الذكورة والأنوثة بين الثقافة التقليدية والعولمة ...رؤى مؤسطرة



نعيم عبد مهلهل
2005 / 5 / 2

أنا ذكر أذن أنا من يقودك إلى مسرتك .
هذا نص وجد في لوح سومري يحمل في معناه ما يطلق عليه في الفقه الديني ولكنه قي الجانب الروحي يمثل رغبة في صناعة مودة وهذا ما يطلق عليه في وجد المتصوفة : الكمال والاكتمال في بهجة الاتصال .
بين المفردتين أنثى وذكر خليقة واحدة وصفات تكونية يتشابه فيها السلوك والبنية الجسدية عدا تكوينات التميز والتي هي عند الأنثى ما يحفز الذكر إلى المواددة ، ومنذ البدء البادئ كان الذكر يتسيد رؤى المنزل والمجتمع والليل فيما كانت الأنثى تمثل روح الخصب ولوح الطاعة والمشاركة المرهونة بالإذعان غير أن ذهاب الحياة إلى مساحة أوسع من التحضر أشعر المرأة لتكون ولتشارك ، تكتب ، تحارب ، تحكم ، وتصير عازفة ماهرة .
ظلت الذكورة تعني الهيمنة والتسلط وحفلت بتراثها بالكثير ما يؤكد أنها تمثل السطوة والحظوة وحديث البدء الذي كانت رؤاه الأسطورية تهيمن على ثقافة تلك المرحلة إضافة إلى نص الكتاب الديني يرينا ما يؤكد أن الذكورة كانت تعني الهيمنة على بسيطة الحياة ومفردات الحياة بشتى أشكالها ، أغلب الملوك ، الشعراء ، المقاتلين ، الآلهة ، أرباب الحرف ، الكهنة ، الحكماء كانوا ذكورا وهذا في تقديري خلق نمطا من شكل العلاقة بين الذكر والأنثى ومثل الجماع بينهما شيء من ميكانيكية الفرض عدا ما يشطح به الشعراء من وجد لهذا الكائن الساحر ولكننا نرى أن الأنوثة في بعض مراحل التأريخ الأول مثلت روحا للسلطة تفوق روح السلطة الذكورية كما في الرموز التالية < شبعاد ، سمير أميس ، بلقيس ، نفرتيتي ، زنوبيا ، الملكة فكتوريا >.
ومرورا بمحطات التأريخ وحتى عصر المارينز وأبراج منهاتن ظلت تلك العلاقة محط رؤى الباحث والدارس والمؤلف وحتى الفيلسوف وكان ينظر إليها على أنها علاقة تربط الجدل بالأزل أي أن الذكورة والأنوثة مكملان لعملية الخلق والديمومة الحياتية وعلى هذا ظلت الرؤية لهكذا هاجسين : ذكر يشتهي وأنثى تطيع خاضعة لمعايير تفكير المجتمع وثقافته وبقت فكرة النقصان أزاء العدل بين الكائنين قائمة حتى عصر مايكروسوفت هذا بسبب الشعور الذكوري بتفوق الأنا والبنية وهيمنة ثقافة الموروث .
وأنا أستعيد في رؤى ثقافتي مشهد أن أكون سيدا على أنثاي أعود إلى ملحمة جلجامش في كل مرة اعتقادا مني أنها في جانب كهذا في كل مرة تحمل هاجسا جديدا وقناعة متجددة إزاء هكذا شعور وبالضبط في المقاطع التي تهم نشأت أنكيدو البرية وترويض البغي لذكورته المتوحشة وهذا يعيدني إلى فكرة < فضل الأنثى على الذكر > حينما تحوله من بدائية العيش وعدميتها إلى التمدن وحياة العقل والمتعة التي بسبعة أيام أحس فيها أنكيدو المستوحش أنه لن يستغني عن نعومة الجسد وشهقة الفراش وحرارة الالتصاق فكان أن علمته نطق عبارة الحديث الأول : خذيني أنى شئت .
ينظر إلى هذا التهجين أنه تهجين أعتمد على الغريزة والشهوة وأبتعد عن منطق العقل وهذا ما يصفه كارل غوستاف يونغ في تجربته المعيشية مع بدائي القرى الأفريقية انه اسهل وانجع الأساليب للسيطرة على فحولة الرجل العابثة حينما يحس انه يريد شيئا وعليه الحصول عليه بأي طريقة كانت سلمية أو عدوانية.
