المرأة..وزوايا بلا اضلاع..



فاتن نور
2005 / 4 / 13

من العبث ان نحاول رسم زاوية ونهمل رسم ضلعين.. ومن غير الممكن ان نرسم ضلعين يلتقيان بنقطة او يتقاطعان، بلا استقبال زاوية او زوايا من جرّاء ذلك...الضلع الواحد لا يكوّن زاوية إلاّ اذا تمّ تعيين نقطة عليه واعتباره ضلعان مدغمان يلتقيان بنقطة وفي حالة استقامة،وهنا ستكون الزاوية مائة وثمانون درجة.. (واعتى انواع الخلاف يكون بتلك الزاوية)...

ما ورد طبعا يقع في مجال الهندسة والرياضيات.. ترى ماذا عن الزوايا الفكرية؟.. تلك ايضا تحتاج الى اضلاع لتأطيرها ,اقول اضلاع حيث انه اذا كنّا نحتاج الى ضلعين فقط لرسم زاوية على الورق فلربما نحتاج مجموعة اضلاع لنضع زاوية فكرية بين يدي المُتلقي، وتلك الآضلاع وظيفتها تحصين وتعميد الفكرة كي يتقبلها الآخر، فهي بمثابة الأعمدة الحاملة والساندة لها ،وكأن تكون تلك الفكرة واردة ضمن سياق ثقافي او مفهوم فلسفى او حصانة دينية او موروث اجتماعي.. الخ....

وجود فكرة لا يسندها اي ضلع وبالمفهوم الذي ذكرته لقيمة الضلع ، سيؤدي الى ركن او ترك تلك الفكرة، حيث انها ستكون فكرة هُلاميّه عائمة ليس لها مستقر منطقي.... واهمية الفكرة وتداولها تنشأ من كم الأضلاع الساندة لها ويكون التناسب طرديا حيث ترتقي الأهمية كلما زاد عد الآضلاع المُتوّجة لتلك الفكرة ..والتتويج هنا بمعنى تواجد كل الآضلاع التي تحمي الفكرة وتوثقها بالتحليل والدلالة الموضوعية وبشكل منطقي مقبول لهيكلية الفكرة..

هل يوجد في مجتمعاتنا افكار ولوائح معوّمة بلا اضلاع او بضلع يتيم واحد تُستجمع فيه كل ثوابت الترسيخ ؟ بلى للأسف موجودة... ومثلما يبدو انه من العبث حتى تخيّل زاوية بلا ضلعين، فأن الفكرة اليتيمة الضلع تبدو مُعاقة وبحاجة الى كرسي بعجلات لتسويقها...ومثل تلك الآفكار المحمولة بضلع واحد لايستذوقها ويستطبيها منطقيا من لم يتعامل بحياته مع الكراسي ذات العجلات، ولكن يبقى لها جمهور غفير من مُستخدمي تلك الكراسي..وقد يتم اقحامها في الأعراف القانونية الداخلة في تنظيم المجتمع والدولة........


هنا سأحاول طرح احدى تلك الأفكار والموجودة في الساحة بضلع واحد.. والقائمة كل تحليلات معتنقيها لأغراض القبول والترسيخ على ذلك الضلع والذي طاب لي ان انعته بالضلع اليتيم...

تلك الفكرة هي زواج المسلم ( ذكر او انثى) من غير المسلم والمعتنق لديانة كتابية اخرى....

قبل الدخول بالتحليل.. لابد من مقدمة معروفة ومهضومة للجميع ولكن من الحَسن التذكير (حيث اننا لا نتذكر إلاّ حينما نريد توظيفها لمهمة ما)، بها وبشكل موجز...

المرأة... ومن منا لا يعرف المرأة وقيمتها المؤكدة داخل مضمار البيت والأسرة.. إن كان هناك من لا يقيّم امكانية فاعلية المرأة في عموم النواحي الحياتية بتنوعاتها فهو يقيّم المرأة كرائدة فاعلة في احتضان الأسرة ورعايتها واستتباب كل ما هو يدعم سعادتها وراحتها وطمأنينتها .. فالمرأة هي فاعل نشط في مجال التربية وتوفير جو الصفاء الأسري وجو الراحة والأسترخاء للزوج الذي غالبا ماتكون جلّ اهتماماته خارجية وفي امور توفير الضمان الأقتصادي للأسرة والتفاعل مع امور الحياة العامة والتي تبتعد المرأة عن الإنخراط بها للتفرغ لمهنتها الأعظم... فهي الفاعل بطبيعة بنائها وفسجلة صيرورتها المتخصصة للقيام بالمهمة الأسرية.. نعم ذلك ما يراه البعض منا في المرأة فلنعتمده لنرى كيف ستصبح المرأة مفعولا به ومُهمشه ولا حول لها ولا قوة حتى في المضمار الوحيد الذي وضعه لها البعض لتمجيدها وبيان مدى حيويتها المكثفة.. وغير ذلك الكثير مما يسترسلون به من مفاهيم منمّقة حول المرأة والأسرة....لذا لنعود الى الزواج وبالفكرة التي اسلفتها...

