مشورة المرأة



أشرف عبد القادر
2005 / 4 / 14

تذيع إذاعة الشرق مشكورة برنامج كل صباح يتناول موضوعات شتى، وكان موضوع حلقة يوم السبت الماضي يتعلق بوضع المرأة في العالم العربي، وها أنا أقدم للقراء ما قلت، إن الموروث الثقافي يمثل عائقاً كبيراً أمام المرأة العربية لنيل حقوقها، كان أبي رحمه الله يقول لأمي دائماً عندما كانت تقدم له المشورة: مشورة المرأة لو صحت تخرب البيت سنه ولو خابت تخرب البيت العمر كله، ولا شك أن قول المرحوم والدي ترجمة بالعامية المصرية للحديث المكذوب على رسول الله صلي الله عليه وسلمالذي يقول:"شاوروهن وخالفوهن" في حين أنه ثابت في السنة النبوية أن الرسول كان يشاور زوجاته ويعمل بمشورتهن، من ذلك عمله بمشورة أم سلمه في صلح الحديبية والتي أنقذت الإسلام الوليد من كارثة محققة وقد تمرد عليه أكثر الصحابة على رسول الله الذين كانوا حديثي عهد بجاهلية وأبوا إلا أن يقاتلوا قريشاً ورفضوا قبول نصيحة رسولنا صلي الله عليه وسلم في أداء فؤيضة الحج بعيداً عن مكة، لأن قريش رفضت أن يدخل المسلمون مكة حجاجاً في هذا العام. فطلب رسول الله صلي الله عليه وسلم مشورة أم سلمة فقالت له: غداً انحر هديك ولا ترد عليهم عندما يحيوك. وفعلاً فعل رسول الله، فلما رأوه لا يرد عليهم شعروا بالذنب وأتوا وبايعوه وقبلوا صلح الحديبية "المذل" مثلما قبل الشهيد ياسر عرفات صلح أوسلو "المذل" كما يسميه المتطرفون وكانت النتيجة أن عاد رسول الله إلى مكة فاتحاً بعد صلح الحديبية، وستكون النتيجة بإذن الله أن يأتي الرئيس المصلح محمود عباس "أبو مازن" بالدولة الفلسطينية لشعبه الفلسطيني نتيجة اتفاق أوسلو الذي يكفره ويجرمه فقهاء الإرهاب.
وكان مما قلت أيضاً، أن نظرتنا إلى المرأة على أنها "ناقصة عقل ودين" يقف عقبة كأداء لمساواة الرجل بالمرأة، وهو حديث مكذوب آخر على رسولنا الكريم ويتناقض تناقضاً مطلقاً مع القرآن الكريم الذي أقر بالمساواة التامة بين المرأة والرجل في الآية الكريمة :"المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" فالولاية متبادلة بين الرجل والمرأة على قدم المساواة، بلا نقص في العقل أو في الدين ولا هم يحزنون.لكن ما يستحق الإستغراب هو أن قطاعاً من النساء تحت تأثير الإنحطاط الحضاري ودعاية وعداء المتأسلمين للمرأة، ودعايتهم المكثفة ضدها أقتنعن بدونيتهن عكساً للمساواة التي أعطتها لهم الآية الكريمة . فلا زال أمام المرأة العربية مشواراً طويلاًلتنال حقوقها وتتساوى مع المرأة الأوربية ، ولا تعتقد المرأة أن الرجل سيعطيها حقوقها هدية منه بل عليها أن تنتزعها منه انتزاعاً، لنحقق المساواة التي أقرها رسولنا الكريم في قوله :"النساء شقائق الرجال"، فالرجل الشرقي هو الذي يضع القوانين، فيضعها في صالحة وخدمة رغباته الأنانية وغرائزه العداونية، ثم أسبغ عليها شرعية دينية ما أنزل الله بها من سلطان. حتى إن الجماعات المتأسلمة جعلت للمرأة خرجتان: واحدة من بيت أبوها إلى بيت زوجها، والثانية من بيت زوجها إلى القبر.
كيف يكون للمرأة كياناً مستقلاً وهي المنسية دائماً؟ وهي التابع دائماً لأبيها ولأخيها الذكر قبل الزواج، ولزوجها بعد الزواج. كيف تستطيع المرأة أن تفكر بنفسها وأبوها لا يستشيرها وهي صغيرة حتى في اختيار لون ملابسها؟ وعندما تتزوج لا يشركها زوجها في أي قرارات تهم الأسرة أو الأولاد؟ كيف للأم وهي نواة الأسرة أن تربي أطفالاً ناجحين وصالحين وهي نفسها مهضومة الحقوق وحبيسة بيتها. ولله در شوقي القائل:
الأم مدرسة إذا اعددتها / أعددت شعباً طيب الأعراق
وبما أنن لم نعدد المرأة في عالمنا العربي – بإستثناء تونس – فإنن مازلنا لم نحصل على شعب طيب الأعراق.
فلنتخلص من موروثنا الثقافي البالي، ومن الأساطير المسيطرة على عقولنا والتي جعلتنا نحمل المرأة كل شرورنا وآثامنا، فإذا نجح الأطفال فبفضل الأب، وإذا ما فشلوا فبتقصير من الأم، وآدم نفسه "حواء" هي التي أخرجته من جنة الخلد إلى أرض الشقاء. إذا لم نتخلص من عقدة دونية المرأة ، ومن أنها أصل البلايا وأخت الشيطان، لن نتقدم قيد أنملة على طريق التقدم، وسيظل نصف المجتمع مشلولاً ويعيش عالة على نصفه الآخر، أضف إلى ذلك أنه عقيم الانتاجية ويساهم بنصيب الأسد في قنبلة الانفجار السكاني التي نفجرها في أنفسنا بأنفسنا ونحن لا ندري. فمصر الفرعونية في أزهي عصور حضارتها كرمت المرأة وساوتها بالرجل وجعلت من "كليوباترا" ملكة مصر، فالمرأة تضطهد وتحتقر في عصور الإنحطاط، وهذا يبين لنا مدي انحطاطنا الحضاري الذي نعيشه الآن.
فالمرأة خرجت للعمل وأثبتت جدارتها في كل الميادين، إلا المرأة العربية التي مازلت رهينة المحبسين: الموروث الثقافي البالي، والرجل "الإخوانجي" المسكون بالخوف منها ومن تحرير طاقتها الجبارة. فالطريق مازال طويلاً وشاقاً أمام المرأة العربية لتتساوى بالرجل وبالمرأة الحديثة في كل مكان، ولكن عليها أن تأخذ بزمام المبادرة ، وأن تشق عصى الطاعة في وجه أعدائها المتأسلمين الحاملين لأبشع تقاليد عصور انحطاطنا. ومن سار على الدرب وصل، ومن ينصره الله فلا غالب له.

[email protected]