بسيطة كالماء ....... واضحة كطلقة المسدس*



ثائر دوري
2005 / 4 / 27

أنا المرأة العراقية سوسنة الأودية
كالسوسنة وسط هذا الخراب كذلك السيدة العراقية فايزة ، واثقة بدون إدعاء ، قوية بدون قسوة ، رقيقة بدون ميوعة . لا يزيدها الخراب الذي يحدثه الأجنبي في بلادها إلا إصرارا و تصميماً على دحره . و كأن لسان حالها يقول :
- ما لا يكسرني يفولذني .
تكتب السيدة العراقية عن مؤتمر للنساء القياديات العراقيات نظمته المنظمات النسائية ، التي نمت كالفطر بعد يوم مطير تحت مسميات المجتمع المدني و تطوير المرأة ، في البحر الميت
/ http://afamilyinbaghdad.blogspot.com//.
و كما يقول المثل (( المكتوب يعرف من عنوانه )) و من على منصة الافتتاح اكتشف السيدة فايزة أن المرأة المحجبة المسؤولة عن المؤتمر هي تلك التي ألقت خطاباً في الكونغرس تشكر بوش على (( تحرير العراق )) .
- عن ماذا يتحدث المؤتمر ؟
(( عن الديمقراطية وتصميم الدستور والفدرالية ، الحرية الاقتصادية ، والإعلام الحر والاقتصاد الحر، مكافحة الفساد ، الديمقراطية والدين ، دور الولايات المتحدة في بناء الديمقراطية في العراق ))
و بروح السخرية المرة ( السخرية من خطاب الاحتلال و من نفاقه ؟؟) تسخر من إحدى الأمريكيات التي هنأت النسوة لأن نضالهن أثمر عن تمثيلهن بنسبة 25% من مقاعد البرلمان . تقول :
(( واحدة بجانبي علقت : أي كفاح؟
المفوضية العامة للانتخابات وضعت هذه النقاط, لم نكافح ....
ضحكت...وشممت رائحة النفاق والتملق من كلام السيدة الأمريكية, لماذا تكذب علينا؟ ))
وتسخر من غباء أمريكية أخرى تتعامل مع الحاضرات ببلاهة . تقول فايزة :
(( جاءت السيدة الثانية وقالت بكلام ناعم كأنها ممثلة على مسرح : أغمضوا عيونكم يا عزيزاتي وتخيلوا أنفسكم في العراق 2020
ماذا ترون؟
قالت التي بجانبي وهي طبيبة من الجنوب, من الحلة : هه , أرى نساء عاريات قليلات الحياء يملأن الشوارع...
ههههههه
والله لم يخطر ببالي ما قالته, لكني التفت اليها وغرقت في الضحك.
قالت لي : ما هذه المهزلة؟
لماذا يتكلمون معنا هكذا كأننا مغفلات؟
قلت : هذه امريكية يا عزيزتي , ماذا تتوقعين منها ان تقول؟
إنها من عالم آخر..........
ابتسمت المراة وهزت يدها علامة الدهشة والتعجب واستسخاف مما يحدث...))
في هذه المؤتمر تنكشف للسيدة العراقية بوضوح لا لبس فيه حقيقة المشروع الأمريكي .
(( إذن, هذا هو العراق الجديد؟
ممنوع تقول انك عربي لأنك تجرح شعور الكردي؟
هذه التعددية صارت سببا للتفريق وليست للتجميع
انتبهت أن الطاولات في المؤتمر كانت منقسمة تقريبا , فئة تجلس عليها كرديات بزيهن الشعبي, وفئة عربيات من الجنوب والوسط وبغداد.
هذه أول مرة أرى العراقيين هكذا....
شكرا لأميركا.... هكذا تريدنا أن نكون, متفرقين, ومتناحرين, ومتباعدين.))
و تتابع :
((اكتشفت الآن أن العراق الجديد ليس من المفروض قول : أنا عربي, انا مسلم
هذه عدوانية ولا ديمقراطية
ماذا نقول ؟
انا شرق اوسطي؟؟
هممم
مذا تعني هذه ؟
ربما لا شي !
نعم, يبدو ان هذا هو المطلوب: كونوا لا شي ء !
هذا هو النموذج للديمقراطية المطلوب تطبيقه هنا
مسح الهوية والأشياء المشتركة بيننا , لنصبح غرباء عن بعضنا , وأعداء بعضنا ))
أما الاقتصاد الحر فقصته تتلخص أن لا يكون لكم علاقة بالنفط لأنه لشركاتنا . يقول المحاضر الأمريكي :
((وإن النفط هو ثروة لكنه مثل اللعنة على الشعوب إن تملكت استثماره الحكومات.))
تفسر العراقية قوله :
((إذن هم يقولون لنا منذ الآن اغسلوا أيديكم, النفط ليس لكم, دبروا حالكم من دونه
كيف سنعيش ؟؟))

