تأملات بصدد المرأة



اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2013 / 5 / 5

تأملات بصدد المرأة

اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني /مالك ابو عليا

ان الشيوعيين يناضلون على اصعدة كثيرة في مجال حقوق المرأة، فهناك البرجوازيون و الأحزاب السياسية التي تمثل البرجوازية الصغيرة و كهنوت الدين الذين يرون في اضطهاد المرأة (تكريما) لها تفرضه ضرورات تقسيم الأدوار ما بين جنسين مختلفين طبيعيًا من حيث القدرات والإمكانيات العقلية و هذا جزء من (طبيعة الحياة) و(التكامل),أما على الصعيد الاخر، والأكثر خطورة فهو صعيد جبهة انصار تحرر المرأة، حيث نرى تيار برجوازي إصلاحي يهدف فقط إلى إحداث بعض الإصلاحات (الجزئية) في أحوال النساء دون المساس بهيكل النظام الاجتماعي الاقتصادي القائم, ويمكننا ايضا أن نجد تيارً اشتراكيً نسويً يقبل (ببعض) الطروح الماركسية حول الارتباط السببي بين اضطهاد المرأة وضرورات الاستغلال الطبقي، ولكنه يزعم بأن هناك استقلال ما بين نضال النساء من أجل تحررهم ونضال الطبقة العاملة من أجل تحررها ويفصلون جهتي النضال, و هناك ايضا جزء من الحركة النسوية، يقدم طرح مختلف ويتبنى في تفسيره لقضية اضطهاد المرأة (المجتمع البطريركي) والتي ترى أن النظام ألبطريركي (الأبوي) السائد وهو سيطرة الرجال واضطهادهن للنساء هو (السبب الأساسي) و (المحدد) في وضع المرأة هذا, ومن وجهة النظر هذه فإن نظام السيطرة الذكورية يستلزم (حركة جيمع النساء) ضد (جميع الرجال) للنضال من أجل تحرر المرأة ، وهذا يعني، أن مصدر اضطهاد المرأة هو اختلافها البيولوجي عن الرجل، وبالتالي فإن المنطق الطبيعي لمثل هذا الموقف ، هو ان يصبح الصراع منفصل في ظل الرأسمالية,فالنساء في هذه الحالة منقسمات لطبقات مختلفة كالرجال تماماً, و هي تطمس الصراع الطبقي الحقيقي الدائر على الأرض و الصراع السياسي بين القوى اليمينية الرجعية التي تحاول ترسيخ هذا النظام و القوى التقدمية التي تناضل ضده.
ان جوهر هذه النظرية بالذات يجعلها عاجزة أمام وضع إستراتيجية صحيحة للتخلص من اضطهاد المرأة.
يجدر بالذكر الى ان هذه النظرية تخالف الماركسية اللينينية في وجهة نظرنا بصدد هذا الموضوع، فنحن نرى أن مصالح وحاجات الرأسمالية و طبيعة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية المنقسمة الى طبقات هي التي خلقت الأساس الموضوعي للاضطهاد، ولهذا فإن التناقص الطبقي وليس (الجنسي) هو التناقض الرئيسي و النضال من اجل تحرر المرأة مرتبط بالصراع الطبقي مبني على التحليل الدياليكتيكي للتاريخ و الشروط الاجتماعية الاقتصادية التي ادت الى مثل هذا الوضع.
ان الشيوعيين فيرون أن اضطهاد المرأة نشأ في مرحلة بعينها من تطور المجتمعات البشرية.