من هنا كنت أنظر الى أنكيدو نظرة الذكورة الأولى التي انحنت طواعية لقوة الأنوثة وقادني هذا الى قناعة ما تقول أن فينا من الشعور بهيمنة الأنثى اكثر مما لدى الإناث من هيمنة الذكر ولكي أقنع قواي الذهنية بصواب ما أعتقده إزاء العلاقة الروحية والصحة الشعور أعلاه فيما يخص الذكورة والأنوثة سأقتطع جزءا من دراسة قديمة تشغل على هذا التفكير من خلال تصور لحظات اللقاء الأول بين أنكيدو والمرأة التي قادته ليكون مواطنا سومريا وخلا للملك الأسطوري جلجامش .

<< الذي حدث أن أنكيدو تقدم صوبها . كان يرتجف مثل غيمة خاصمتها الريح . أغمض عينيه ، وهناك شاهد الحضارة والإنسانية تأتي أليه . نسي شكل الضبع وطلب مع فطور الصباح سلطة خيار وشطيرة لحم وصوت فيروز .
أدرك من هذا المشهد صورة التغير . يتساءل علماء الميثولوجيا ، أن كانت البغي تتحدث إلى من كلفت من قبل الآلهة لتغويه وتعيده إلى حسه الطبيعي الحقيقي وتلحقه بخدمة خله وصديقه جلجامش ؟
تتحدث إلى الولد البري بهاجس الشعر وأن أغواءاتها كانت عبارة عن جمل من الموسيقى مرتدية ثوب الشهوة والأغراء والحكمة .؟ وحين نفكك الحوار بين المرأة ومحاورها نكتشف أنها مارست كل السحر بأنواعه المتعددة التي بدأت من فتنة الجسد وانتهت بعطر الموسيقى والكلمات . ولو تأملنا أنكيدو جيدا لشاهدتنا كيف يتغير لونه بين لحظة وأخرى وأنه قيد إلى الحضارة بقوة الجدل وما يملكه جسد المرأة من معاني الذي سوق إلى ناظريه بشعرية وفنية أحس معها أن الأرض تدور بميلان لم يألفه وأن عليه أن يميل معها بينا كان في أيام حياته المتوحشة ينتظر أن تميل الأرض فيما هو يجري في البرية حافيا كأي ضبع يبحث عن لحمة أو طائر متعب كي ينهشه ويأكله بطريقة مرتبكة ومجنونة .
يعيدنا الفكر إلى فهم هكذا متغيرات ويصنع من قدرته السحرية على التغيير نمطا من سلوك يفرض الوعي بحاجة صنع الاكتمال عبر أسطرة اللغة بشكل الفهم والقناعة وعبر منطق تتعدد غاياته وأغراضه وما فعلته البغي مع البري أنكيدو كان بعض من هذه الأسطرة وبها استطاعت أن تذيب كل اللافهم والحيوانية التي لم تدجن بعد في ذاكرة دون معنى ملكها أنكيدو من جريه المستمر في البراري وراء قطعان الثعالب والذئاب وأمهات عامر ، ولم ينقذه من عبثية هذا العالم وقسوته سوى جورته لجسد امرأة عرفت كيف تعيده إلى مكانه الطبيعي وحين قادته إلى المدينة بجسده المكتمل ونظراته المشعة بلذة الجنس والفراش أطربه صوت القيثارات الأورية واندفعت عيناه بدهشة سينمائية وهي تتأمل فتنة الحانة وهي تطرب لصوت المنشدين السكارى فيما كانت ابتسامات النادلات توزع على أرائك الراحة كما توزع صدقات الملك فوق رؤوس فقراء سومر .
أن قصد في وعيه الأنثوي يسعى للهيمنة على ذكورة ما ، وهو من الذين يسعون إلى خلق ما يعتقد انه صعب التكوين فيما يهم هندسة الذات الغائبة في تلاوة الصلوات لهذا حين مر أنكيدو على المعبد الذي رآه أعلى حتى من قصر الملك سأل إلى أين يريد أن يذهب بهذا العلو وكان يسأل بعينيه لأنه لم يتعلم اللغة والنطق السومري بعد .؟
فهم من خلال الإشارة أن ثمة من يسكن فوق في زاوية ما في الفضاء الأزلي .
