لماذا لا يُحاكموا؟؟



سونيا ابراهيم
2013 / 5 / 23


كلما أردتُ الشعور بالتحسن ازداد الأمر سوءاً و هاجمني الاستياء من جديد، كنتُ في أحيان كثيرة إلى جوارها، لا أدري ما جرى لي، و لا أشعر بأي شئ حولي يحيطني بالأمان.. كيف استطاعتْ أن تُنسيني، بل تُفقدني من كنتُه أنا، و ماذا ارتكبوا بحقي؟ كيف استطاعت أن تخلق من الطفلة شيطاناً من الكوابيس لا يعرف أي شئ عن الحقيقة.. كيف استطاعت أن تجعل نفسها لا تشعر بالراحة إلا و أنا أنام و الآلام تسبب لي الاختناق؟ كيف استطاعت أن تنظري إليّ و إلى ما فعلته بي بعدها؟ كيف تتهمونني باللامبالاة؟ أنتم تخافون من الاعتراف بأن أكثر شئ مؤلم هو ما يختبئ بداخل أعماقي- في هذه اللامبالاة.. نمتُ مرة أو اثنتين عند قدميها و أنا أتجاهل ما تغافلتْ عنه منذ طفولتي.. و لم تتحسن الأمور.. ظليثُ أشعر بالارتياب، و النوم يذبح عينيّ و الكوابيس و الارتياب يمنعاني من السقوط و الراحة.. الشعور بالثغرة التي لوثتْ كل أحاسيسي بالطمأنينة، و حولتْها إلى شؤم في طفولتي المبكرة. هل يمر يوم دون أن تعلق دمعة في جفني.. المصيبة أن الدموع في الجفون قد يريحني سقوطها، و لكن أعماقي غارقة.. و حلقي جاف كلما تذكرتُ.. شعرتُ بالفراغ أكثر.. يعود و يمتلأ من جديد بلا توقف.. تريحني قليلاً، و لكني كلما تذكرتُ ظل يعود.. هذا الاختناق مثل الكابوس.. ما همّه و همي؟ الشعور بالنسيان هو حلم، و لكن اللاميالاة مرض يلحق بي دون أن أقدر على الاستيقاظ من أوجاعي.. هذا الألم المتجدد بداخلي، الذي يحيه وجودها في نفس المكان، في صوتها، في كل طريقة مسيئة عاملتني بها، بسماعي لدعواتها عليّ بالموت، و بشعورها المتكرر بالإمتنان كلما تعرضت لمصيبة، و بقسوتها الفجة.. بكل شئ.. حتى عندما كنتُ أغضب كانت تشعر بالراحة بعد أن تضربني، و تحاول أن تمنع صراخي و تكتم أنفاسي.. من رأى منكم أماً- نعم هكذا أسميها لأسفي الشديد " أم"- تمسك العصا.. و بقاياها التي تكسرت، و تحاول أن تضرب ابنتها من جديد، و هي تدافع عن ابنها المتحرش الجديد في العائلة.. من كان منكم أن يصدق.. هذه أم؟ من سيُشعرني بالراحة و أنا أرى أختي الصغرى تعاني بصمت، و تزداد حالتها النفسية سوءًا.. آخر مرة دافعتُ عنها.. تحطمت بقايا العصا الخشبية على جسدي.. لم يؤلمني الضرب في وقتها، و لا العصا التي تفتت بعض من شظاياها في قدميّ، و أنا كنتُ معتادة على مثل هذه المشاهد في عائلتي.. عندما ضرب والدي أختي , وسقطت بالاغماء من شدة الضرب و الصفع.. هل تصدقون أنا ابنة هذا الرجل الذي ملأ قميص أختي بالدماء و هو يرفسها بقدميه.. و هو يكرر ضربها بعد أن سقطت على الأرض.. هل تصدقون أن أخي لم يمتنع عن محاولة الاعتداء عليّ إلا بعد أن كنت أسقط بالإغماء,, فاقدة كل قدرتي على الصراخ من أجل النجاة؟ هل تصدقون وزن هذه الآلام.. هذا ليس ما أشعر به الآن، و لم أشعر به وقتها.. ما انقتل بداخلي كان أكبر، و أعظم مع مرور الوقت.. لم تعد الكدمات تؤلمني.. و لم يعد لونها حاداً و برأت بعض الجروح التي أُصبتُ بها.. و لكن لم يبرأ شعوري بالخوف، و الكراهية، شعوري بأن كل جزء من جسدي هو مُغيَب.. و أن اللامبالاة هو حلي الوحيد للخروج من الألم الجسدي، و الوقوع في الألم النفسي.. الذي عاش في وعي الغائب مسافات طويلة، يعذبني دون أن أستطيع أن أفهم معناه! هذا الشعور بأن جسدي منفصل عني، بأن أحلامي مشتتة و بأني كلما حاولتُ التركيز سيظهر على السطح بقايا من تشوش أفكاري و انقطاع التركيز عن ذهني.. و أنا أشعر أن رأسي يمنعني عن الخروج من تلك الحالة.. أشعر بهذه الحالة في كثير من الأحيان، و يطول صمتي.. و تظل عزلتي تخفف قليلاً من الجراح، و لكن شعوري بالوحدة لا يمنعني عن الخوف من الظلام.. لم أطلب كثيراً من هذه الحياة، و لكني أخشى الظلام إن لم يكن للتخفي.. فإن العيش فيه مؤلم و غير ممتع.. حتى نجد الونيس الذي يساعد على تصفية أفكارنا.. أفتقد هذا الونيس بشدة.. و أكره العتمة التي فرضتها عليّ أساليب الحياة، و الصداقات المتعارفة.. أكرهها لـأ نها تجبرني على الرضوخ.. و عدم قبول ما أطمح به لنفسي.. أحتاج لوقت طويل حتى ينتهي مزاجي العصابي من حدته.. أحتاج لوقت طويلة لكي أتحمل أن أفتح عيني لترى كل ما حولي.. دون اكتراث يضرها، و لكن بعيداً عن اظهار العمى أو اللامبالاة! أحتاج لهذا كثيراً من أجلي! لست مجبرة على الخجل من حذري على فتح موضوع الارتباط مع الثرثارين و الثرثارات. بل أني وضعتُ حداً لتفادي علاقتي بهم. تعرفتُ على جسدي من خلال الألم الذي تركوه معلقاً في بقايا ذاكرتي.. تعرفت على الجنس الآخر، غالباً بالاكراه؛ بالاعتداء على جسدي عنوة.. و باغتصاب والدتي لروحي بصمتها على هذا الاعتداء.. صمتتْ؛ فقتلتني بعد أن اعتدى على طفولتي هو دون أن تلومه هي.. هي زوجته فكيف لي أن ألومها؟ ملكة البشاعة في هذا الكون كله- هي! تعرفتُ على ما تبقى لي من نفسي بغرق وعي الغائب، بالشعور بنكران الذات، و حتى أُصبتُ بعوارض ما بعد الصدمة النفسية.. و لكن أحداً لم يكترث.. لم يساعدني أحد؛ بل ساعدتُ نفسي كل مرة كنتُ فيها ميتة.. تحدثتُ إلى وعيًّ، و حاولتُ إصلاح ما حاولوا تدميره. و تألمتُ بسبب عدم فهمي أو معرفتي لِماذا كنتُ أشعر بالذنب؟ لِما ظليتُ صامتة بعد أن طارحني الشك، و خنقتني الآلام و من بعدها الأسئلة.. لِما لم يعلمونا في المدارس أن الأهل، العائلة قد تشكل خطراً على الأبناء، و لا يجب حينها لوم الأطفال.. لِما لَم يحدثونا عن الكرامة، و عن الصدق بعيداً عن الخوف و الإهانة؟ لِما يجبرونا على نقبل الاهانة منذ الصغر.. و على أن نتربى على تقديسها؟ لِم يخنقني هذا الاحساس؟ لِما؟ لو أن عندي من يُراعيني دون أن يُشعرني بالارتياب؟ لو أن عندي من يجعلني أشعر أنه لا يفقد ثقته بنفسه تجاهي لأنه لا يعاني من الشعور بالذنب.. لو أن عندي صديق يختزل الكلمات بأعماقي.. لو أن عندي من يرحمني مما أشعر به عندما أذهب للنوم وحيدة.. من كان سيرافقني للنوم، و هو يعلم الحقيقة؟ من كان سينظر إليّ كما أنا؟ من كنتُ سأدعه يتعرف إليّ و أنا أغلب ظني أنه سيكون دون جدوى في مثل هذا المجتمع الحقير.. أنا أسيرة لشعوري بالاختناق.. أسيرة لأوهامي و ظنوني بأني حبيسة و مللتُ! صدقوني تعبت و مللت!

