الرقص خمرة المرأة ونشوتها !!



ليندا كبرييل
2013 / 5 / 6

{ المقال من حلقتَيْن ، أنشرهما يوم ذكرى الشهداء الأحرار الذين أعدِموا على يد السلطات العثمانية في السادس من أيار ، وأنا أعتبر المرأة أيضاً شهيدة أعدِمتْ على يد رعاة الفكر الذكوري البدوي المتخلف ، كما يصادف نشره مع عيد القيامة ، فأرجو قيامة مجيدة للمرأة العربية . }
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هه .. ما هذا !؟
بوجه ناطق بالإنكار ، صاحتْ صديقتي سهير وهي تقلّبني مشيرة بسبابة مستهجنة إلى مظهري وأنا أدخل غرفتها ثم زعقتْ :
- لون مفضوح وفستان مكشوف .. وأظافر ملونة أيضاً ؟؟ أرجو ألا تكوني نسيتِ بدلة الرقص !
اتجهتْ إلى خزانتها وهي تتابع : كأننا ذاهبتان إلى مرقص لا إلى عرس إسلامي .
أجبتُ بنفس الاستهجان وأنا أعدل شعري أمام مرآتها :
- أقلّ من هذا ؟ نحن ذاهبتان إلى عرس لا إلى سوق الخضرة !
رمتني بعين الامتعاض وهي ترمي بشال قائلة : غطّي فضيحتكِ ، غطّيها .. قطْعاً لأطماع الذكور .
ودفعتْه لي مع جوز جرابات سميكة ثم تابعتْ لفّ حجاب من ثلاث طبقات بألوان مختلفة جذابة فبدا وجهها الجميل كلَوحة فنية محاطة بإطار بديع زادها فتنة !!
تعيّرني بفستاني والحجاب فضائح ، ما لصادق في وطنه ملائح .
قلت لها باحتجاج المستسلِم وأنا أدفن ساقي في الجورب :
- لماذا تحمّليني مسؤولية ضبط قلب الحرامي ؟ ألا يمكن لخياله أن يذهب به إلى حيث ما لا عين رأتْ وهو ينظر إلى الساقين ولو كانتا في جراب سميك أو رأس مغطّى بالحجاب !؟
لا عهد لي بالأعراس الإسلامية التي بدأت تنتشر خصوصاً في الأحياء الشعبية . ومنذ أن توثقت علاقات صديقتنا " فاديا " بداعيات إلى الدين وبيتها الكبير أصبح محجة للمعارف من السيدات ، واشتهرتْ بصالون الأربعاء كان لي نصيب حضوره مرة واحدة ، حيث لاحظتُ كيف تتبارى ( العنعناتيّات ) في إظهار مقدرتهنّ على حفظ أسماء رواة الأحاديث ، فتنزل السماء بكل أنبيائها لحلّ قضايا الأرض بينما المستمعات يتناولْن بأفواههن الرشيقة الفطائر مع الشاي .
وكانت دعوة فاديا لنا - نحن صديقات العمر المدرسيّ - لحضور عرس حفيدتها ، ترسيخاً للصلات ومدّاً لجسور الحوار مع جمعيتها ( الأربعائية ) .
والحق أنها خسارة للغائبة عن العرس ، فنحن متشوقات لمعاينة الظاهرة الدونجوانية المتمثلة في هيام ابنة السبعة عشر عاماً بحبّ روميو خليجي في ربيعٍ من عمره المثقل بالعيار الستّيني !
كذلك هي إحدى المناسبات المنتظَرة التي يتحمّل فيها المدعوون قرصات الجوع استعداداً للتفاني في ولائم الأفراح والمآتم ، لا سيما أنه سُمِع .. أن الدونجوان فاحش الثراء - العريس - قد أوصى على مأكولات من فرنسا وإيطاليا .
ولمَ الكذب ؟ أنا أيضاً أترقّب مع الطامعين والطامعات وليمة العاشقيْن لأغوص معهم في مأكولات الجنّة التي نقرأ عنها في أخبار أهل الخليج .
متجهتان إلى مكان العرس .. تقودني سهير الخبيرة بمداخل الأزقّة بحكم إدارتها مدرسة في تلك المنطقة .
- وصلتْ الصديقات يا ترى ؟ سألتْني .