الضلع الوحيد لتحليل تلك الفكرة هو الضلع المتجه من الرجل نحو المرأة.. والفكرة لها محوران (وبضلع يتيم) من وجهة نظر معتنقي الفكرة وكما يلي:

المحور الأول: زواج المسلم بغير المسلمة.....هل يجوز؟... الأجابة نعم

المحور الثاني: زواج غير المسلم بمسلمة.. هل يجوز.. الأجابة كلا وليس لا!( كلا لغويا اقوى من لا)

لنرى كيف يتم التحليل..
في المحور الأول.. وحيث ان الرجل سيكون هو المسلم والزوجة غير مسلمة.. جاءت الأجابة بنعم من باب ان (المسلم) يحترم الديانات الكتابية الأخرى لذا سيرعى ويحترم زوجته غير المسلمة ولا يُجهض حقوقها..كما ان الاسلام دين التسامح والكرم مع الديانات السماوية ( التفسير كما هو ملاحظ ينطلق من ضلع الرجل نحو المرأة) ..

في المحور الثاني.. وحيث ان الرجل سيكون هو غير المسلم والزوجة هي المسلمة .. جاءت الأجابة بكلا من باب ان (غير المسلم) قد لا يحترم الديانات الكتابية الآخرى لذا سوف لا يحترم ولا يرعى حقوق زوجته وقد يتعدى عليها ويجهض حقوقها ." فاعلية التسامح والكرم اندثرت امام كون الزوجة هي المسلمة" ( التفسير ايضا منطلق من الرجل نحو المرأة)..

في التفسيرين كان الحديث عن (مسلم) و ( غير مسلم) باتجاه (غير المسلمة) و (المسلمة) وعلى التوالي.. يعني باتجاه الرجل كفاعل مُرسِل لأدوات التعامل نحو المرأة كمفعول مُستقبِِل لتلك الأدوات...


لنحاول التفسير ولكن هذه المرة بضلع اخر ينطلق من المرأة نحو الرجل كونها هي الفاعلة في نطاق الأسرة، ونفكك المحورين اعلاه من هذا الباب وبصيغة منطلقة من المرأة كمُرسلة في نطاق الأسرة والى الرجل كمُستقبِل..


المحور الأول: زواج المسلمة بغير المسلم...

وحيث ان المرأة هي من ستكون مسلمة والزوج غير مسلم ..ومن باب كون ( المسلمة) تحترم الديانات الكتابية الأخرى وحيث انها الناشطة في شؤون الرعاية وتوفير الأجواء الأسرية السليمة لذا فأنها ستحترم زوجها وترعى حقوقه ولا تجهضها وستجعل الجو الأسري جوّ آخاء ومودة بدينها وورعها ( والإسلام دين التسامح والكرم.. يجب ان لا نهمل هذا الطرح في هذه الحالة ايضا..) .. وعليه فأن الأجابة يبدو ان تكون... نعم

المحور الثاني: زواج غير المسلمة بالمسلم...

وحيث ان الزوجة ستكون هي غير المسلمة والزوج هو المسلم... وحيث ان غير المسلمة قد لا تحترم الديانات الكتابية الأخرى لذا سوف لا تحترم زوجها ولا ترعى حقوقه وستجعل بيته جحيما لعدم تفهمها لمتطلبات الديانة الاسلامية وعليه فأن الأجابة يبدو ان تكون ...كلا

مما ورد اعلاه نرى ان اكتساب ضلعا آخرا للنظر للفكرة، وليصبح لدينا ضلعان احدهما ينطلق من الزوج كفاعل باتجاه المرأة والثاني من المرأة كفاعل باتجاه الرجل، مثل هذا الإكتساب سيخلخل ميزان الفكرة وضلعها الأوحد .. حيث وكما ورد نرى ان حالة الإيجاب في المحور الأول وبالضلع الذكوري ستصبح حالة ايجاب ايضا ولنفس المحور ولكن بالضلع الأنثوي.. بمعنى ان احدهما يأكل الآخر بأختلاف الضلع المعتمد ويُسقطه، فأما علينا بقبول (نعم) او قبول (لا).. ولكن لكلا المحورين... وكذا ينطبق على المحور الثاني بضلعيه الذكوري والأنثوي..


مثلما اتضح ان زاوية تلك الفكرة هي زاوية آاحادية الضلع بكل تفسيراتها ،وان دخول ضلع آخر ( ضلع المرأة) سيكشف مدى هلاميّة الفكرة وتحيّزها لصالح الذكورة... وهل من جديد!!!!!