غاب عني الشعور بالاندماج مع ما كان يدور من حولي، و صرتُ أركز اهتمامي، و غضبي- في كثير من الأحيان- على الشعور بالظلم، و الرغبة بالتخلص من الكراهية، حتى حينما كنتُ أخاف أن أقولها لمن كانوا يُظهرون اهتمامهم لأمري.. كنتُ أخاف أن أقول أني أعيش مع وحوش.. هل هذه الكلمة صعب عليهم أن يفهموها؟ أن ينفعلوا تُجاهها؟ هذه الكلمة تقتلني.. أنهم لا يعلمون معنى هذا الشعور أني أعيش مع وحوش.. وحوش تقتلني.. وبسببهم تتأرجح كوابيسي بين خوفي مما سيفعلوه بي و بين ظنوني و الأوهام.. الصدر الحنون الذي سأبكي عليه، الكتف التي ستتمدد لتغطي كل جراحي، الأعناق التي ستعطيني شعوراً بالحنان، و الدفء كيف سأجدها؟ حتى من أناجيهم، و أظن بهم خيراً ينتهي الأمر بهم بقتلي بعدم اكتراثهم، و بجهلهم الصامت.. ببرودتهم.. و بالانفعالات التي تهاجمني بلا أي منطق أو حتى عقلانية!

مستحيل كيف سأمتنع عن الشعور بالغرق كلما حاولتُ النجاة، و أنا أشعر بأن بركة مياه حزينة سوداء ستطير عليها جفوني، و أن عينيّ المفتوحتين لا تستطيعان أن تتوقفا عن الخروج من ذلك السكون المخيف.. شئ ما سُرق مني؟ أنا؟ سرقت مني!
أتساءل بصمت: لو عرفوا من يحاولون أن يعطوني مجاملاتهم، و صداقاتهم ما مررتُ به هل كانوا سيستمرون على نفس المنوال؟ هل كانوا سيعطوني شعوراً متجدداً بالرغبة في هذه الحياة؟ أم هل كانوا سيتذمرون و يشعرون باليأس بسبب الاختناق، و حدة أعصابي؟ أتساءل كثيراً.. ثم أغرقُ من جديد في اللامبالاة! أنا أعرف من هم المسئولين و المسئولات. أنا أعلم جيداً، و تحدثتُ بصمتٍ مؤلم، و لكنهم لم يبالوا. أنا أشعر بكل دقيقة يكسبونها على حساب أعصابي، و روحي المعنوية و النفسية. أنا أعلم من هم/ن الذين يربحون من صمتي، و كآبتي.. الذين يقتلون الصمت في أعماقي.. أعلم من هم/ن أراهم/ن صمتهم/ن المتعمد يقتلني.. يصيبني بالتشتت و الاكتئاب..

