الثواب و العقاب من منظور ديني



سونيا ابراهيم
2013 / 4 / 11

المجتمع و علاقة الوطن بالانسان و فرديته:
لا يمكن أن تكون العلاقة بين الانسان وذاته، و التوافق مع خصائصه، متزنة، و تتجه نحو التلخص من التزمت الديني إلا بتنشئة الأطفال، و اعطائهم الفرصة في التعبيرعن قدراتهم بعيداً عن الشبهات الدينية، في مدارسنا في العالم العربي ينشأ الأطفال في مجتمع يحرمهم من الأحلام، و الرؤية أبعد من منظور العائلة والوالدين، و قد يكون هناك أطفال قلائل محظوظين بتحصيل تعليمهم في مدارس لا تناقش المسائل الدينية في مناهجها. قد يكون التعليم الديني مفيداً في حال المقارنة بين الأديان في المراحل التعليمية اللاحقة؛ في الجامعة، و هذا يحتاج إلى نضج على المستوى التعليمي، منبثقاً من بناء منهج متطور على أسس سيكولوجية، تحفز دافعية الفرد، و توجهه نحو النظر إلى المستقبل، و نقد الذات و تحليلها من أجل تكوين كافة مكونات شخصيته الفكرية، المهارية، و المعرفية بعيداً عن أي تأثيرات تقهره، أو تربط مدى نجاحه و اخفاقه بقربه أو بعده بصلته مع الله!
إن التشجيع على حفظ الأسماء الحسنى و الأحاديث، و النصوص القرآنية واقترانه بنيل المكافآت يرسخ لدى نفسية الطفل/ة الاستسلام، و الخضوع منذ الصغر، بدلاً من الاعتماد على الفهم، و طرح الأسئلة، و المشاركة الفعالة، و تجعل الطفل/ة يصطاد الأخطاء لنفسه، وغيره بدلاً من احترام تجارب الآخرين في الأداء، و الاعتماد على الذات من أجل تقدير الآخرين.
تُكوِن التنشئة الدينية للأطفال منذ الصغر طاقة هائلة؛ فهي مملوءة بالارشادات و التهديد و الوعيد، تتحول هذه الطاقة إلى مخزون تربوي و فكري بنضج صور الطفل الشعورية و اللاشعورية، مما يعرقل تقدمه و تحديه للعراقيل، و يجعله يدور في دوامة الخوف من الله، و اختبار الله المفاجئ، الذي يحب عباده؛ فيبتليهم ليعوضهم بالآخرة!
****
النظرة الدينية للطفل، و للحياة تتعلق بعدم القدرة على الرفض؛ بسبب العقاب الذي يتعلق به حب الطفل للحياة في حال رفض الرضوخ للتعليمات، و الارشادات الدينية؛ فإما ينتج لدينا أطفال تعساء، غير قادرين على التحدي، و إما ينتج لدينا مفكرين دينين لديهم آليات تكفيرية أمنية، من يرفض الخضوع فهو خاضع للابتزاز، و السيطرة على حياته، و نبذه بكل طريقة ممكنة!
****
الصورة، و الاحساس الذي يتولد لدى الطفل/ة، و تطوره مع نمو احتياجات الطفل/ة لتنمية قدراته/ا بالاتصال مع العالم الخارجي عبر حواسه/ا، و تطوير ادراكه/ا المعرفي قد يصبح عائقاً بحد ذاته إذا اقترن التعليم بمفهوم العقاب، و الثواب الذي جاء به الدين، لأنه يُعوّق تكوين الطفل لقدرته النقدية، التحليلية البنائية حتى مراحل متقدمة من نمو الطفل التعليمي، و يصبح حينها عقل الطفل مغيباً، و مخزون طاقته مكبوتاً بسبب هذا النوع من الاحساس بالفراغ، و الشؤم الذي يمنع الطفل من القدرة على التماهي مع أخلاقه، و تكوين هوية شخصية يقرر فيها عبر أحلامه، وقدراته، و استعداداته أن يكون انسانا يبحث عن الصحة النفسية، بعيداً عن توجه الطفل لهدم الأنا لديه، و قمعها، بل و تحليل كافة الأخطاء التي تحدث بحياته بسبب ابتلاء الله له، و اختباره لإيمانه على سبيل المثال!
هل سيستطيع الأطفال أن يقرروا معنى الحياة، وهم في مرحلة صغيرة من العمر يدخلون إلى هذا النوع من الدهليز؟، أنا لا أستغرب كيف كونتُّ صورة لطفولة أخي، و نضجه حتى صار مراهقاً، و من ثم بلوغه شاباً، و هو يحول التحرش بي كأخته، و يقول لي: "ما اجتمع رجلا و امرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، و مثل هذه الأفكار شجعته لأكثر من خمس سنوات، و تطورت محاولات اعتدائه عليّ جسدياً، و جنسياً لأنه بتصوره أن بإمكانه أن يكون قادراً على ذلك، لم يكن المجتمع بحد ذاته يسبب لي خوفاً بقدر ما كنتُ أذهبُ إلى النوم، و أنا أشعر بالرعب، و في مراحل كثيرة من حياتي لم ترافقني سوى الكوابيس، و قناع الاكتئاب، حتى تغيرتُ كلياً من طفلة مثابرة، جريئة، متمردة إلى انسانة تعيش تحت الصدمة النفسية، تخجل من سلطوية مجتمعها، و في نفس الوقت لا تشعر بالأمان على نفسها عندما ترقد في سريرها. هذه الصدمة النفسية تأثرتْ بالانفعال كل مرة كان يقول فيها أخي: "المرأة ناقصة عقل و دين"، و كأنه كان يجبرني على الاستماع إليه، و تصديق ما يقوله. كانت الحقيقة الأكثر إيلاماً أن تنشئة والدتي ساعدته كثيراً على قمعي، و الاعتداء عليّ في حين كانت الأم غارقة باللامبالاة ظناً منها أن يحرص على الأمور بشكل جيد.. حتى لا تصبح مسئولياتها خارج سيطرتها.
****
اعتقدتُ في البداية، و تدريجياً، و هم يجبروني على ارتداء الحجاب، و من ثم يقمعونني فكراً، وجسداً، و رورحاً أنني سأكون ملتزمة بما يرضيهم لأحصل على رضاهم، ولكني اكتشفتُ أن سعادتهم لا دخل لها بسعادتي، و حصولي على تقدير ذاتي لا ينبغي أن ينبع منهم؛ بل من تقديري لعمق تجاربي في الحياة، اعتقدتُ أنهم يريدونني سليمة، و سعيدة؛ و لكنهم كانوا هم التعساء فكيف لهم أن يريدون لي ما لا يريدون لأنفسهم؟ لذلك التعصب، و التزمت، انتظرتُ طويلاً حتى توفي والدي؛ لكي أشبع نوماً بدلاً من ازعاجه لكل من في البيت ليصلوا الفجر، و انتظرتُ طويلاً حتى نلت بعضاً من استقلاليتي حتى يتوقف أخي عن فرض أراءه الشخصية علي، و اعتداءه المتكرر على جسدي و محاولته القذرة بالتحرش جنسياً بي، لقد تحدثتُ أخيراً إلى أحد أصدقائي عن بعض ذكرياتي، و اختصرتُ شعوري بعائلتي، بعد سنين طويلة استغلوني فيها بكلمة واحدة أو كلمتين؛ عائلتي هي العار و الخزي!