مرة أخرى عاد الارتعاش أليه وأطلق أصواتا تشبه ترتيب بيت الشعر وكان يحس بداخله أنه مخلوق بأمر من هذا الذي يسكن في البعيد الأزلي .
ما يتعرض له أنكيدو يضعنا في دائرة افتراضات لا تنتهي ، وعلميا هي افتراضات خاضعة لفحوصات طبيب أو عالم نفساني وليكن بافلوف في اشتراطاته عندما يذكر : أن الإنسان لا يهجن إلا بفطرة بدائية ثم نطورها نحن عندما نعينه على فهم كيف نعيش بعد أن هجننا الذين قبلنا .
لأجل هذا ساهم الفكر والأنوثة بالإسراع في إلغاء الصفة المتوحشة من ذاكرة أنكيدو لنحصل بالتالي على الإنسان السوي الذي يتقبل الحياة بكل قبحها وجمالها لأنه في مروره بشوارع أور شاهد سيدا يضرب عبدا أسودا بالسوط فدمعت عيناه دون أن يشعر بمبرر الدمعة ولكنه حين تأملها وهي تنهمر على بلاط الشارع رآها تشبه نهد المرأة التي سحرت فيه الانفعال والمواددة فأحس وقتها أن كل المشاعر التي يمتلكها هي مرهونة بأمراة حتى ما شاهده في صورة الظهر المدمي الذي يتلقى عنف السوط كما تتلقى الأرض زلزلا بسبعة درجات على مقياس ريختر .
أذن اكتملت ذكورة أنكيدو بالأنوثة وأفادنا هذا التطبيع إلى الذهاب إلى شجن الرؤى المغيبة قي دراسة الفهم الذي حدث بعد توطيد العلاقة بين الخلين ولكن النهاية بمأساتها المعروفة خلقت في نفس البشر رؤية جديدة لما قد يحصل مهما ملكنا من مال ومنصب وتلك رؤى سنذهب لها في استراحة أخرى حين يفاجئ ملك أوروك جلجامش بموت صديقة وأسراب الدود تخرج من منخريه كما النار من جوف الموقد عندها تذكر دمعة صديقه الأولى وأسقط من عينيه واحدة مثلها .>>
هذه النهاية الدرامية للعلاقة برؤاها وفنتازيتها التي تحولت إلى واحدة من تراثيات الإنسانية الخالدة تضعنا أمام الرؤية التي ينبغي أن لاتغيب عن الخاطر وهي أن الذكورة معنية ببقاء الأنوثة إلى جانبها ما شاء لذلك وأن الحياة لكي تستمر فأن جدلية الالتصاق والتعايش في الواحد ينبغي أن ينظر أليها بتقاسم عادل وفق التصور الذي أرادت به الآلهة أن تعيد ذكورة الرجل أنكيدو بوساطة سحر الأنوثة وفتنتها .
أتأمل هكذا أمر وأعيده إلى زمني هذا وأنظر إلى عبارة غاستون باشلار الملتهبة والقائلة < المكان من دون ذكر وأنثى جحيم > فأعي الحاجة إلى المواثقة بين الاثنين فيما يكفله دستور التحضر وانظر إلى الاستلاب الأنثوي وأقارنه برائحة الشرق وأقول : أننا لازلنا ننظر إلى الذي أعادت أنكيدو إلى حضيرة الوعي نظرة قاصرة ولا نعطي المرأة من حقها سوى رغبتنا بأن تكون خلفنا في الدور ونحن ننتظر نصيبنا من الحياة < المجد ، المنصب ، الشهرة ، المكانة ، >.
يرى الشرق المرأة على أنها الصامت الذي ينجب وينحني رغم أن الديانات كفلت لها الكثير من حقوق المساواة غير أن الأنظمة الاستبدادية والجهل وعصور الظلمة قبعت بهذا الكائن الرقيق في الغرف المظلمة كان الروائي الفرنسي لوكليزي يقول < أن المرأة الطوارقية هي عبارة عن خمار داكن وجسد يتحرك لهذا لا يتطبع عند تشكيل ما بخيال تصور انه أنثى لقد كانت بالنسبة لي شيئا مخيفا أن أحدق فيه أو اقترب منه >.