كل لحظة صمت مُقنّعة هي عدوٌ لي، لأعصابي، لقوتي المعنوية.. و لكنها أبداً لن تزعزع صداقتي لنفسي على المدى البعيد، و لن تزيحني عن منصب ارادتي. بل ستظل تدفعني إلى الأمام. صمتي سيمنحني قوتي، و إن كان يشوه أجزاء مني، تشتّتُ انتباهي.. أنا أعلم من هم/ن و إن كنتُ أبدو لا مبالية! أنا أعلم أن روحي لا تنام سعيدة مطمئنة، و ظلال أشباحهم تحيط بي من كل مكان! أدرك جيدا أنه لا يوجد ضحية ذكية، مهما فشلت المخططات؛ فإنها لم تكن ضحية لولا كل هذا الغباء.. الهجوم البشع عليها.. لستُ ضعيفة و لكنهم الأقوياء لأنهم وحوش تهجموا عليّ.. أقل ما أصفهم به هو أنهم وحوش عديمة الرحمة! هم من عذبوني أنا.. هم و ليس أنا!

نسيتُ أن أقول لأقرب أصدقائي أن معنى البارانويا هو أن أحبك، ولكن ألا أرغب فيك. هو أن أعتمد عليك في ردات أفعالي و انفعالاتي. أنسى شعورك تجاهي لأنك متبلد و جبان؛ فيجبرني عقلي الذي يحتقرك على مطاوعة قلبي الذي أحبّك فشلاً؛ و لهذا أنسى دائماً أن أكترث بك أو أن أسألك دوماً إن كنت بخير أو لا؟ كلما ابتعدتُ قليلاً عنك عاد إليّ الشعور مجدداً بالحيرة، و حينها أقرر أن أرتاح قليلاً من الظنون التي تتبعني إذا استمريتُ معك أو فشلت.. لكن كلما شعرت بلحظة صدق اختنق قلبي و اعتصرتني دموعٌ توجهني إليك. لن أدللك كثيراً، و لن أقول لك أجمل الكلمات، و لكني شتمتُ نفسي قبلها مائة مرة لأني أحبتتك! أنت الآن تتمنى لو أنني أتوقف عن الحديث و لكني مرتعبة من شدة الارتياب، و أعتذر كالعادة لأني أزعجتك.. تذكر دوماً اللوم يقع على عائلتي، و ليس عليّ.. وإن كنت ألومك قليلاً بسبب برود أفعالك تجاه ما أصابني، و لكني أدعي أحياناً أني لا أفهمك.. هذا يريحني حتى أرتاح قليلاً قبل أن أهاجمك.. ما سيجعلك تكرهني، و تحبني في آن واحد، هو ما يجعلني غير واثقة من هذه العلاقة، و مدى التناقض الذي يرفضه عقلي، و يهواه قلبي.. الارتياب محيط بحواسي.. و لا أستطيع أن أعتذر، أو أن ألوم أحداً في الوقت المناسب! ما أحتاجه هو الأمان بدلاً من الانتقام بالضبط!
هل تعلمون أنه لو كان هناك قانون- يتم تنفيذه دون وساطات- ضد كل شخص-غالبيتهم ذكور العائلة- يمارس العنف أو الاعتداء ضد ابنته أو أخته أو زوجته، و استطاعت المرأة أن تستخدمه بكل حكمة عقلها لكان دخل نصفكم السجون لتعلمكم النساء معنى الأدب من جديد؟! كانت النساء اللواتي فشلن في تربيتكم تعلمن معنى الأنوثة من جديد! الحياة لامرأة مثلي، اعتدى عليها أربغ أفراد مقربين من عائلتها، و هي طفلة حتى تحولت آخر هذه المحاولات للتهديد بالاغتصاب، و العتف الجسدي و اللفظي- هي عبارة عن كابوس.. الفضل يعود لقوانينكم، لمجتمعاتكم.. لوجودكم المأساة بحياتنا.. أنتم أيها المسئولون إن كنتم تعرفون معنى المسئولية فالله وحده سيسلمكم منصبه! اذهبوا لتعيشوا في جهنم.. و دعوا هذا الكابوس لي وحدي لأتدبر أمره!