((تقدمت من المحاضر وقلت له : هل كل الحكومات ينبغي أن تكون ضعيفة وفقيرة حتى تكون ديمقراطية؟
هل كل الحكومات الغنية شريرة ولا تتدخل لمساعدة مواطنيها ؟
أليست الحكومة عندكم قوية؟
أليست تدعم الصحة والتعليم والفقراء و المحتاجين؟
لماذا تعطينا محاضرات عن أشياء عجيبة؟
ارتبك واحمر وجهه وقال سنتكلم لاحقا, أنا اربد الذهاب عندي محاضرة أخرى...))
و في مجموعة أخرى تبكي سيدة عراقية بعد أن تسمع عن مشروع تمزيق العراق تحت شعار الفدرالية
(( ماذا حصل لمجموعتكم؟
قالت المحاضر يتكلم عن الفدرالية, يقول لازم نقسم العراق إلى محافظات وكل واحدة منفصلة وتحكم نفسها ولها موارد مستقلة
ما هذا؟
سيدمرون العراق ووحدته؟؟
أريد أن ابكي, سأنفجر من الغضب..........
(( نظرت اليها وقلت : لا تبكي يا عزيزتي ولا تنفجري, ادخلي القاعة, واصرخي بوجوههم كما فعلنا في قاعتنا, وقولي لهم لا نريد سماع أفكاركم المسمومة ))
هذا غسيل أدمغة هذا ما تستنتجه السيدة العراقية . لكن بدل أن يغسلوا دماغها تخرج و قد تفولذت و قررت أن لا تكون في الوسط بعد اليوم
((تعلمت الكثير...ورأيت الوجه الحقيقي للذين احتلوا العراق, وفهمت خططهم حول مستقبل العراق..))

((لو بقيت بعيدة واسمع من الصحف, لما حصلت على هذا الكم المذهل من الحقائق الموثقة
محاضرات تمتليء بالسموم والكلام الفارغ...
تأكد لي الآن أن كلمة مسلم تؤلمهم وتغيظهم, وكذلك كلمة عربي..
وسيقسمون العراق الى أكثر ما يكون , حتى يضربوهم ببعض, يضربون الكردي بالعربي, والسني بالشيعي , والمسلم بالمسيحي
وكنا نعيش تحت ظلم حكومة وطنية دكتاتورية نعم, لكنها لم تلعب هكذا لعب قذرة لتفرقنا وتجعلنا اعداء بعضنا, ينهش كل منا الآخر, ويريد نهش قطعة من ثروات العراق له ولجماعته.....الحكومة السابقة ظلمتنا جميعا...لكنها لم تقسمنا الى طوائف وأعراق كما فعل بنا الاحتلال
قسمنا منذ دخل الى سنة وشيعة واكراد
ضرب السنة أولا واستفرد بهم, وأعطى امتيازات للأكراد والشيعة, وغدا سيصطدم بالشيعة ويضربهم, وبعدها الأكراد ويضربهم, حسب المصالح, لا توجد صداقات وتحالفات ثابتة, كلها تتبع المصالح.
اليوم يستعملون رجال الدين مثل السيستاني, وغدا ينقلبون عليه ويضربوه ويقلصوا صلاحيته.....))
و تتابع :
((قبل ذهابي للمؤتمر كنت أكثر اعتدالا...كنت في الوسط
لكن بعد حضوره ...
تأكد لي أنني يجب أن أتحرك من الوسط إلى موقع أكثر وضوحا..
وأظن معظم العراقيين سيصيبهم ما أصابني...بمرور الوقت, ومواجهة الوجه الحقيقي للاحتلال الأمريكي , سيكون عليهم أن يختاروا..إما ..أو
إما البقاء معه والترويج له....
او التبريء منه...ومطالبته بالخروج من العراق, ورفض أفكاره, ورفض وجود كل من يروج ويسوق أفكاره بين العراقيين والعراقيات
إنها دائما ...مسألة وقت.))
هذه هي المرأة العراقية الجديدة التي تمثلها فايزة . و السؤال هل يمكن لأمة تمتلك مثل هذا الوعي الطالع من بين الدمار و الخراب أن تهزم ؟ !!!
تقول فايزة :
(( وبعد كل هذا , أقول بصراحة أنني لست محبطة أبدا...
الذي رأيته من العراقيات في المؤتمر جعلني أثق بهن, وبالعراقيين عامة, وعندي رهان أن هذا الشعب لن يقدر أحد على خداعه.....
آجلا أم عاجلا...سيصطدمون مع الاحتلال وينكشف وجهه الحقيقي وما يريد ان يفعل بمستقبل العراق..))
و إلى أن يفيح النهار و ينهزم الاحتلال ستتوسع المقاومة شيئاً فشيئاً و سيتعمق الوعي البسيط كالماء ، العميق كالبحر ، الواضح كطلقة المسدس . لينشأ جيل لا يمكن هزيمته ............
تحية للمرأة العراقية التي تكرر كل يوم بل كل ساعة و دقيقة بطولات الخنساء مرفوعة إلى أس ما لا نهاية .
و إلى أن تحين ساعة النصر و يفيح النهار و تنهزم الظلال ستبقى المرأة العراقية سوسنة الأودية وسط هذا الخراب ، واثقة بدون أدعاء ، قوية بدون قسوة ، رقيقة بدون ميوعة . لا يزيدها الخراب الذي يحدثه الأجنبي في بلادها إلا إصرارا و تصميماً على دحره .......

* مقطع شعري للراحل رياض صالح الحسين (( بسيط كالماء ......واضح كطلقة المسدس ))