ينطبق هذا على إناث المشرق وأغلب أريافه وحين جاء الطلبان ليحكموا كابل طبق على الأنثى أقسى أنظمة تصدير وجودهن الإنساني حتى مايهم التعليم وفي قرية في قندهار تعرضت سيدة إلى عارض مرضي وكان عليها أن تسعف بسرعة وحين أخذها زوجها وهو من جنود الطلبان وجد في مستوصف القرية طبيبا فقط فرفض أن تعالج وقال : دعوها تموت ولايراها رجل . وفعلا ماتت تلك المرأة .
تموت الأنثى من جراء ثقافة فقهها التعصب وغياب النظرة الواضحة حتى لو كان ذلك بأسم الدين كما في ثقافة طلبان وغيرها من السلفيات التي تريد أن تركن بالمرأة إلى الزاوية المظلمة من الكون . ولكي أستعيد ما تتمناه رؤاي أفكر أن اصنع شرقا تعوم فيه الميتافيزيقيا الضاحكة .
شرقا يذكرنا بالأم المكافحة المنتجة والقارئة الجيدة وحتما ستكون أمهاتنا من بينهن .
تذكرني فترة ستينات قرن الدادائية وحرب الفهرور وصعود ناسا إلى القمر ورفض باسترناك جائزة نوبل وإسقاط الزعيم كريم للملكية الهاشمية في العراق بهكذا نوع من الأمهات . ولكي أقرب الصورة إلى مخيال القارئ والمستمع سأتحدث بتذكر طفولي ثقافة الأمهات أيام كن يزرن أبنائهن السجناء السياسيين في سجن الحلة بعد 8 شباط عام 1963.
كنا نصحبهن ولازالت خواطرنا تحتفظ بصور تصرفهم وعزيمتهن وثقافتهن بمنطق المسألة والمثقافة بين السجين والسجان رغم أنهن لم يدخلن مدرسة في يوم ما . كنا نسمع جملهن المكتنزة بتعابير الثورة وثقافة اليسار وكن يراددن السجان وينقلن صوت الشارع الى داخل السجن وبعضهن يغامر وتحمل بين طيات ثيابها المنشور والكتاب والتعليمات حتى دون أن يعرفن ما كتب بهذه الأوراق لكن باطن الثقافة الكامن فيهن يعرف جيدا معنى هذه الورقيات وقيمتها .
هكذا إناث مجيدات مصنوعات من فطرة تراث البلد وثقافته يندرن بوجود مثل هذا بسبب تغير الأنظمة والطبائع والعولمة التي حملت قدرا هائلا من ثقافة المسموع والمرئي إلا أنها لم تحمل من ثقافة تلك المشاعر التي كانت تولد بقطرة عجيبة تضطر فيها أمهاتنا على إطلاق اسم جيفارا مثلا على مولودها الجديد حتى لو في محيط البيت رغم إنها ربما لاتعرف من ثورة جيفارا سوى صورته بقبعة وسيكار.
ولازلت أتذكر في إحصاء عام 1977 عندما كنت طالبا في المرحلة الثانوية حين كلفنا بالتعداد في هور الجبايش هناك حيث الأنثى لازالت تحمل أنوثتها السومرية في الطابع والتطبع < تزرع ، تقود المشحوف ، تخبز الخبز وتصيد السمك وتحصد القصب لتعمل بيدها سوباطا وهو سرير النوم العالي بمقدر ذراع عن الماء > حيث كان سومريو الأمس وهم من سكنوا هذه البطائح ينظرون الى المرأة على إنها الشكل المغري للحياة والمكمل الباسل الى اخرة دلمون . ولا ادري لماذا ذكروا كلمة باسل ربما لكي يعطوا هذا الكائن وصفا بطوليا .
كنت أحصي أسماء عائلة أهوارية حين فوجئت أن أحد الأبناء كان أسمه مكسيم . ذهلت وسألت ربة البيت وكان الأب متوف . لماذا أسميتم الولد مكسيم .
