اسمها نور، نور مياتي



فايز شاهين
2005 / 4 / 16

نشرت الصحف في الأسابيع الماضية قضية نور مياتي، خادمة من إندونيسيا حيث تم سجنها وربطها وتجويعها وتعذيبها إلى درجة أنه تم إجراء عملية بتر ليديها ورجلها، إضافةً إلى أنها كانت، ولربما لازالت في حالة هزال شديد، ومن شاهدها قال بأنها جلد على عظم فقط.
الأخبار تحدّثت عن خادمة إندونيسية، عفواً، نور مياتي، وليست فقط خادمة، إنها إنسانة، شابّة عمرها 22 عاماً، تعرّضت لتعذيب شديد من قِبل سعودي وزوجته، ولكن إلى الآن لم يتم ذكر اسمه ولا اسم زوجته، ربما لأن ذكر اسم الزوجة أو المرأة في مجتمعنا ذو "الخصوصية والعادات والتقاليد" يُعتبر عيباً، لذلك تم التحفظ على اسمه. قبل أيام أيضاً تم نشر قضية أخرى وهي أن خادمة إندونيسية تم اغتصابها مراراً مما أدى إلى تهتك أنسجتها الخارجية ونزيف، وكان "البطل" كالعادة سعودي يقبع في بلاد الحرمين الشريفين.
هذه الفتاة أتت إلى بلادنا ويحدوها الأمل في أن تحصل على رزقٍ حلال وبدون شك فإن أكثرهن يأتين وقد ملأ قلبهن الأمل لإيصال بعض مما يحصلون عليه من مال إلى عائلاتهن في اندونيسيا، من أزواج وأطفال وأمهات وآباء. لذلك فأهاليهن أيضاً يحلمن بالحصول على جزء يسير من المال لقاء غربة بناتهن في بلاد "الفضيلة" ولربما اعتقدن بأنهن في "أيدي أمينة" في بلاد "الحرمين الشريفين".
المتابع لهذه القضايا يُصاب بالاشمئزاز والحيرة في نفس الوقت، حيث أن المجتمع "المصاب بعقدة الكمال والطهر" يرى في غيره عبيداً وإماءً يحق له عمل كل ما هو محرّم شرعاً وأخلاقاً وقانوناً. قضايا الخادمات أكبر من أن يسعها مقال ولا حتى موسوعة، فهي أصبحت حديث المجتمع، واستقدامهن واستغلالهن لا يخفى على أحد؛ هذا الاستغلال ليس فقط بتشغيلهن دون دفع أجورهن، وليس فقط التعدي عليهن بالضرب، بل زاد على ذلك بكثير.
ربما يعتقد البعض بأن الرجال فقط هم من يعتدي على الخادمات، وليس هناك دور للسعوديات في هذه الجرائم، ولكن الواقع يقول عكس ذلك. فقضية نور كان بطلاها "سعودي وزوجته". قصة قبل مدة من جملة القصص المقرفة هي أن سيدة سعودية ذهبت لطبيبة نساء وولادة ومعها الخادمة. طلبت السيدة السعودية من الطبيبة بأن تضع لولباً للخادمة، استغربت الطبيبة ذلك فكان الرد هو أن السيدة السعودية لها أولاد تخاف عليهم من "العبث" خارج البيت أو السفر، ولربما ينتقل لهم المرض جراء علاقاتهم مع فتيات، لذلك فضّلت السيدة السعودية أن تستقدم لهم خادمة "يستانسون ويّاها" في البيت وتحت عينها، فهي ترى في الخادمة "عبده" تفعل بها ما تشاء.
قضية الاغتصاب والحمل الغير مشروع بين الخادمات أيضاً انتشر بشكل كبير، وأصبح هناك عيادات "بالباطن" لعمل إجهاض لهن، إضافةً إلى استغلالهن في عمليات الدعارة مقابل مادي مغري. ليس فقط الخادمات، بل وصل الأمر إلى استغلال الأنشطة التجارية في صناعة الدعارة، مثل ما يحصل في مشاغل الخياطة النسوية وصالونات التجميل، فما على الزبون إلاّ الاتصال بالهاتف، كما في الإعلان: اتصل نصل.
تقارير حقوق الإنسان سجّلت الكثير من المعاناة التي تحدث للخادمات والأجانب عموماً من عمليات اغتصاب لهن واستغلالهن في أعمال أخرى لا علاقة لها بأعمالهن الرئيسية وتشغيلهن لساعات طويلة وإسكانهن في مساكن أقرب إلى "المزابل"، في الوقت الذي يُحرَمن من الخروج من المنـزل أو العمل بحجة "الحفاظ عليهن".
تناقض عجيب، استغلال وانتهاك لجميع قوانين الدين والدنيا، يصاحب ذلك بجاحة في الحفاظ على الخادمة ومنعها من الخروج، فهي لا ترى الشارع إلاّ في دخولها المنـزل قادمة من بلادها ومغادرتها إياه في عودتها إلى وطنها. حتى مع الاتفاق على أنّ لها راتب شهري يتم صرفه لها في آخر الشهر، فإن الكثير منهن لا يحصلن عليه كاملاً، بل أكثر من ذلك حيث يتم اقتطاع أجزاء منه قيمة الأكل وقيمة تذكرة السفر لحين العودة.
وضع أشبه ما يكون بحياة العبودية تحت شعار "الإسلام" وشعار "العادات والتقاليد والخصوصية"، ولا أحد يتحدّث عن هذه الانتهاكات؛ وما أن يظهر تقرير دولي يبين هذه الجرائم البشعة إلاّ وتخرج لنا التنديدات من كل حدبٍ وصوب، وإن هذه التقارير دافعها سياسي لتشويه "صورة المملكة" الناصعة البياض، وإن الغرب الكافر أو الصهاينة خلف تلك التقارير للإساءة لعلاقة المملكة مع دول أخرى.
حتى مع قضية نور مياتي، لولا أنّ الأمر انكشف للصحافة لتم التغطية عليه، فقضيتها ليست القضية الوحيدة ولا القضية الأولى ولن تكون الأخيرة. قضية نور مياتي هي قضية كل النساء الأجنبيات العاملات في السعودية، قضية حقوق المرأة وقضية حقوق الإنسان. قضية نور مياتي هي قضية مجتمع يعيش على الأوهام في غياب دولة القانون واستقلالية القضاء وحرية التعبير وحرية الصحافة. قضية نور مياتي هي قضية المجتمعات الغارقة في نظرية المؤامرة والتي تدّعي الطهر بينما هي تئن من كُثرِ ما فيها من فضائح وجرائم، لا تخفى إلاّ على من له نصيب في هذه الصناعة القذرة.