الكراهية المُكتَسَبة



سونيا ابراهيم
2013 / 5 / 28

يستطيع الرجل العربي أن يكون حراً و ألا يشعر بالذنب، و أن يعطيه موروث المجتمع العربي -الثقافي و الديني- كل الحق؛ له و لكل ذكور العائلة بقتل النساء، خاصة فيما يتعلق بالشرق و الدول الإسلامية من عقوبات مرتكبي جرائم الشرف المخففة.. إن لم يشعر ضحايا العنف الأسري-غالبيتهن نساء و أطفال- بالذنب و كانت لديهن متلازمة ستوكهولم؛ فإنهن لن يجدن الكثير من القوانين التي تساعدهن على الانفتاح، و المطالبة بصياغة و تفعيل قوانين تساعدهن على تحقيق كرامتهن و احترام حقوقهن كحقوق إنسان.. الأمر يزداد تعقيداً، و ليس سوءًا في الأراضي المحتلة؛ لأن الأولوية في المجتمعات التي تتخذ طبيعة النضال فيها بعداً تاريخياً و أيديولوجياً؛ خاصة عندما يحاول البعض تلطيخها بمفاهيم دينية معقدة- تجعل الأمر مربكاً من كافة نواحي الحياة بالنسبة للفلسطينيات و الفلسطينيين.. إن الأداء الأضعف يكون بسبب غياب العمق التاريخي لنضال مؤسسات المجتمع المدني بعيداً عن تأطيرها حزبياً، أو تجميل صورتها بالأداء المتعلق بقضايا سياسية بحتة تجعل أداءها يبدو منحصراً على المناسبات الوطنية دون أن يكون لها عمقاً اجتماعياً أو حتى أثراً تطويرياً على المنحى الاقتصادي أو الأخلاقي للمجتمع.

بالطبع كلنا ندرك أنه ليس من السهولة أن تنقلب موازين المجتمع في ظل الترهل السياسي-عربياً- لعقود طويلة من خلال طاقم الممثلين و الممثلات في المجالس البرلمانية أو التشريعية، على سبيل الذكر و ليس الحصر النواب التشريعين في الأراضي المحتلة؛ خاصة و إن العطل الذي يؤججه الصراع و الانقسام الفلسطيني هو ليس وحده عذراً كافياً لسوء الأوضاع من ناحية مجتمع تحللت قيمه الإنسانية، و صار مجهوده اليومي هو الانتقام من الفقر في ظل غياب أوجه الحقيقة و العدالة.. و بشكل صريح، تصبح غالبية الأفراد تعلم أنها وحدها المسئولة عن ذلك دون إدراك أو قصد منها بأي من ذلك؛ مما يؤثر سلباً على الأفراد الذين يرفضون الاعتراف بالذل أو بالعار لأنهم غير سعداء، و لكن الأغرب من ذلك هو اكتشاف حقيقة أنهم مجبرين على الأداء، و أن هذا هو الطابع الوحيد الذي يجعلهم قادرين على البقاء هو خيار محبط و تقليدي و مجحف نتج بسبب التربية التقليدية في المجتمعات العربية و بسبب أن المواطنين/المواطنات اعتادوا على القيام بالأدوار السلبية ليلحقوا بنفسهم الأذى حسب تقديرهم، بدلاً من أن يسببه لهم الآخرون و هم لا يعلمون بذلك.. و الحقيقة تقال أن الشموع التي يضيئونها، و أن الأوهام التي يحللون ترسباتها في حياتهم لا تعطيهم الأمل بل تزيد من عمرهم أجيالاً أخرى تتحمل نفس الذل، و تعتصر قلوبها مرارة الإهانة و الخضوع للمعاناة في الحياة دون أن يكون هناك انفتاح فكري، أو تمدن على المنحي الأخلاقي لحياة المواطنين/المواطنات، الذين تتعلق حياتهم بين هذه المراوغات هدراً دون أي أمل بالإنقاذ من لعنة الجمود، و تكرار مصائب الحياة على نحو متقطع و دون إعادة النظر فيما يعانيه هؤلاء البسطاء من مشاكل في حياتهم، و هم لا يوجد لديهم أي فكرة عن ذنبهم فيما اقترفوه من حقهم لينالوا على هذا الجزء الغير مُرضِ من الحياة!

بعدما زرت طبيبا نفسياً، يعمل في برنامج غزة للصحة النفسية، تأكدتُ أن الرجل نفسه بحاجة لطبيب نفساني.. كان يتعمق في تحليله الذكوري بأن المرأة هي سبب مصائب الكون.. شخصيتي الجريئة التي دفعت بي لحل الاكتشاف، و إدراكي المتواضع بأن لدي مشاكل تتعلق بتصوري عن جسدي، بعد أن تم الاعتداء علي بشكل متكرر.. مما جعله يحول كل كراهيته للحقيقة بأنه ينتمي بتفكيره لمجتمعات خاملة تعيش بالظلام؛ ليضع اللوم علي بأني كنت أنا من دعوتُ أخي ليقمعني و يعتدي علي.. الشعور بنكران الذات- من ناحيتي- و الغرق مجدداً بالشعور بالذنب جعلني أتعاطف مع الجميع، أولهم: من اعتدوا علي.. و كأنهم كانوا هم الضحايا، و ليس أنا.. و بواقع الأمر أفكر جدياً في بعض الأحيان أن ذلك الطبيب النفسي هو رجل مخصي( فكرياً و حتى أخلاقياً).. مثله مثل معظم الرجال الشرقيين.. كان بإمكانه أن يؤسس بناء على حقده مطعم أو كافتيريا للفول و الأكل الشعبي ليتخلص من حقده الدفين و كراهيته الذكورية، بدلاً من امتهان مهنة تتعلق بمصير الناس، و حياتهم المعنوية.. سأظل أتذكر ما قاله لي في إحدى المرتين اللتين زرت عيادته فيهما.. قال لي: الرجل الشرقي عادة لا يحب المرأة التي تكون مساوية له، فما بالك المرأة التي تكون أعلى منه؛ لذلك يجب عليها التعود على ملاغاة الرجل، و الاستكانة حتى تنال ما تريده، و كأنه مثلا يصف لي وضعاً مختلفاً لا علاقة لي به، أو بحالتي النفسية آنذاك.. و كانت نصيحته أحد أسباب تراجع حالتي النفسية، و الفكرية؛ لأنها نسفت بشكل دراماتيكي ما كنت أحاول جاهدة بنائه، و تعميقه في مكنونات ذاتي عن وجوديتي- وجودية المرأة!! كان ينبغي علي حينها أن أفهم- و أنا ضحية اعتداء جنسي- أنه رجل خبيث و دنئ.. و أنه هو أحد أسباب الكراهية المكتسبة في هذا العالم البطريركي الشرير! سأقولها لكم الآن: نعم، أنتم – كلكم- لكم أيضاً ذنباً في ذلك الأمر!