قالت : ليصبح مثل ذلك الذي يكتب سوالف عن الفقراء .
قلت : من تقصدين ؟
قالت نسيت أسمه ولكنه غريب ليس من العراق .
وحتما كانت تلك المرأة تقصد الكاتب الروسي : مكسيم غوركي .
لا أدري وأنا أغادر البيت رسمت جملة يونغ أدناه صورتها بكامل معانيها الروحية والوجودية والاجتماعية والقائلة :
< بالرغم من استعادتي لأيماني بالعالم إلا أني لم أتحرر من الانطباع أن هذه الحياة ليست إلا شريحة من الوجود الذي يتحدد فعله بأبعاد ثلاثة في كونها أشبه بالصندوق المصنوع خصيصا له >
لم أعرف حد هذه الأبعاد لكني على يقين أن واحدا منها هو هذه المرأة التي أطلقت على ولدها أسم أبي الواقعية الاشتراكية غوركي وحتما أن بيئة الأهوار العائدة إلى الوراء تشم عطرها السومري هي الصندوق الذي صنعته الآلهة لهذه المرأة .
هذا أقاد إلي فهم متواضع يؤسطر لغته وثقافته اتجاه الشعور بقيمة الأخر الذي يعيش معي في نفس القفص وأقصد أنثوية المشاركة لوجودي < الأم ، الحبيبة ، الزوجة ، البنت ، الخالة والعمة والجدة > تلك الكيانات التي نجهد لنمارس معها طقوسيا تختلف باختلاف مكانة كل رمز .
كان السومرية في بدء تصورهم الميتافيزيقي يضعون الأمهات بمثابة آلهة لأنها عنوان خصب وحياة وتجدد فيما ندر ذكر الجدات والأخوات والقريبات في تراثهم وفي نفر حيث المكتبة الأسطورية وجد رقيم يتحدث عن الأم بتصور الثقافة المعاصرة .
< الحياة من دون أم لن تصبح نشيطة وتستطيع أن ترى أسرارنا القادمة والذاهبة
لن تدور عجله ولن يتحرك نجم
وحتى الملك حين يفقد أمه سيظل عاجزا عن أدارة مملكته >
هذا يعيدنا إلى دور هذا الكائن في القيادة الخفية لحياة الممالك والأوطان كما عند < خديجة زوج النبي ص وشجرة الدر وماري أنطوانيت وعقيلة الدكتاتور جاوجيسكو > وباختلاف الطرائق لهذه الممارسات حيث كانت خديجة تمثل لرسول الرحمة صوت الحنان الداعم روحا ومادة لأتمام الرسالة الإسلامية فيما كانت زوجة جاوجيسكو جزء من هيمنة القتل واعتناق نظرية المؤامرة والتبذير على حساب جوع الشعب وخنقه والأمر الذي انطبق على عقيلة الرئيس الروماني ينطبق على ماري انطوانيت لهذا كانت نهايتهما متشابهة .
ظلت الثقافة التقليدية أسيرة القيم القديمة في سيئاتها ومحاسنها وظلت راكنة إلى المناهج الموغلة في التفسير على حساب الرغبة المهيمنة لسلطة المؤسسة أو النظام وحتى سلطة الأب القوي والثقافة التقليدية تعود إلى مرجع قد لا يعترف بالحداثة لأنها تمثل بالنسبة لها خروجا عن المألوف لهذا بقيت تمثل بالنسبة للكثير من المتطلعين حاجزا للعبور إلى الجانب الآخر ولكن هل يمكننا أن نعتبر العولمة جانب آخر .؟
في تقديري نعم وهذا لايعني أن نمسخ التقليد ونسحقه بسرفة التركتاتور ونرمي أحضاننا بالقادم الثقافي آلاتي بطرائق قد لاتتلائم مع رغبتنا في امتلاك الحداثة ووفق التصور الآتي بعيدا عن الضرورة القاهرة كما في إسقاط النظام في بغداد لأننا ينبغي أن نجتنب هنا الرؤية السياسية المباشرة لأننا لا نريد أن نوقع موضوعاتنا في جدليتها رغم أن عنوان الموضوعة لابد أن يمر على مثل ذلك الطيف لأن الثقافات التقليدية هي إحدى مبررات الدكتاتور في الإبقاء على القيم البالية لديمومة حكمه كما فعل صدام حين منع دخول وسائل الاتصال الحديثة إلى المجتمع العراقي وهي إحدى منجزات الثورة العولمية التي يقول عنها نعوم جومسكي : < أن وجودها كفيل بأن يجعل الأخر المتلقي ينحني لنا بانبهار> .
