علاقة الرجل بالمرأة بين الانطلاق والقمع



فاضل عزيز
2013 / 4 / 24

ونحن في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، لا زلنا نبحث في قضية علاقة انسانية طبيعية لولاها ما كنا أتينا الى هذه الدنيا ولم نحسم أمرنا كشرقيين فيها، فيما في دول نامية واخرى على طريق النمو كانت حسمت بتركها للطبيعة الانسانية وتطور الانسان لتصحح ما شاب هذه العلاقة من تشويه نتيجة انغلاق المجتمعات وغياب التواصل الانساني، وسيطرة ثقافة أصولية ذكورية تعود الى القرون الوسطى على حياتنا، تتخذ من الدين أداة قمع وجَزْر لوأد أي محاولة لعصرنة هذه العلاقة ووضعها في مسارها الصحيح خدمة لمشروع التنمية والانتقال الى آفاق التقدم الذي لن يتحقق إلا بتآزر طرفي الحياة ، الرجل والمرأة..

مواقف كثيرة تصادفني في الحياة اليومية من خلال تجوالي في الشارع العام ومن خلال استعمال مركبات المواصلات الشعبية ومن خلال دخولي الى صفحات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، و حتى من خلال تعاملي اليومي مع اسرتي، مواقف أثارت في نفسي عاصفة من التساؤلات:
- متى يزال هذا الحاجز النفسي بين الرجل في بلدنا ليبيا وفي معظم بلاد الشرق، والذي يوحي بوجود خوف سرمدي متبادل بين الطرفين؟
- متى يتخلى الرجل عن مجده الطاووسي الذي يعطل ملكة التفكير لدة شريكته في الحياة
- متى يرتقي تفكيرنا الى مستوى انساني ونتخلص من عقدة الجنس التي تسيطر على مسارات التواصل بين طرفي الحياة على هذه الارض؟

اسئلة كثيرة تثيرها تلك المواقف التي ارصدها سواء عبر وسائل المواصلات العامة (الأفكو) او في الشارع العام او داخل مؤسسات العمل المختلفة.. تستحق ان نقف عندها ونحلل اسبابها ونعيد تقييم العلاقة الانسانية بين مكونات مجتمعنا..

ففي سيارة الأفيكو يستحيل على سيدة حتى ولو كانت في أرذل العمر ان تجلس الى جانب رجل او شاب، تقف منتظرة وفي الآخير تطالب أحد الجالسين بالكراسي الفردية ان يخلي لها كرسيه وينتقل الى جوار الرجل او الشاب على الكراسي الجوزية!! وأتساءل لماذا هذه العجوز ترفض الجلوس الى جانب رجل في عمر ابنها؟. ولا زلت احتفظ في ذاكرتي بموقف شاذ عن هذه القاعدة، ففي فترة احتدام الانتفاضة ضد النظام السابق، ارغمتني كغالبية البسطاء الليبيين أزمة الوقود على استعمال سيارة النقل العام، فإذا بشابة في مقتبل العمر تستأذنني بالجلوس الى جانبي رغم وجود كراسي فردية شاغرة، ارتبكت في البداية ولكنني بادرت بالترحيب بها وافسحت لها المجال للجلوس، كانت شابة محترمة اكتشفت أنها مدرسة من خلال طرف الخرطوم الذي يظهر من حقيبتها -على فكرة الخرطوم او التوبو بالليبي لا زال الأداة الرئيسية المستعملة في المؤسسات التربوية رغم تخلي العالم عن هذه الطريقة منذ اكثر من قرن- المهم ان هذه المدرسة رغم قصر المدة التي جاورتني فيها أثارت معي حوارا قصيرا بلغة واثقة عن مستقبل البلد وعن ما إذا كان النظام سينهار قريبا، أجبت باحترام وودعتني مغادرة إذ أنها نزلت قبلي وتركت في رأسي عاصفة من الاسئلة حول هذا الخرق الجريء والمفاجئ لقواعد الاتصال التقليدية بين الطرفين..

في مؤسسات العمل تقيم الفتيات والسيدات ممالك أنثوية مغلقة داخل الإدارات، يُحرَّم على الذكور ارتيادها، إلا من امتلك جرأة تصل الى حد البقاحة، وهذا الأخير عادة ما يعيث فسادا في تلك المملكة بعد أن تنهار أمام إصراره اسوارها البالية.. بل لا تستغرب ان يكون الطرفان (الرجال والنساء) في هذه المؤسسات لا يعرفون عن بعضهم إلا النزر اليسير من المعلومات المغلوطة في كثير من الاحيان ، ما يعرقل الشغل ويضع المواطن في دوامة سببها خوف وهمي يسيطر على الطرفين وغياب التعامل المرن بين النساء والرجال في تلك المؤسسات .

يحضر الى ذاكرتي كلما تأملت هذا الشذوذ في العلاقة بين طرفي الحياة، تساؤل للمخرج العالمي المصري الكبير المرحوم يوسف شاهين في إحدى المقابلات على شبكة فضائية، التساؤل حول غياب اي نوع من الحوار بين الناس بصفة عامة في وسائل المواصلات العامة وفي المقاهي وفي الشارع، ويقول تقريبا "اسافر من الاسكندرية مثلا الى القاهرة بالقطار طول المسافة يسود صمت سرمدي بيني وبين جاري في المقعد، أحاول فتح حوار معهه تكون الاجابات مقتضبة ونادرا ما تصادف انسان منطلق لا يحمل اي عقد يجاريك في الحوار ويشعرك بأنك تجلس الى جانب إنسان طبيعي.. لماذا هذا التوجس رغم ان الحوار لن يكلف شيء"

عود الى موضوعنا، فعلى الشبكة العنكبوتية نصادف يوميا حوارات من مختلف المستويات بين شباب وشابات يشارك فيها في بعض الاوقات كهول متخندقين خلق صورة لشاب وسيم، يطلق فيها العنان للطرفين ويخوضون في مواضيع تتراوح بين القضايا الجادة وقضايا تتعلق بالعقد التي تسيطر على الطرفين والتي يختزلها هؤلاء في غريزة الجنس، ويمكنك ان تلاحظ بتعجب انفلاتا غير محسوب في الحوارات داخل غرف الشات، قضايا ما كان الطرفين ان يخوضوا فيها لو كانت مباشرة، وهذا واقع يشي بوجود حالة مرضية لدينا في فهمنا لهذه الغريزة الانسانية التي تقمع وبشدة وتجرم في العلن، وتمارس في الخفاء باستهتار..

إزاء هذا الرصد البسيط لتمظهرات العلاقة المشوهة بين الرجل والمرأة في مجتمعاتنا الشرقية، لابد أن تدخل مؤسساتنا التربوية ومنظمات المجتمع المدني على الخط وتعمل على تذويب الجليد الذي يغلف خطوط التواصل وتضع استراتيجية لإعادة بناء هذه العلاقة على اسس سليمة تزيل كل التابوهات القديمة التي لا زالت تحكم العلاقة بين طرفي الحياة.. بل لابد من غرس قاعدة للحوار الحر بين كل أفراد المجتمع في المقاهي في وسائل النقل في مؤسسات العمل في الشارع وإفهام الناس أن الحوار ضروري وأن الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية ، بل هو ضروري لإغناء الحياة، وكما يقول المثل الشعبي "رأيين خير من رأي واحد" .