المرأة و داروين...



اكرم هواس
2013 / 3 / 17

قبل ايام مرت مناسبة يوم المرأة ...و رغم تأخري في الكتابة بهذه المناسبة المهمة فاني أتمنى لكل مساء الأرض حياة أكثر هدوءا و ثقة بالنفس ليس لمعاداة الرجل بل للتوصل إلى توازن يحفظ كرامة كل شخص... امرأة كانت أم رجلا... طفلا كان أم كهلا... و حقه في الاختيار و التواصل و الحب و الاحترام و إبداء الرأي و الاحتجاج... و لا نريد أن نعيد مزمار الحقوق الأساسية مثل المأكل و الملبس و الملجأ و حياة اجتماعية واقتصادية و سياسية و حق العمل... الخ.. ما أريد أن أقوله أن كل المجتمعات ينبغي لها إعادة بناء عقدها الاجتماعي بما يضمن تلك الحقوق و القيم الاجتماعية للجميع و على هذا الأساس فان الرسالة هي للرجال كما هي للنساء و اعتقد أن اول من يجب أن يحتفل بيوم المرأة هو الرجل لانه كان الأساس في كثير مما تعرضت و ما تزال تتعرض له اللنساء من تعسف مباشر مثل الضرب و الاغتصاب و فرض علاقات عمل و علاقات اجتماعية و اقتصادية لا تتوافق مع فرضية المساواة أو التوازن كما اسميه... نعم أن يحتفل الرجال ليس فقط كإعلان براءة من العلاقات الاجتماعية التقليدية آلتي تم ممارسة كل ألوان التعسف في ظلها... و إنما أيضاً لإعلان التغيير الجذري في ثقافة أدارة المجتمع باتجاه المساواة أو الموازنة.... ما ما يجري الان فأن الصراع المتفاقم و الذي يبدو و كانه قد ينحدر الى مستوى تصورات خيالية بان كل طرف من الجنسين و بمساعدة خاصة من التطور التكنولوجي يمكنه الاستغناء عن الطرف الآخر ... لكن هذا الصراع لن يكون في صالح أي من الجنسين بل سيكون مبنيا من أساسه الأول على المزيد من الحرمان و ترسيخه حتى يصبح هو الإطار العام للحياة حيث يصبح فيها الأفراد .. رجالا و نساء... مجرد أدوات تتحرك وفق آليات فردية مطلقة تنتفي معها كل أشكال الحياة الاجتماعية و طبعا ضمنها الحب و الزواج و الصداقة و العواطف و الأحاسيس و المشاعر... الخ من العلاقات التي طورتها الإنسانية عبر طريقها التطوري الطويل...
و اعتقد انه من الضرورة بمكان أن يأخذ كلا الجنسين هذا التطاول أو التهديد ... أو نسميه أي شيء آخر... بجدية و عقلانية مسؤولة و بالتالي العمل بجد على تغيير نمط العلاقات التقليدية باتجاه أكثر توازن و تقبل لاختلاف الآخر و التضامن و الحب و المشاركة الفاعلة و إلغاء التمييز ... بشكل عام نتحدث عن ضرورة إنشاء أنماط جديدة من العلاقات بقلوب و عقول منفتحة و ليس وفق منهجيات تسلطية... انتقامية أو صراعية بصورة او باخرى... لانه...نعم رغم احترامي الشديد للفكر الأوروبي و خاصة هنا ما يتعلق بالفكر الدارويني و الماركسي إلا اني اعتقد بأن الصراع ليس هو أساس الحياة... بل أن الأساس هو التفاعل بين مختلف العناصر و قد يأخذ هذا التفاعل شكل الصراع وفق مفاهيمنا إلا أن أساس التفاعل هو إيجابي كي يكون قادرا على إنتاج التطور و الاستمرار... فالبقاء ليس للأقوى كما تقول نظرية داروين و إنما البقاء للأفضل تفاعلا... و في حالة العلاقة بين الرجل و المرأة فليس هناك أقوى لان كليهما يعتمد على الآخر لضمان البقاء و بالتالي فان أي صراع بمستوى البقاء للأقوى الدارويني سيعني مباشرة القضاء على الأسس الطبيعية للحياة ... لا أعني هنا فقط التزاوج الطبيعي الذي يواجه تحديا كبير بل و بديلا علميا مؤكدا من علم الاستنساخ ... و إنما أعني الحياة كما نعرفها و كما نناضل من اجل تحسين ظروفها... فهل من المنطقي أن نناضل من اجل انتفاء معنى الحياة كما نعرفها و نعيد الإنسان إلى حياة الاميبيا أو البكتريا التي تطورت عنها الحياة التي نعرفها الآن وفق نظرية داروين..؟؟..
اعتقد أن دور المرأة سيكون حاسما في المرحلة المقبلة من التطور الاجتماعي و إذا حدث أن تم اتخاذ قرار تاريخي بفصل حياة الجنسين بشكل نهاءي فمما لاشك فيه أن ذلك القرار سيكون قرارا نساءيا... أما الرجل فانه سيظل يحاول إخضاع المرأة و إذا ما تم اتخاذ ذلك القرار فان الرجل سيستخدم كل إمكانياته القانونية و السياسية بل أكثر من ذلك سيشرع قوانين وضعية و تشريعات دينية تسمح له بشكل كبير و واسع من استخدام العنف الجسدي و الاغتصاب المفضوح ضد المرأة ... و هكذا يمكننا أن نتصور حربا يومية في كل الشوارع و الأزقة بين رجال و نساء محورها الأساس هو الجنس و لكن من الممكن أن تتطور الأمور لتشمل كل نواحي الحياة الأخرى... المرأة تحتاج إلى حب الرجل و اهتمامه بها و إذا ما تحول هذا الحب إلى تحدى و عداء فإنها يمكنها جداً أن تتخلى عنه ... أما الرجل فانه بحاجة دائمة إلى جسد المرأة بغض النظر عن الحب و العداء و هذا ما يتضح خلال التحليل النفسي لعملية الاغتصاب التي يقوم بها الرجل عادة...
صحيح أن الرجل يستطيع أن يمارس الجنس مع الحيوانات و مع بعض النباتات أو مع رجال آخرين و خاصة الأطفال إلا أن الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن جسد المرأة يظل هو الملهم الأول و الأخير للرجل و هذا يعود إلى تركيبته النفسية فهو قد خرج من هذا الجسد و تلقى منه حرارة الحياة الأولى و لذلك يبقى مشدودا اليه في عقله الباطن... و لعل هذه الحقيقة تفسر أيضاً الهام النساء أيضاً باجساد نساء أخريات بل بأجسادهن أنفسهن.... و من هنا ايضا تدخل قضية الممارسة الجنسية النسائية النسائية ... و لعل هذا ما يعتمد عليه أصحاب شركات الإعلان حيث يشكل جسد المرأة المحور الأساس لعرض المنتجات حتى تلك الموجهة للنساء بشكل خاص و طبعا أيضاً كل المنتجات الموجهة للرجل و كذلك المختلطة و حتى بعض المواد الغذائية ...
الموضوع طويل جداً و سأحاول أن أتابعها بمقالات اخرى... و لذلك سأتوقف هنا... لكن ما أريد قوله أن الحياة تستدعي وجود الرجل و المرأة معا و أن الصراع لن يخدم أيا منهما حتى و أن ظهر أن احدهما منتصر في لحظة تاريخية معينة لأمر بسيط جداً و هو أن المنتصر و الخسران لابد أن يحضرا لحظة التتويج.... و إلا فلا انتصار...