أ ـ أن تأتي العولمة بالدبابات والصواريخ عابرة القارات .
ب ـ أن تظهر شكلها الترويحي من خلال الفيديو كليب الإباحي والبرنامج الفاقد للمعنى التثقيفي الحقيقي كما في < الأستار أكاديمي > .
ج ـ أن تلغي روح الأيمان المتوارثة من العهود الأولى من خلال أضافة نصوصا منهجية مغايرة والاقتراب من إلغاء المقدس في المناهج عدا ما نعتقده ضروريا وهو موجود في مناهجنا والداعي إلى كره الأخر وتحريم التعامل معه وإظهاره كافرا على طول الخط .
د ـ أن تحول روح التقنية التي تملكها إلى نظرية إمبريالية جديدة من خلال الدعوة إلى إلغاء الهوية الوطنية والحشر القسري والعسكري لهذه الهويات للدخول قسرا إلى هذه القرية الكونية ومع وجود المبررات كما تظهره الرسالة الأمريكية في دمقرطة الشرق الأوسط إلا أن تخيل ما سيحدث من خسائر قد يقودنا عندما تكون ذاكرة المواطنة خاضعة إلى الهيمنة التقليدية وثقافتها عبر عصور سحيقة تقودنا إلى ردود فعل قاسية يتوالد من خلالها مد سلفي مؤذ لم نعهد من قبل طرائقه القاسية والغريبة في مقاومة هكذا تغيير .
وهناك نقاط أخرى ادارجها سيبعدنا عن ماهية ما نتوخاه من عنوان موضوعيتنا الجالسة تحت ظل عنوان < الذكورة والأنوثة بين الثقافة التقليدية والعولمة >..
هذا فهم للعولمة أو لجانب منها استخلصته من خلال القراءة لأدبيات من يروجون لها منذ بدء تسعينيات القرن الماضي واعتقد أن كتاب صومائيل همنغتون < صدام الحضارات > كان كتابا تبشيريا لهاجس كهذا أخذته أمريكا على عاتقها لتبدأ بعد الانهيار السوفيتي بناء مملكتها الكونية التي كان الشاعر الكبير عزرا باوند يراها < مملكة هشة ستمزقها رياح الشعر ذات مساء ما >
ويبدو أن باوند لم يقرأ في رؤاه روح المتغير فقد كان الأمر فوق طاقة عقله الذي أعلن عنه أصحابه وبتوقيعهم ومنهم تلميذه الروحي أليوت انه بات عقلا مختلاً .
من كل ما ذكر وسيذكر في ماهية الموضوع يتبين أن ثقافة الذكورة تنحو إلى فرض هيمنة الذات ضمن شتى الفواصل الحضارية وخاصة في المشرق حيث لازالت التقاليد تمثل سطوة على الأنوثة أن تنحني لها وان الذي يمكن أن يتحقق فأن القسر يكاد يكون نوعا من الحل كما أشارت أليه قصيدة كافافيس المسماة < البرابرة > والتي في نهايتها يقول :
والان ماذا سنفعل
لقد كانوا نوعا من الحل !
الآن نقول نحن أن العولمة نوعا من الحل وليس الحل كله لأن شمولية بنية التغير في هكذا أمر أي التخلص من ثقافتنا التقليدية إلى الثقافة الحداثوية يحتاج إلى ما يشابه الثورات التاريخية في طرق الانتقال من والى وهذا يحتاج إلى علم ودين وفي ذلك قد يعتقد البعض بعض المعضلات مادام الدين عندنا ملل ومذاهب وخاضع إلى فقه صارم كل لصاحبه ولأن العودة إلى جوهر الديانة قد يقودنا إلى بر الأمان فعلينا أن نعتمد منهجا علميا منفتحا يفسر النصوص ولا يؤولها اتجاه مكانة المرأة ودورها الحضاري داخل المجتمعات وهذا أيضا خاضع إلى رسالة يجند لها حشد من المفكرين والساسة والمصلحين وعلماء الدين وطبقة المثقفين .
