عن أمينة و ماري...



جوري الخيام
2013 / 5 / 30



سيدتي ...
ارحلي عنهم بلا رجعة ...
خذي شمسك...خدي ربيعك
خدي نصف بسمتك...ونجومك
ارحلي بزهو أنوثتك ...
فهنا لن تأخذي حقك حتى لو كان لقمة ....

خذي ظفائرك واخلطيها مع بقايا الفرح
و خبئيها في شقائق روح الطفولة
وطيري ....
خذي شهدك بعيدا عنهم
فقد حللوا لك صنع الحليب
وحرموا العسل....




تذكرني أمينة تيلر أول ناشطة من حركة Femen tunisia بالسيدة Marie Olympe DE Gouges أول ناشطة في مجال حقوق المرأة في فرنسا ولدت سنة 1748 وماتت معدومة بتهمة خيانة الحكومة بعد الثورة سنة 1793 ...ماري كانت أول من كتب إلى الملكة ماري أنطوانيت إعلان حقوق المرأة والمواطنة سنة 1791 مستلهمة من إعلان حقوق الرجل والمواطن الذي أهمل النساء تمام الإهمال... وكانت أول إمرأة في فرنسا تطالب بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كل المجالات وقد عاشت حياتها تبحث عن حقوق المرأة وتدافع عنها بشراسة.

في عهدها ،كما أمينة تيلر، عاشت olympe محتقرة مضطهدة من طرف المجتمع الفرنسي وخاصة من طرف النساء لأنها كانت ناشزاً لم تتزوج بعد وفاة زوجها الأول -لأن الزواج لم يحمل لها السعادة كما كتبت- و لم تدخل أبداً في القالب الذي صنعه المجتمع لها و لكل النساء في تلك الفترة المظلمة من تاريخ فرنسا و التي تتشابه كتيراً مع واقع العرب الحالي حيث الدين لازال سلطاناً لا يناقش و لا يعلى عليه. ..

قالت ماري في إحدى مسرحياتها أن " النساء لم يعرفن عدواً أكبر من أنفسهن ...فقليل جداً أن تصفق النساء موقفاً نبيلاً من صنع إمرأة " وهذا صحيح جداً إلى يومنا هذا خاصة في مجتمعاتنا العربية والمسلمة وكأننا نخاف غضب الرجال لا غضب ضمائرنا! وكيف لا نخاف والله رجل إبن رجل والمشرع رجل والد رجل و القاضي رجل جلاد يحمي حقوق الرجال في إضطهاد كل النساء و تأديبهن عند الحاجة؟

اليوم وبعد قرنين أو ما يزيد تغيرت نظرة الفرنسيين ل MARIE OLYMPE و أخدت مكانها بين أناس الفكر وصارت افكارها ركن مهم من أركان الفكر الحقوقي النسوي في العالم بأسره وصارت كتابتها تدرس في أكبر قاعات الدروس في الجماعات العالمية بعد أن إهتم بدراسة شخصيتها الأمريكيون والالمانيون واليابانيون في القرن الماضي إبان الحرب العالمية الثانية فاستعادت حقها واعتبارها على صفحات التاريخ الفرنسي والعالمي وصارت الشوارع وقاعات الدروس والمسارح والساحات العامة تحمل اسمها بفخر وإعتزاز....

عاشت MARIE OLYMPE حياتها تناجي المرأة وتطالبها بأن تثور على ذكورة المجتمع و تسلط الدين ... مشددة على أن إتحاد النساء هو القوة الحقيقية التي يجب الإعتماد عليها لإسترداد ما يجب استرداده من حقوق... وفي هذا اليوم و كل يوم لا أجد مهرباً من إعادة طرح أهم السؤال طرحته هذه الممثلة المسرحية صاحبة الفكر الغني والرؤية الراشدة في حقبتها :

" يا نساء! ألم يحن الوقت لتثور ثائرتنا وتولد من صلبنا ثورة؟ هل سنظل في عزلة عن المجتمع وعن بعضنا؟ أم اننا سنتوحد لأجل قضية أخرى غير الجنس وابتغاء شفقة الأخر ؟"