تلقّف وعيي شحنة من ذكريات الرفقة الدافئة التي بدأت منذ مرحلة الدراسة الإعدادية عندما كنا عضوات في الفريق الرياضي لألعاب القوى والسباحة . وكانت فاديا - جدّة عروستنا اليوم - بطلة منتخبات المدارس في الجري ، ثم فارقتنا مبكراً جداً عندما تزوجتْ دون أن تنقطع الصداقة التي شدّتْ أواصرها الفترة الجامعية . انبسط تاريخي أمام ذاكرتي وأنا أرافق سهير في طريقنا إلى المبنى الخاص الملحق بمركز الدعوة المقام خصيصاً للأفراح على الطريقة الإسلامية .
لكن المشهد العام في الطريق انتزعني من الماضي .
إنها مدينتي ، أسمع بهذا الحي ولا أعرفه . قلما نجد فيه امرأة سافرة . كنتُ كالغريبة في سفوري تطالعني النظرات بفضول .
النساء هنا متّشحات بالألوان القاتمة ، يندثر الوجه تماماً تحت منديل أسود شفاف أو في حال آخر يختفي تحت برقع والعينان مكشوفتان عند البعض أو مغطاتان بالنظارة السوداء عند البعض الآخر .
مجتمع جوّه مخابراتي نظاراتي بامتياز !
فإما مباحث أمن تقف عند كل زاوية في الطريق تتفحّص البشر من خلف النظارات الفاحمة ، أو وجوه في مأتم قامت النظارات مقام البوتوكس الذي يخفي تعابيرها ، أو حجاب مزيّن بالإكسسوارات من عند الحشوة الطرية في قمة الرأس ليبدو ناهضاً وفوقها ينسدل غطاء الحجاب المزركش بطريقة فنية على الكتفين والصدر فتبدو المرأة كشجرة عيد الميلاد أو كثريا .. ملحق بهذا الحجاب ضوءان أسودان على العينين كالفنانات لزيادة الإثارة ، أقصد الإنارة ، أو قلْ إن شئتَ الإدارة : تنوير العيون المبصبِصة وتدوير العقول المفصفِصة .
حرّموا الرسوم واللوحات لصالح هذه اللوحة الناطقة بالفنّ والفتنة .
أمر الله في كتابه العزيز بالحجاب ، فهل ذكر أيضاً الإكسسوارات ؟ والجينز الضيق ؟ والماكياج السينمائي ؟
عاريات .. لكنهنّ كاسيات !
ألا ينتفض الله وأعوانه على الأرض لهذه الفتنة ؟ أم أن كل هذا يصبح حلالاً لمجرد وضع الحجاب ؟
وطالما حيّرني لباس المبرقعة ، إذ تبدو كالمقنّعة ، لا هي محجّبة ولا هي منقّبة . هل المشكلة في مراد الله غير المفهوم أم أن في العفة والشرف أيضاً طبقية وتمييزاً ؟؟
أدهشني تنوّع المناخ الأنثوي في الطريق من المنطقة التي يقع فيها بيتي إلى حيث أنا الآن متواجدة .
ففي منطقة سكني كان ألَق وجوه النساء وسفورها كالشمس .. يتحدّى ظلمة الكون وبالوعاته ، وكلما دُرنا مع الأرض في الطرقات إلى مكان الفرح واقتربنا من العنوان ، بدا الشفق وأحمره الممتلئ بلون الحياة أخذ ينزوي على وجوه الحريم ، حتى إذا بدأت ( الشمس ) بالانزلاق واختفى نصفها تحت ( حجاب ) الأفق القاتم تلاشى الأحمر رويداً رويداً واكتسب لون الرماد توطئة لهبوط ( الليل ) ، فإذا وصلتَ إلى العنوان كان الغسق ثم .. الظلام التاااام . الحرام .
نقاب يغطي الحياة على الوجه بأكمله فيفطسه أو يغطسه في بحر الظلمات .
كلما كبرتْ بنت في بلدي زادت شواهد القبور السوداء واحدة !
دخلنا قاعة رحبة في مركز الدعوة . كل ما فيها فضي اللون ، الستائر ، الأرائك ، التحف ، الآيات الدينية ، حتى السجاد يغلب عليه اللون الفضي .
وكانت الصديقات العزيزات قد وصلْن قبلنا فاستقبلْننا بالأحضان .
إنهن ذكرياتي منذ أن كنت في الثانية عشرة من عمري .
تغريد ، إقبال ، إلهام ، سهير ، فاديا ، ابتهال ، راوية ، واليهودية مليكة .