مؤسسة ذات بنية فكرية ومدنية تؤسس لثقافة تقريب صورة أن تكون المرأة النصف الكامل والحقيقي للمجتمع وان بإمكانها أن تقف مع الرجل في كل متطلبات الصناعة الحضارية لوجود الإنسانية بعيدا عن النظرة الدونية التي تعامل بها في بعض المجتمعات كان تحرم من حق الانتخاب أو كسب هوية المواطنة أو شغل مهن معينة ، والحقيقة أن ثقافة العولمة تنظر إلى هكذا مفارقات في حرمان النصف الآخر من حقوقه على أنه استلاب لا يبرره تقليد ورغم أن المدافع عن روح التقليد يمتلك حججه وأسلحته اتجاه العولمة وثقافتها وما تفعله من ترغيب المحضور وانتهاك حرمة الخمار والأصالة التي بنيت بآلاف السنين من التأسيس المذهبي والطائفي والبيئي إلا انه قد يقف عاجزا إزاء ذلك المد الكوني بفعل المرئيات وأجهزتها الحديثة وتطور عالم الحاسوب والذي تمثله مايكروسوفت كأنسان ألي يذهب بالعولمة أينما أمر بذلك ومع الجديد دقت نواقيس الخطر في وجه القديم وبات التقليد مهددا وخاصة في ما يخص موقع الأنوثة في الخارطة الكونية للعمل والحياة وبدا لي أن ما كانت سومر تراه في ضرورة أن تكون لربة المنزل جملتها التي ينصت لها الزوج دون تذمر ينبغي أن تعود الآن ولكن وفق منطق العقلانية واحترام الجيد الذي تتركه لنا تقاليدنا وارثنا وعداه فاليرمى في البحر..
كان الشرق يؤسطر رؤاه عبر عاطفته وأنا أعرف أن ليس هناك عاطفة دون أن تكون هناك أمراة .
كانت الثقافة الشرقية ولازالت رؤى لتشابكات الماضي وأسقاطات ماكان وتخيل ما يكون. ومهما سيكون فلا بد لنا ذات يوم أن نخضع بكاملنا لمنطق المتغير ولكي ننجو من قساوته وسطوته ودروس كابول وبغداد حاضرة أمامنا علينا أن نسعى لتغيير أولئك الذين يحتفون بالتقاليد ويصنعوا منها سجونا للحريات والعدالة والديمقراطية وهذا لن يحدث إلا عندما نتخلص من العقد الدونية اتجاه الآخر وبتالي لن نكون مضطرين للاستعانة برجال البحرية ونظارات رامسفيلد فالتغير من الداخل يأتي بفوران آني فيما تغيير الخارج يأتي معه استحقاقات لا تحصى وعلى شاكلة رؤية كهذه أحاول أن أعطي للأنوثة دورا في بناء تكوين جديد للقرية الشرقية ولا أريد أن أقول الدولة الشرقية لأن البعض لازال يؤمن بضرورة أن تكون التقاليد موجودة كما صبت بدساتير العشيرة قبل آلاف السنين كي يظلوا هم موجودين.
غير أن روح المؤسسة المدنية المكافحة والعاملة في مجال جعل الذكورة والأنوثة في مستوى وعي النص الأدبي والحضاري المطالب بتجديد هذه التقاليد لقادر على تأسيس الوعي الجديد الذي يجعل من الأنوثة مكملا حضاريا للذكورة والعكس هو الصحيح وفي كلا الحالتين فأن العولمة هنا لن تخترق الحياء الوجداني للإرث مادام التحصين المتحضر موجودا وهذا كما اعتقد سيوفر لنا مناخات صالحة ليوتيبيا مفترضة بأقل الخصائص يشعر فيها الإنسان من كلا الجنسين بقيمته الحياتية ويعي دوره في تقديم ما عليه ويعطى ماله فيما تبقى المشاعر الأزلية التي تمد شوق الوجد بين الكائنين موجودة وربما بأرق واعنف وأجمل حالاتها ..