بعد المرحلة الابتدائية، دخلت المتوسطة، وكانت بنيناً فقط، حيث ليس بمعلومي وجود مدرسة متوسطة مختلطة في العراق، هذه المعلومة بقيت معي لفترة، ولكني عرفت عدم دقتها بعد ذلك، حينما أخبرني أحد زملائي في الجامعة والقادم من قرية صغيرة، أنه قد أكمل المتوسطة والاعدادية في مدارس مختلطة، وذلك بسبب قلة الطلاب الذين يكملون الدراسة في الريف، وصعوبة توفر الامكانيات الادارية لوزارة التربية لتنشأ مدارس منفصلة للجنسين.
في المتوسطة عادت مشاكل البنين، وكان التحرش بين الطلاب شديداً، وهو تحرش ذكر بذكر، فليس لدينا أي أنثى، وكان التحرش يتم على يد طلاب الصف الثالث المتوسط او الثاني على طلاب الأول متوسط لصغر سنهم وصغر أجسامهم، بحيث يصعب عليهم التصدي الجسدي.
فكانت أوقات الفرص بين ساعات الدرس كأنها ساعات جحيم، الكل تركض وتصرخ، يميناً وشمالاً.
كنت أخاف أن أخرج من قاعة دروسي، خوفاً من مضايقات الطلاب الكبار، خاصة وقد كان هندامي مرتباً ونظيفاً، وكنت على درجة من الوسامة، على عكس فترة كهولتي الآن، وصلعتي التي تكبر يوماً بعد آخر.
أتذكر من أساليب تحرش الطلاب، حتى أن بعض طلاب مرحلتي وصفي كانوا يفعلونها، أنهم يمسكون بحلمة الصدر، كان عمري 12 الى 13 عاماً عندما كنت أحس بألم شديد وحساسية عالية كلما مسك أحدهم الحلمة، فقد عرفت بعدها أنني كنت في بداية دخولي مرحلة المراهقة، وهناك تغيرات كثيرة تحدث بجسمي.
أكيد لو كنت في مدرسة مختلطة لما كنت سأتعرض لمثل تلك المضايقات، ولكن هذا ما حدث.
كانت مدرستنا المتوسطة في داخل فرع صغير، وكانت مدرستين تشتركان بنفس البناية، فكنا مثلاً أول ثلاث أيام بالأسبوع نبتدأ في الثامنة صباحاً حتى 12 ظهراً، وبعدها من 12.30 الى 16.30 عصراً.
طبعاً في الدوام الذي يبدأ ظهراً كنا نقف أمام باب المدرسة ننتظر خروج طلاب المدرسة الأخرى حتى ندخل بعدها، في وقت الانتظار هذا كان عددنا كبيراً جداً، و يا ويل البنت أو المرأة الشابة التي تمر أمام مدرستنا.
فقد كان يتحرش بهن الطلاب الكبار، ولم يكن بالكلام فقط، بل بأفعال مخجلة جداً، حيث كان يحاصرونهن مجموعة من الطلاب، كأنها الفريسة وسط مجموعة من الضباع.
والشجاعة منهن تدخل لداخل المدرسة لتشتكي عند المدير، ولكن لا يستطيع المدير فعل شيء بسبب أنه يصعب على المرأة أو البنت تلك معرفة من تحرش بها بالضبط من بين أكثر من 500 طالب.
فكانت تذهب شكاويهن هباءً منثوراً.
في هذه المدرسة بدأت عندي معرفة التحرش، ومعرفة أن البنت شيء حلو يجب قطفه، وليس فقط النظر اليه، فبرغم أني لم أشترك ولا مرة بعمليات التحرش تلك، ولكني كذلك لم أقف بوجه المتحرشين لخوفي، فقد كنت صغيراً، وضعيف بدنياً، أمام مجاميع تستطيع فعل كل شيء، حتى أن البعض منهم كان يحمل سكاكين صغيرة.
كان يمكن لي أن أهمس بأذن مديري بأسماء أو أشكال المتحرشين، ولكني كنت مرعوباً منهم، فآثرت السلامة الشخصية على دخولي ذاك المعترك.
في المرحلة الثانية بدأت أرى أن طلاب صفي يتداولون بعض المجلات فيما بينهم، وكان البعض يقلب بها أثناء الدرس بأن يضعها على قدميه دون أن يراه المعلم.
لم أكن أعلم ما هي تلك الكتب أو المجلات، حتى جاء يوم وطلب مني أحد المعلمين بالانتقال الى صف خلفي داخل فصلنا بسبب تعبه ورغبته بالجلوس، حيث كنت دائما أجلس بالصف الأمامي.
فلما انتقلت الى صف خلفي، وجدت الطلاب يتناقلون كتاب تلك المادة فيما بينهم، ظننت أولاً أن أحدهم نسي جلب كتابه معه، ولكن عندما مر الكتاب أمامي لأمرره للذي يجلس بجانبي، لاحظت به شيء آخر، ولكني لم أفتحه، وفتحه الطالب الذي بجنبي، وقال لي: ألا تحب أن ترى؟ فقلت ماذا؟ فقال هذا!
وأشار بأصبعه لصورة، و يا للهول، فقد كانت مجلة بها صور لنساء عرايا لوحدهن، وصور لنساء مع رجال بأوضاع جنسية.
كان وقع الحادثة عليّ كالصدمة، حتى أني لم أشعر برغبة بتكملة رؤية أي صورة أخرى، بل شعرت بالغثيان، وبرغبة شديدة للتقيؤ.
وكنت خائفاً جداً، خائف أن يراني معلمي، وأنا الطالب المجتهد المؤدب، أنظر لصور أو كتاب ليس له علاقة بمنهجي أو دراستي.
لم أحب تلك الصور، بل ولم تكن لدي رغبة بالاستمرار، وكنت أتمنى أن ينتهي ذاك الدرس بسرعة كبيرة، وقد أنتهى، ورجعت لمقعدي وأنا مصدوم.
صحيح أننا كنا نأخذ شرحاً عن الأعضاء التناسلية، لدى الرجل والمرأة، بمرحلتنا الثانية في المتوسطة، ولكننا لم نكن نرى صوراً طبيعية، بل صور تشريحية فقط.
أستخلص من هذه المرحلة التالي:
• أن العزل بين البنات والبنين هو أول المشاكل
• أن المراهق يتعلم كثيراً من رفاق السوء بالمدرسة
• أن الشدة الظاهرية في المدارس لا تستطيع أن تمنع ذلك
• أن التحرش يبدأ بسن مبكرة جداً
• أن المتحرش قد تعرض للتحرش شخصياً
• أن التحرش يبدأ بالتدريج
• أن ثقافة القطيع أو الجماعة تعطي حماية للمتحرش من أن ينكشف أمره
• أن تربية المدرسة والشارع لها تأثير أكبر وأقوى من تربية البيت

محمد الحداد
14 . 03 . 2013