وظللنا لعهد الصداقة مخلصات ، منذ أن ودّعنا فاديا في المدرسة عندما سيقتْ إلى الأسْر الزوجي وهي في الرابعة عشرة . اهتزّ وجداننا بعنف لفراقها ، ولم نستطع استيعاب خطوتها في هذا العمر المبكر جداً ، وشعرتُ بنفور نحو فكرة الزواج عندما يئستُ من إقناعها بالتمرّد عليه .
الغريمة التي أصبحت صديقة حميمة ، افتقدتُها كثيراً ذلك اليوم وملك قلبي أسى كبير .
كان عالمنا صغيراً نتصوّر حدوده تنتهي عند هؤلاء الصديقات فحسب .. فتسيطر على قلوبنا الغضة مشاعر تهيّء لنا أن فقدان الصديق كارثة عاطفية . وما أن توزعنا في الجامعة حتى بدأت إرهاصات جديدة تمتصّنا شيئاً فشيئاً لنأخذ وجهات أخرى في الحياة ، خشينا أن تكون عامل فرقة بيننا .
فعلاوة على الاختلافات الدينية بين الصديقات التسع ، هناك ابتهال الجريئة التي نادت بالماركسية منذ المرحلة الثانوية ، وكانت تهزأ من عقولنا المسطحة كما تردد أحياناً . تقترب في سلوكها لا فكرها من تغريد وراوية اللتين تمرّدتا مبكراً على النفاق الاجتماعي المتبدّي في المظاهر الدينية ، ورفضتا الانسياق خلف تحكّم المسبقات العقائدية . كنّ الثلاث رأس الحربة .. ينافسهن على خط الهجوم إقبال المتشددة المنحدرة من بيوتات الإخوان المسلمين ، كانت متصادمة مع المجتمع كله ، حتى مع الله .. إلهنا كلنا لا إلهها . في حين مثّلتْ سهير وفاديا خط الوسط والمراوحة بين التيارين . أما أنا وإلهام .. فيا ويلنا إذا تكلمنا طلع علينا القطب المتصادم مع الأيديولوجيات الدينية بشرائحه الثلاث ، وإذا سكتنا كسحنا القطب الإخواني بأطيافه الثلاثة ، تلمّسنا المشتركات واعتبرنا الاختلافات ثراءً لنا . وأما مليكة اليهودية التي ترأست الفريق بعد زواج فاديا لبراعتها في ألعاب القوى ، فكانت تستمع إلى مناقشاتنا صامتة ، في زمن منتفخ بالادعاءات الأيديولوجية القومية ، متورّم بأوهام إلقاء العدو في البحر . تبرم رأسها كرقاص الساعة مبلوعة اللسان كأنها في مباراة تنس .. وقد يندّ عنها احتجاج أو تأييد لموضوع ما فتكون مشاركتها الكبرى !
ما زال أمامنا ساعة من الزمن لبدء مراسم التهنئة .
جال نظري في أنحاء صالون فخم غابتْ عنه مظاهر الأعراس المعروفة . فقلت مستغربة :
- هل كثر على العريس أن يزيّن القاعة بباقة ورد ؟
ردّتْ إقبال بصوت رزين :
- سأجيبكِ نيابة عن فاديا المشغولة الآن بالعروس . نحن جئنا للتهنئة فقط . هذا عرس إسلامي ، لا رقص لا غناء لا ورود فيه .
والأكل ؟؟
ثم بطريقة قاطعة رادعة دون أن تتخلّى عن جديتها :
- هذه عادات مستوردة ليست من ثقافتنا . ليس كأعراس اليوم مفسدة لأخلاق المسلم . الأفراح على الطريقة الحديثة منكر وتقليد أعمى للغرب وجاهل أيضاً .
إلا الأكل .. يا إقباااال !
ما أكثر ما دارينا حواراتنا باللباقة . إلا أني الآن اندفعتُ بقولي :
- ليس لدى أي دين الحق في إدخال الأخلاق تحت وصايته .
رددتُ عيني بين الصديقات كأني أطلب تأييد رأيي - خشية أن تمتد وصاية الدين إلى طاولة الطعام أيضاً - وتابعتُ :
- وماذا عن الأفراح التي تمّتْ حتى اليوم ، أكانت وثنية ؟ عرس ابن فاديا البكر نتذكره ، كان ممتعاً جداً وتخلله ما تدّعي إقبال الآن أنه منكر .
