كيف نرى؟



مختار سعد شحاته
2013 / 3 / 29

العين وحدها لا ترى:
أعرف أن كلامي هنا مكرورًا، وقد يراه البعض إعادة إنتاج لفكرة سابقة، لكن دعني أحاول مرة جديدة، فأظنها تستحق كل كتاباتي عنها، تلك التي عشت في دائرة هي أم مركزها وأصل وجود كل الدوائر من حولي، نعم، ولا أخجل من اعترافي بذلك، قدر ما أدعوك ألا تخجل مثلي في الاعتراف بها، وفي النظر نحوها بالعين، ثم الانصاف، فهي تعاني أكثر ما تعانيه من أعضائنا تلك التي ننظرها بها ومن خلالها، فغمطناها مرات ومرات بقدر ما نظرنا نحوها بغير العين. أدعوك الآن لتراها بعينك المجردة فقط، لا بأعضائك الأخرى.


من علّمها؟:
من علمها كل هذا القدر من العطاء؟ من علمها كل هذا المنح، وأعطاها كل تلك القدرة على تحويل كل سلبي في حياتنا إلى لون من الإيجابية البناءة؟ لا شك هو من يعرف قدرها حق المعرفة التي جهلناها باستخفاف من ذكوريتنا التى تستمر في التسلط والسيطرة في كل مكان وفي كل زمان، كلما نظرناها بأعضائنا لا بعيوننا. من أخبر بأنها المعجزة، من علم الإنسان أن يُسمي آلهته منذ فجر التاريخ بأسمائهن، من علم اللغات التى استحدثها بأن تربط أصله بها وبجنسها؟ من غير عارف عالم بقدر هذا المخلوق، ومن يعرف أنها تستحق، فانظر نحوك ترى الأرض، السماء، الدنيا، الجنة، وآلاف من المفردات في كل اللغات كلها تشير نحوها ونحو جنسها المؤنث، وكلها فيها من أسباب الحياة والأمل والطموح، فربطنا كل الكون بها وأفردناها بتلك التسمية. حتي حين نمارس ذكوريتنا عليها ونتسلط، من علمها أنها من تمنحنا كل هذا القدر من الفخر المزيف بعنتريتنا المزيفة، وانتصاراتنا في حروبنا –حتى الفراشية- من علمها أن تغفل عن هذا التعالي السخيف المصطنع، فحتى حربنا تلك الأخيرة التي يشنها جنسنا الذكري سريريا تجاه كل قلعة تحميها الطبيعة داخلها، هي وحدها من تملك منحة التسليم لمفاتيح بواباتها، فتحولك من مجرد حالة تشبه مواء القطط العاشبة في الجنس المطلق، إلى لحظات سمو وإنسانية صافية، فتزيل كل الأشياء من ذهنك وقلبك وعقلك، وتبقيك فقط أسير لحظتها التي تمنحها لك حين تحاول ألا تفلتك من دواخلها، وأنت بذكوريتك تأبي إلا الإعلان عن انتصارك المزيف.


قلبي يرى:
كيف لا نراها بعضو الرؤية الحقيقي، كيف نمنعها حقها في الرؤية نحوها رؤية صادقة، فنرجع الفضل لها- ولهن أقصد- في كل ما هو أصيل وجميل، أليس هي الحقيقة انها لا تعمى الأبصار وغنما تعمى القلوب التي في الصدور؟ فكيف نُصر أن نرى كل مفرداتها بالعين دون القلب؟ أهذا يجعلنا أكثر نشوة وافتخارًا وذكورية ندعي على إثرها رجولتنا السخيفة؟! ألا نتق الله في قلوبنا فنعلمها النظر نحوها باحترام واقتدار قبل أن تنظرها عدسات عيوننا الكورية وكلها اعين من زجاج هش رخيص، أليس من العدالة أنها تبوء بكل حُسن، وهي كل الحُسن!!

وكيف رآني زملاء عملي مخبولا حين طالبت تلاميذي ألا يكفوا عن الحب والنظر نحو الزميلات بعين القلوب لا عين الرجال؟! من منا الآن ينظر بعدل؟!
- لا أعرف لم تضربني جملة أم كلثوم –والتي تعلمت حب الاستماع إليها كبيرًا ومؤخرًا- فأكرر في صدق "أحبك الآن أكثر" من علمها أن تحب أكثر وأكثر؟ أظن تكرار الجملة هنا يرضيني في الختام وغن ظن البعض أنه بعيد عن الكلام أعلاه.
نعم ما أجمل "أن تحبيننا الآن أكثر".

مختار سعد شحاته.
Bo mima
روائي
مصر – الإسكندرية.