أكذوبة -وراء كل رجل عظيم إمرأة-



فينوس فائق
2005 / 4 / 13

حتى الموروث الشعبي من الأمثال و الأقوال التي تتناول المرأة موضوعاً لها عند غالبية شعوب الأرض و شعوب الشرق على وجه الخصوص أجحفت في وصف المرأة بشتى النعوت و الأوصاف السلبية ، فوُصفت مرة بالشيطان عندما قيل أن "النساء حبائل الشيطان" و مرة بالثرثارة و أخرى بالحرباء من أن "المرأة كالحرباء تتلون كيفما تشاء" ، و إتهمت مرة أخرى بأنها هي السبب في طرد آدم من الجنة بعد إغرائه بالتفاحة و مرة توصف بالكاذبة في المثل الذي يقول: دموع المرأة دليل كذبها ، أرى أن الموروث الشعبي و الأمثال الشعبية و على اساس أنها جزء من ثقافات الشعوب تعكس بشكل مباشر نظرة المجتمعات إلى ذلك الكائن الذي من المفروض به أنه نصف المجتمع المهم ، و بالتالي فإن مدى رقي ذلك المجتمع يقاس من خلال تلك النظرة الدونية أحياناً ، و هي للأسف في الشرق نظرة تنطوي على الكثير من الإجحاف و الظلم و وضع المرأة في أسفل السافلين ..
فحتى الفكرة السامة المتخلفة القائمة على مقولة أن "النساء ناقصات عقل و دين" باتت في حكم الباطل و غير المبني على أساس من العلم ، و من المخجل أن تكون هناك أمة على الأرض لا تزال تؤمن بها ، فلو كانت تلك المقولة صحيحة فسوف لن يكون "وراء أي رجل عظيم إمرأة" كما يقال ، فمن غير الممكن أن تكون المرأة ناقصة عقل و دين و يكون بإمكانها أن تساهم في نجاح الرجل و إيصاله إلى مرحلة العظمة ، و لن تكون أي إمرأة ناقصة دين في نظر الدين نفسه وراء نجاح أي رجل عظيم ، و هذا المثل ما هو إلا إثبات للمقولة التي مفادها أن "لا يفلح قوم أولوا أمرهم لإمرأة" ، فهنا تتجلى كل معاني التجريح و تقليل الشأن و الألم النفسي الذي يلحق بالمرأة من جراء مثل تلك الأقاويل ، فالمجتمع من ناحية تنتقد المرأة بأنها ضعيفة و لا حول لها و لا قوة ، و من ناحية تطالبها بإنجاز واجباتها على أكمل وجه ، في الوقت الذي تقوم فيه المرأة بأكبر المهام و الواجبات في الحياة و هي إنجاب الأطفال و تحمل آلام الولادة و غيرها من الآلام ، و عندما يأتي الحديث إلى تسواي المرأة بالرجل يقال أن الرجل قوي لأنه يمتلك القوة العضلية .. و هكذا من البدع المتخلفة التي هذ الهدف منها تحديد المساحة التي تتحرك فيها المرأة داخل المجتمع و التقليل من شأنها و سجنها داخل زنزانات من العادات البالية و الأقاويل الحكم التي عفى عليها الزمن.. و آخر البدع أن "السيارة مفسدة النساء" تلك المقولة التي مازالت العربية السعودية تؤمن بها و تمنع بإسمها ذلك الحق البسيط على المرأة في هذا العصر الحافل بالتطور ، و في حين أن نساء عديدات من بلدان عديدة وصلن القمر و الفضاء الخارجي ، بعد قيادة السياة و الحافلات و حتى العربات الكبيرة ، لا تزال هي تتبنى قانوناً تمنع بموجبه النساء من قيادة السيارة..
و الآن هل صحيح أن وراء كل رجل عظيم إمرأة ؟ هذا المثل أثبت بطلانه مع تطور العقول و القفزات الهائلة في عالم التكنلوجيا و إقتحامها الحياة اليومية ، فإن ترديد مثل ذلك المثل هو في حد ذاته إنتقاص للمرأة كإنسان خصوصاً في هذا الزمن الذي تشكل فيه المرأة شريك الرجل في الإنجازات العلمية و التكنلوجية ، فصفة العظمة هنا تقتصر على الرجل و لا وجود لأي صفة إيجابية للمرأة في نص المقولة سوى إيهامها بكذبة أن نجاح الرجل يعود إليها ، هذه المقولة التي إفتخرت البشرية بها عقود طويلة و أوهمت المرأة بها طوال هذه المدة الطويلة ، ثم لماذا كلمة "وراء" هل لأن المجتمع الشرقي مجتمع أبوي ذكوري و لا يصح أن تقف المرأة إلى جانب الرجل و يجب أن تقف دائماً وراءه ؟ ثم لماذا هذا الإجبار على التقوقع في بوتقة خدمة رجل إلى أن يصل إلى درجة العظمة في الوقت الذي تبقى هي في الخلف ، و لماذا لا تكون وراء نجاحها الشخصي ، لماذا لا يكون هناك رجل مثلاً وراء نجاحها ، فحتى هذا المثل لم ينصف المرأة كما يجب ، فهو قائم أصلاً على أساس تعظيم الرجل و إبقاء المرأة في الظل و خلف الرجل ، ثم من غير الممكن أن يكون بإمكاني في زمن العولمة و الإنفتاح هذا أن أساهم في نجاح رجل في حياتي إن لم أقف إلى جانبه ، فأنا أعرف أن الأشخاص يقفون إلى جانب بعضهم البعض وقت الشدائد و أوقات المساعدة و مد يد العون ، و إذا أخذنا كلمة "عظيم" و في المثل و درسناه ، سنخرج بنتيجة أن تلك الكلمة تحمل في طياتها معاني الغرور و العنجهية ، فصفة العظمة في هذا العصر المتميز بالإنجازات العلمية العظيمة صارت من الصفات التي لا تليق بالإنسان و هي تعطي صورة التفاخر و التباهي و الغرور و النرجسية و حب العظمة ، هذه المفاهيم التي تدخل في باب الأمراض النفسية في العلم النفسي الحديث. لأن التجارب أثبتت أن داء العظمة تداهم الإنسان عندما يصاب بالغرور ، فكلما كبر الإنسان من المفروض أن يزداد تواضعاً و أن ينظر إلى من حوله بتساوي ، لذا فإن تلك الأمثال و مع الزمن أثبتت بطلانها و أثبتت أنها أكذوبة أوهمت البشرية بها لتحصر المرأة و تبقيها خلف الرجل و في الظل..