ان مصدر اضطهاد المرأة يكمن في وضعها في إطار الأسرة والدور الذي تلعبه الأسرة في المجتمع الطبقي عموما وفي المجتمع الرأسمالي على وجه الخصوص, فوضع المرأة داخل الأسرة ليس كما يدعى منظرو البرجوازية وكهنوت الدين وضع (طبيعي) و(أبدي)، وقد أوضح ماركس وإنجلز أنه نتاج ظهور المجتمع الطبقي وبالتالي يمكن تغييره وأنه في مجتمعات المشاعية البدائية لم يكن هناك اضطهاد للمرأة,و تلعب العائلة في المجتمع المنقسم الى طبقات دورها كمؤسسة لإعادة إنتاج قيم المجتمع القائم وتقاليده من خلال تربية الجيل, حتى يكون هناك جيل جديد من العمال تربى على قبول الأفكار والقيم السائدة في المجتمع البرجوازي.
ان العائلة في المجتمع البرجوازي خلقت انقسام داخل الطبقة العاملة و كان انعزال النساء في بيوتهن قد قلل من قدرتهن على النضال والاحتكاك بالعمل الاجتماعي التقدمي مما جعلهن عرضة للأفكار الرجعية, و ليس غريبا ان يستشعر القاريء ذلك من بين من يعرفهم شخصيا.
ان الشيوعيين يحللون موضوع اضطهاد المرأة تاريخيا , و ينطلقون من المادية التاريخية في تفسيرهم لمجمل سير الأحداث التاريخية, و تحليلهم للظروف الاقتصادية و الاجتماعية التي ادت الى اضطهاد المرأة
يرى أنجلز ان اضطهاد المرأة قد ظهر عند نقطة محددة في التاريخ، وهي تلك التي بدأ فيها المجتمع في الانقسام لطبقات، فالمرأة مضطهدة في كل المجتمعات الطبقية ، ويرجع ذلك إلى أن نكون الطبقات ارتبط بتطور قوى الإنتاج والتي مكنت الإنسان من إنتاج فائض عن احتياجه الأساسي، وهذا الفائض لم يكن ليكفي كل الناس, و لكن استأثر به مجموعة من الناس كانت تحكمهم مكانة اجتماعية معينة حددتها علاقاتهم السابقة.
في المجتمعات البدائية الأولى كان الاقتصاد يقوم على صيد الحيوانات وجمع الثمار و كانت النساء تشارك في هذه الأعمال,في ظل تقسيم عمل كهذا , اي تقسيم عمل افترضته علاقات انتاج من هذا الشكل و المضمون, كانت المرأة تسيطر على جزء حيوي من الناتج, الثمار و الصيد المستحصل, اي كانت تشارك بجزئها العادل, ولذلك، وبسبب دورها الحيوي في عملية الانتاج، كان للمرأة دور فعال في اتخاذ كل القرارات الأساسية للجماعة البشرية المعنية.
وحتى في بواكير المجتمعات الزراعية, وجد الأنثروبولوجيون,أنه في حالات عديدة كانت المرأة تتمتع بمساواة مع الرجل. وهذا لأنه في المراحل الأولى لتطور الاقتصاد القائم على الزراعة، وقبل أن تصبح الزراعة مستقرة ومعتمدة على أدوات إنتاج متطورة نسبيا, وقبل أن يصبح الفائض منها كبير، كان للمرأة دور كبير في العملية الإنتاجية.
المجتمعات الطبقية الأولى كانت مجتمعات زراعية مستقرة, هذه المجتمعات، احتاجت لكي تنشأ وتزدهر إلى تطور في أدوات الإنتاج الزراعية, ومع النجاح الحادث في مجال تطوير قوى الإنتاج كانت عملية الإنتاج تخضع لسيطرة الذكور بشكل اكبر و تدريجي معقد، وذلك لسببين رئيسيين (مع وجود اسباب اخرى ايضا) : أولهما أن أدوات الإنتاج المطورة نسبيا, كانت تحتاج لقوة عضلية أكثر، والثانية:أنه مع كل تطور في الإنتاج وفي درجة الاستقرار كانت قدرة المجتمع على استيعاب عدد أكبر من الأطفال وحاجته إليهم – كعاملين إضافيين في اقتصاد متوسع – تزيد. وهكذا كلما كانت تزيد النجاحات في تطوير قوى الإنتاج، كلما كانت المرأة توظف أكثر في دور إنتاج أجيال جديدة، وكلما كانت تنهك في أداء هذا الدور كلما أصبحت قدراتها، من حيث الوقت والطاقة البدنية على الانخراط في العملية الإنتاجية أقل, والنتيجة أنه بمرور الوقت أصبح الذكور مسيطرين على العملية الإنتاجية وعلى الفائض..