سيدتي...
ألم يخبروك أن حديث الأنثى في بلادنا دجل؟
و أن وجهها المدلل تأكله ذكورة بلا خجل
ثم تُقفل على خصرها بصدأ الزمن ؟
أ لم تعلمي أن الدمى تبكي عندنا بلا سبب
مع أن عيونها لا تدمع....؟
ألم تحكي لك شهرزاد أن النهود عندنا
تذبح و تأكل قبل أن تتدور وتكبر؟


اليوم تحاكم أمينة تيلر ذات العشرين ربيعاً بتهمتي كتابة كلمة FEMEN على حائط مقبرة و حيازة pepper spray أثناء القبض عليها وربما وصلت عقوبتها إلى السجن سنتين أو أكثر... أمينة الصوت الصريح والموقف الواضح......أمينة ثورة كل النساء و كل الأجيال ..أمينة ثورة ضد النهضة و أسلمة الثورة .... أمينة آفاق شجاعة لا متناهية ..أمينة ضميرنا الذي تكلم..أمينة أشرف من أشرف نساء السلف الصالح و ما جواره....أمينة تقف وقفتها هذه لأجل كل عربية مقهورة ولأجل ربيعنا المسروق.... أمينة صوتنا المنهك الذي يلعن ذكورة مجتمعاتنا ....أمينة فتاة ضاق بها الصبر كما ضاق بنا فتمردت و قالت يكفي و كفى لكم دينك ولي ديني لكم طريقكم ولي طريقي....أمينة هي حقوقنا المهدورة التي أهملنا استردادها...أمينة شعاع أمل ينبثق من الظلام الحالك الذي يحيطنا...أمينة ما تبقى من ثورة الياسمين .... أمينة خلف القضبان ظلم وإستبداد في حق أميرة حرة. أمينة أنا.. أمينة أنت.. أمينة نحن وأنتن وهم ….وأمينة كلنا....أمينة تعرت من قهر الذكور وسكون الإناث ..... أمينة ارادت أن تكون مواطنة .....أمينة ثارت لأن المرأة تحتاج إلى ثورة ..... و آه ! آه لكم تحتاج نساءنا إلى امرأة تثور ...ولكم تحتاج كل بلداننا إلى أمينات من صلبها ......

لو كنت مكان أمينة لرحلت بعد أول صورة و لما وجدت الشجاعة لأخرج في مظاهرة سلفية و أهتف ضد أنصار الشريعة بعد كل التهديدات التي تلقتها, لذلك فيجب أن نقف اليوم بكل إحترم لنحيي شجاعة تلك الفتاة ولنشكرها على ثورتها وموقفها المشرف لكل أنثى لم تعد تحتمل الظلم والإستصغار من طرف المجتمع و تجار الدين....

تظاهرت أمس 29/5/2013 ثلاث ناشطات FEMEN من فرنسا وألمانيا أمام المحكمة في القيروان للمطالبة بالإفراج عن أمينة وقد تم حبسهن كذلك بتهمة التعري وخدش الحياء العام عن عمد ولحسن حظهن انهن أجنبيات و لا داعي لأن نتخيل ما الذي كان سيحدث لهن في شوارع القيروان لو كن تونسيات ...

أما صباح اليوم فقد وقف جمع من التونسيين الكارهين لموقف أمينة و حركة FEMEN خارج المحمة أثناء الجلسة مطالبين بإنزال أقصى العقوبات بأمينة وتجريم الإنتماء إلى حركة femen .... لسنا ندري ماذا سيحدث مع أمينة , فهل ستنجو من خندق الظلم لتلتحق بمستقبلها الذي ينتظرها في مكان ما أم أنها ستدفع ثمن تحررها سجناً في عقر وطنها؟ الأكيد مصيرنا مرتبط بمصيرها لا محالة و الأكيد أيضا أن الإجابة على سؤال MARIE OLYMPE DE GOUGES لن تأتينا إلا بعد قرون من اليوم ليس فقط قرنين لأننا نقدس الجهل ونآزره أكثر بكثير من المجتمع الفرنسي في القرن الثامن عشر.....