قالت إلهام :
- أنتِ بعيدة عن أحوال مجتمعنا في السنوات الأخيرة .
القصة يا عزيزتي أن شاباً صغيراً عاطلاً عن العمل ، كان جدّ جدّه مؤذناً في هذا المسجد ، ولما وجد رزقه تحت هذه البلاطة ، وضع عمامة على رأسه ولبس الجبة والقفطان ومسك مسبحة وقال : اعتبروني إمام المسجد .. أو اسمعوا .. أنا المفتي بحاله . أيها الشعب .. العودة إلى تقاليدنا الأصيلة فرض وواجب .. فما أن يسمع بفرح ما حتى يسارع إلى بيت أصحابه ليكبسهم محاضرة عن عاداتنا العريقة ، ولِيغتاب ناكرُ الجميل الشيطانَ الذي نقله من خانة الشحادين إلى مصاف الوجهاء ساكني القصور خلال سنتين ، فتشتدّ قسماته في حضور الله وتجحظ عيناه وهو يطعن بإبليس المتصيّد الخير ، الحائم حول الهمم السعيدة ، المتربّص بنا أبداً دون غيرنا ! ولما يجد أنه أحكم الحصار حول العقول التي يرهبها القدر الأسود ، تتراخى عيناه ويترقق صوته وهو يذكّر بفرقة الإنشاد الديني التابعة لمسجده ، المقيمة للأفراح حسب الأصول بذكر الله ونعمه .
وهاتي عقلك ِ .. منْ سيرفض بعد حديث الشياطين هذا العرض المغري ؟
أضافت راوية :
- الخطوة واجهت معارضة و...
قاطعتها إقبال : في بداياتها . اليوم ، الكل يعلم أن العادات التي انتشرت حتى الآن ، دخيلة منبوذة تقضي على خصوصيتنا الثقافية ، والعودة إلى الأصول في أفراحنا انتشر بين العائلات التي تلتمس طريق الله الحق ، غفر الله للجاهلين .
فردّتْ راوية بانفعال :
- أهلاً بالمصالح ، ما أوسع باب المغفرة !
أجابت إقبال بهدوء :
- هل ترضيكِ التجاوزات الأخلاقية كإغراءات المطربات في الحفلات الماجنة وخلاعة الجمهور السكران فوق الطاولات ؟ هذا لا يتناسب مع الخلق والآداب الدينية كما يصرف الإنسان عن ذكر ربه .
- هاها .. وهل رقص المحجبات في الحفلات بين مقاعد الجمهور احتشام وخلق ؟
{ المحرّمات ثروة العرب الأولى ! }
سمعنا صوتاً يستأذن أن نفسح مجالاً لجلوس سيدة ، فإذ بإقبال تنتتر من مقعدها مبتهجة فاتحة يديها استعداداً لعناق السيدة ، وساد هرج ومرج عندما هبّت بعض الحاضرات أيضاً للاحتفاء بقدومها .
همست سهير في أذني أنها الحاجة ( أم بلال ) ، التي استشهد ولدها الوحيد في أفغانستان ، وهي عالمة بالفقه لكنها بالأساس درست الفنون الجميلة ثم انقلبتْ عليها إلى كلية الشريعة .
اتسعتْ حلقتنا بانضمام معارف السيدة .
وكانت راوية ما زالت تتابع نقاشها مع الصديقات وكأن حضور السيدة أم بلال واهتمام الجالسات بها لا يستدعي التوقف ، ولم تشأ وقد ركبها عفريت المنطق أن تفوّت ملاحظة إقبال الأخيرة ببساطة ، فكأنما أرادت بوجود السيدة أن تعلن رفضها لذلك التفسير الملتوي ، فنظرتْ إلى إقبال وسألتها :
- رقصْنا كثيراً في رحلاتنا ورآنا الجميع ، أما الجمباز وهو رياضة جمالية كالرقص ، فأنت بالذات تفوّقتِ حتى المرحلة الجامعية فيه ، وكنتِ مثيرة وتستقطبين هتاف الجمهور ، فهل انصرفت عن ذكر الله آنذاك ؟
أضافت تغريد :
- بل اسأليها كيف لم يستشرفها الله ويهمس في أذنها حينذاك أن ما تقوم به خلاعة ويتعارض مع الآداب الإسلامية ؟ حتى حجابكِ تغيّر ، فهل الهداية لها مواسم ؟
كانت إقبال قد أُصيبتْ بإحباط شديد خلال عملها معيدة في الجامعة بعد أن تركها حبيبها بحجة أنها غير منضبطة ، ومن وقتها تغيّر حجابها إلى ما يشبه النقاب . وبدا أنها أرادت إنهاء النقاش ونحن في مناسبة فرح ، فهزّت رأسها إشفاقاً من أفكارنا ولوّحت بكفها تعلن توقفها عن الحوار .