قد تُقحم بعض القيم لمحاولة توطيد الفكرة موضوع البحث... حيث قد يقول قائل بأن القوامة في الأسرة للرجل وبغض النظر عن نشاط وفاعلية المرأة داخلها... هنا لابد لي ان أذكّر بتنوع التفاسير لقوامة الرجل على المرأة وافاقها ومضامينها ،والتي ومن وجهة نظر دينية لا تعني بأن المسلم الرجل أعرف بشؤون دينه من المرأة المسلمة ولاتعني استطاعة الرجل المسلم التعامل وفق افاقه الاسلاميه مع الآخر بشكل افضل من المرأة المسلمة.. ولا تعني بأن الرعاية الأسرية بقوامة الرجل( المفترضة) منطلقة منه نحو المرأة ولا تنطلق اي رعاية من المرأة نحو الرجل، وإن كانت القوامة تعني كذا فأن كل الأقوال التي تُشيد بفاعلية المرأة داخل الجدران الأسرية واهليتها الطبيعية المخلوقة بها وورعها وكرامتها الأسلامية وحسن خلقها لتكون ناشطة بيتيّة،كل تلك الاقوال ستسقط وتصبح مجرد ادعاءات صاعدة نازلة وحسب ما تقتضيه مصلحة التفسير والتحليل، وستكون المحصلة مجموعة عتيدة من متناقضات تفسيرية قاسمها المشترك هو محاولة التفوق الفحولي ( إن صح ان نعتبره تفوقا وليس تدهورا..) في كل شيء وإن كان هذا التفوق واقع على كاهل نصف المجتمع...ربما من الأصح ان نسميها حصانة فحولية انفتاحية على الديانات الأخرى!....

وقد يُدخل البعض ايجابيات هُلامّية اخرى لتعزيز الفكرة وربطها بالنسل والذرية ،حيث ان زواج المسلم بغير المسلمة سيُنعش التعداد السكاني للمسلمين وذلك بتبعية ديانة المولود للرجل، اما في الحالة النقيضة فأن الإنتعاش سيكون لصالح الديانات الأخرى( وهل نحن في حالة عداء مزمن مع الديانات الآخرى..).. وفي هذا انا اتسائل بتواضع:... هل من باب الدقّة ان يكتسب المولود اسم ابيه ويرث دينه!؟.....

اكثر ما نال دهشتي هو قراءتي لأحد التفاسير وفي ذات الموضوع لأحد الأفاضل من رجال الدين، حيث تجرّأ في محاولة التفسير لتفنيد اهلية المرأة المسلمة من الزواج برجل غير مسلم( من اصحاب الكتاب) قوله بأن الزوج قد يلجأ الى ارغام زوجته (بتسلطه) لدخولها عالم الشرك والمشركين! وهل بعلم احدكم ان اصحاب الكتاب من المشركين؟ وما قصة الإرغام تلك!؟ وكأن المرأة المسلمة هي كقطعة غسيل مبلولة وممكن نشرها على اي حبال لتجف كي يتسنى لنا كيّها وارتدائها....

وقد ذهب بعضهم للقول من باب دعم زواج المسلم بغير المسلمة وتفنيد العكس.. قال:" لئلا يجعل الله لغير المسلمين ولاية على المسلمين"... ولا ادري من سيتولى تربية الأطفال في حالة زواج المسلم بغير المسلمة؟.. بلا شك ستكون رعايتهم وولايتهم من قبل الزوجة غير المسلمة فهذه هي مهمتها الأولى بمنظار المسلم كونها أم.. وهل في ذلك إلاّ ولاية عظمى في ان يربى ويرعى المولود المسلم على يد الأم غير المسلمة؟ وهل (وبنفس المنطق) هناك اسمى من ان يربى المولود غير المسلم من قبل الأم والزوجة المسلمة في حالة زواج المرأة المسلمة من غير المسلم حيث قد ينال المولود (غير المسلم بالتبعية الأبوية) الهداية بما يراه في أمه الحاضنة له بُمعطيات الاسلام الرصينه في التربية فيدخل الاسلام عن قناعة ناجمة من التعايش ومنذ الولادة مع اهل الدين الحنيف المتمثل اولا في شخص الأم المسلمة؟...

كما يُصرّح البعض بأن الموضوع من باب التعامل بالمثل حيث ان الديانات الآخرى تعتمد نفس السياق... ترى هل يجوز ووفق اطر التعامل بالمثل ان نعتمد سياقات من الديانات الاخرى ونطبقها.. ام ان التعامل بالمثل حسب ضرورة المزاج النكاحي فقط؟ وإن كانت كل الأديان تعتمد هذا النهج.. اوليس هذا يشير الى ان منهجية الأديان فحولية برمتها وتنتهج بشكل او بأخر سياسة الضلع الواحد المُفضل والفاعل والمُفسِّر والمُشّرع ووو.. والمُطبّق طبعا...الخ ؟

ترى كم من الأفكار لو تم تحليلها بعدالة النظر( وبضلعين على الأقل) الى كل زاوية فكرية معينة او معتقد او موروث ، كم منها سيصمد ويثبت آهليته بلا انحياز؟

فاتن نور
05/04/12