وفي كل المجتمعات الطبقية السابقة على الرأسمالية ظلت سيطرة الرجال على النساء وإخضاعهم لهن تتوطد. إذ ظلت المرأة مهشمة في العملية الإنتاجية ودورها محصور في إعادة الإنتاج (إنجاب الأطفال وتربيتهم). ومع نشوء الرأسمالية خضعت أوضاع المرأة لتبدل عنيف فبرزت قوانين تدعي بحمايتها و تقول بمساواتها مع الرجل، ولكن هذا لم يمس جوهر اضطهاد المرأة.. بل دعمه وحافظ عليه و سترت عورته شكلية القوانين. ان جوهر النظام الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي يعزز اضطهاد المرأة وهي أيضًا بموازاة ذلك تخلق الشروط الضرورية لتحررها الكامل في سياق تحطيم علاقات الإنتاج الرأسمالية,و بالرغم من كل فظائع الرأسمالية في مجال عمل النساء، الا ان حقيقة - دخول المرأة إلى العمل خارج المنزل، وانخراطها إلى جنب مع العامل الرجل، في النضالات – العفوية أو المنظمة – ضد سلطة رأس المال- قد بذر البذرة الأولى لانعتاق المرأة ولتضامنها مع رفاقها الرجال في النضال ضد الاستغلال, و هذه البذرة تعطي مقياس لما قد ولده تطور القوى المنتجة في النظام الرأسمالية, مقياس لما يمكن تحقيقه من نضالات و اجازات خلال هذا التطور.
إن النضال من أجل تغيير العالم يؤدي إلى تغيير الأفكار والثوابت لا على مستوى الأفراد فحسب و لكن على المستوى الجمعي. فنضال العمال والفئات المضطهدة جنبا إلى جنب يحملهم إلى قبول لأفكار حول الحرية وتحرر المرأة والاشتراكية معادية لتلك الأفكار السائدة والمسيطرة في المجتمع.
يكمن اعلى مثال لهذا النضال في ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا، فقد استطاعت ثورة العمال والعاملات الروس تحقيق تطورات غير مسبوقة للمرأة بصدور عدد من الإجراءات القانونية المباشرة. وتشمل هذه الإجراءات الحق في أجر متساوي وفرص عمل متساوية وإلغاء أي أثر لعدم المساواة القانونية بين الرجال والنساء وتجريم كل أشكال التمييز ضد المرأة, و تطبيق ذلك في الحياة العملية و تجاوز الشكليات القانونية.
وكذلك عملت الدولة العمالية السوفييتية على تحويل عمل المنزل ورعاية الأطفال بشكل فعال إلى عمل اجتماعي, اي نقل تربية الأطفال من (مسؤولية الاسرة) الى مسؤولية المجتمع ككل. ومعنى ذلك خلق شبكة من المطاعم العامة وتوفير المغاسل العامة وخدمات تنظيف المنازل، والعمل توفير رعاية جيدة ودور حضانة للأطفال.
هذه الإجراءات تعطينا المثل لكيفية التغيير في ظل الثورة الاشتراكية, وكذلك سيسهم عدد كبير من التغييرات الاجتماعية الأخرى في عملية تحرير المرأة ، مثل تغيير مناهج التعليم واستخدام وسائل الإعلام كقوة ضد التمييز و انشاء الاسس المادية و المقدمات التي تؤدي الى تحرير المرأة.

المصادر:
-اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة (فريدريك انجلز)
-لغز الادراك (ديميتري غوريف)
-دور المرأة في التقدم الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي (وفيقة حمدي الشاعر)
-اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني