في رحاب الكعبة



كمال الدين
2013 / 3 / 25

يهبط الشيخ درجات السلم الأربعة في وقار متكلف يحيطه عشرينيان. هو رجل ضئيل الحجم، قصير القامة، في أواخر عقده الرابع. لحيته لا تزيد عن قبضة يده الصغيرة، وله عينان جاحظتان تغطيهتما نظارة طبية صنعت من البرونز. دخل من باب الملك عبد العزيز في عباءته الثمينة، في حين كان الفقراء إلى الله يطوفون في رحاب الكعبة هائمين في طوافهم وتكبيراتهم، وكان هناك من يبكي وكان هناك من ينتحب، وهناك أيضا من لطم أخاه دون قصد لأنه سبقه إلى الحجر الأسود يقبله. كانت المساحة التي خصصها المسؤولون للطواف تفصل بين بقاع على الأرض للجلوس والصلاة والتسبيح، أو للنظر إلى الكعبة، ألا يعرف أحدكم فضل النظر إلى الكعبة؟ لكن هناك من أخذوا في الكلام بصوت عال، وعموما في مثل تلك الأماكن تختلط الأصوات ببعضها البعض فتنتج عنها ضوضاء قد تزعج الكهول أو من انتابهم الصداع، لكن في العادة هذا أمر عادي، لا يسبب لأحد ضيق، فتلك قبل كل شيء شأن الأماكن المقدسة.

كان الشيخ قد فرغ من النزول، وشرع يمشي في جواربه القطنية السميكة البيضاء في ذات الوقار المتكلف، ويحوطه ذينك العشرينيان كما كانا. ذلك الشيخ العامل في خدمة الحرم المكي، لم يعر انتباها لأي شيء مما حوله سوى التجمعات النسائية -متعددات الجنسيات بالطبع- وهن من قصد التوجه إليهن. بالتأكيد ظل ذلك الوقار المصطنع بتكلفه لكن مع تعديل طفيف، فقد اكفهر وجهه وشرع يصيح مشيرا بكلتا يديه، لقد تحدث أكثر من لغة، أعتقد أنه تحدث بالفارسية لغة أهل إيران الشيعة أيضا، تلك الجمل القصيرة الحادة كانت تحمل معنى واحدا بغلظة واحدة نطقها بلغة القرآن: أفسحن الطريق جزاكم الله، لا تجلسن فى طريق المؤمنين.

في نفس الوقت قصده رجل مصري حليق الرأس ذو كرش لا بأس به يجر ابنه الذي يبدو لم يتجاوز عاشرته، وأخذ يستفسر الشيخ في أمر ما يتعلق بالتحلل آخر طقوس الحج، فقد كان حليق الرأس مسبقا، وسأله، إذ كان يشعر بذنب، ويريد حلاقة الشعر الذي نما على ذراعيه. هذا موقف غريب دون شك، لكن الشيخ الغليظ استعاد بريق وجهه وتجاوب معه بعذوبة، أو رقة، فليكن إذن بدلال، متبسما ابتسامة كتلك التى لطفل بريء.