لكن سهير القلقة على ابنتها العزباء والطامعة في ابن إقبال الذي عاد بشهادة كبيرة في الهندسة من أميركا ، وجدتْها مناسَبة ، فشدّت الحبل وأرختْ لهجتها المتملقة وقالت :
- عندما تقتنع المرأة أن ما تقوم به يسبّب الفتنة عليها سدّ ذرائع الفساد والابتذال ، وهذا ما فعلته إقبال .
فسألتها تغريد :
- وكيف السبيل إلى قناعة واحدة تشمل المسلمين قاطبة وفي كل مكان وزمان ؟
إننا مختلفون على الثوابت ، ومشتّتون حتى بين الفرقة الواحدة فكيف بعشرات المذاهب !؟
- العودة إلى منبع الدين ، وسينال كل جزاءه حسب نيّاته .
- ولماذا لا تتعلمين من إقبال الفعل الصحيح ؟
فجاء جواب سهير سريعاً : أنتنّ تعرفن رأيي . النقاب أمر مختلف عليه ، ويكفي أني ملتزمة بالزيّ المعروف .
فردّت إلهام :
- كما أنتِ رفضت النقاب المختلَف عليه لعدم وجود دليل شرعي قطعي ، كذلك راوية وتغريد لم تفعلا إلا ما فعلتِه ، فرفضتا الحجاب المختلَف عليه أيضاً لحجج وجيهة بعدم شرعيته .
ضحكتْ مليكة وقالت :
- تُرى لماذا لم يحجّب الله أمنا حواء أو ينقّبها فظهرت عارية أمام الشيطان والملائكة ؟ هل شعر آدم بالغيرة ؟
لكن الأماني الموسوِسة في قلب سهير ما فتئتْ مهسهِسة .. فقرأتُ المعنى الذي تريده وهي تعيد الحديث إلى سكّته قبل أن ينحرف ، فدقّتْ الحديد وهو ما زال حامياً وقالت :
- ابنتي في سن الزواج وهي جميلة ومتعلمة ومرغوبة هي وأختها الأصغر ، والخطاب المتكاثرون عليهما من أول شروطهم أن تكون البنت ملتزمة ، فوجدتُ أن الاعتدال هو الأحسن ، فلا نقاب حتى لا يظنوا فينا التعصّب ولا سفور حتى لا يتبادر .... وتوقفتْ كالمرتبكة ترمش عيناها ..
فقالت إلهام :
- ما بكِ ؟ قوليها : حتى لا يتبادر الفلتان للأذهان . سمعناها منكِ مرة .
{ هل الحجاب في مفهوم المنتفعين رخصة ليمرّروا صفقاتهم ؟ منطق انتهازي ! }
فضحكت سهير حرجاً وقالت :
- ليس بالبعيد مع ازدياد الحريات في الغرب أن تفقد المرأة العربية الضابط الأخلاقي الذي يميّزها عن الغربية ، ألا تلاحظين ولع شبابنا بالتقاليع الغربية ؟ هذا سيؤدي إلى انهيار دعائم ومقوّمات أمّتنا .
- أوتظنّين أنكم لم تتأثروا بعد ؟ إما أنكم كاذبون تتظاهرون بشيء وفي قلوبكم شيء آخر لكسْب الدارَيْن ، أو أن الدين هشُّ المكسرِ أمام التقاليع الجديدة !
- هويّتنا حصننا .
ابتسمتُ بأسف ، في اللحظة التي التقت عيناي بعينيّ الست أم بلال لتبسمرني بنظرة حادة خرقتْ حائط تفكيري ، وكأنها أدركت ما دار بخلدي !
هل الشهادة تلهم الأمهات الثكالى تكلّف هذه النظرات الثاقبة ؟
قسمات قاسية ، خالية من الرقة ، تنضح بالصلابة تعابيرها التي تحصّنتْ بالجلد والصبر على المكروه .
- أخواتي .. بعد إذن الجميع .

يتبع

المقال القادم بعنوان : الرقص خمرة المرأة ونشوتها !! ( 2 )