لو كنت امرأة لما تزوجت ابن سينا



خلدون جاويد
2005 / 5 / 2

اطلعت على كتاب نادر عنوانه ( كتاب السياسة لابن سينا ) ولا اريد ان أخوض في الكثير من تفصيلاته الايجابية والسلبية فتلك مسألة نسبية ... والسلب عند زيد هو ايجاب عند عمر. لكني عندما اطلعت على ص 11 من الكتاب طالعني عنوان مهم ( في سياسة الرجل أهله ) : يقول ابن سينا في بادئ ذي بدء : " ان المرأة الصالحة شريكة الرجل في ملكه وقيمته في ماله وخليفته في رحله . وخير النساء العاقلة الدينة الحيية الفطنة الودود القصيرة اللسان المطاوعة العنان الناصحة الحبيب الأمينة الغيب الرزان في مجلس ، الوقور في هيبتها المهيبة في قامتها الخفيفة المبتذلة في خدمتها لزوجها تحسن تدبيرها وتكثر قليلهُ بتقديرها وتجلو أحزانه بجميل اخلاقها وتسلي همومه بلطيف مداراتها ".
بربكم هل ينطبق العنوان على مدخل المقال ؟ هل المرأة هنا تسوس الرجل أم العكس .. لو نقرأ النص ثانية طوليا وعرضيا ومن أسفل الى أعلى لما رأينا سوى ان المرأة هنا هي الخادمة والحافظة والخازنة والمدبرة والملتزمة والجالية للأحزان والمطواع والتي تبدي جناح الذل وهي الحانية والمتفانية والمسلية وهي من خلال النص التي لاتحيص ولاتفيص عندما يريد لأكثر من مرة !. وان تنحني يابانيا وتطبخ وتنفخ .
ياالهي اصلي لك لاخمس مرات يوميا لكن خمسة آلاف مرة أن تنقذ هذه المرأة من هذا الرجل . واني تمنيت ان أكون امرأة لكي انتقم شر انتقام من هكذا رجل مقرف هو سيدي وسقفي الواطئ الذي يجب ان انحني عندما امر من امامه والذي يأمرني بموجب هذه المواصفات في كل لحظة . هل هذه مواصفات امرأة ام عبدة . وفوق ذلك يكتب هذا الفيلسوف في مقدمة مقالته : في سياسة الرجل اهله ! هل نحن اهله ام عبيده .
لابد انه يفترض ان مقالته تناسب عصره فقط !عندما كانت المرأة حبيسة في دارها بدوافع السائد والتقليدي . لكن لو قصد ابن سينا بماكتبه هو صلاحية المقالة على الواقع المعاش ولزاما عليّ ان اطبق مايقول حتى يرضى عني الرجل المحترم فوالله وقسما بكل اسماء الله الحسنى لانتحرت فورا . أي رجل مقرف هذا ؟ كل هذه العبودية لأنه يمتلك قدم ثالثة ؟ ياأخي بلاها ... أنا اول عانس في التاريخ وهذا ليس بحرام . اناعانس اعيش بشرف واعمل في الواقع المعاصر ما اريد ، ولاخادمة مربوطة بألف حزام حتى يرضى المقرف عليّ . ما هذه الصدامية النتنة ؟.
ادناه سوف لن اقتطع أي حرف من نص يقع بحدود صفحة وذلك بغية ايضاح ان كل كلمة من كلمات السيد ابن سينا ( الفحل او المتفاحل والمتحامل ) تدور حول كيف تخدم المرأة ذا القدم الثالثة وليس كما ورد في العنوان ( في سياسة الرجل أهله ) . يقول الفيلسوف مستمرا في العلم والفهم :
" وجماع سياسة الرجل أهله بجسم وسط ( كذا ) ثلثة امور لاتدعه وهي الهيبة الشديدة والكرامة التامة وشغل خاطره بالمهم "
وهنا السياسة لاتبدو ان يأخذها بالسياسة ! بل أن يظهر لها من الارهاب و ( العين الحمراء ) مايخيف ! هذا فوق المرار والعذاب والخدمة ليل نهار ... وهنا يشرح الفاهم والعالم ليزيد الطين بلة او كما يقولون ليجيئ شرحه ضخثا على ابالة : " أما الهيبة فهي اذا لم تهب زوجها هان عليها واذا هان عليها لم تسمع لأمره ولم تصغ ِ لنهيه ثم لم تقنع بذلك حتى تقهره على طاعتها فتعود آمرة ويعود مأمورا وتصير ناهية ويصير منهيا وترجع مدبرة ويرجع مُدَبرا وذلك الانتكاس والانقلاب ... "
وهنا يجري الافتراض مسبقا باصطناع الهيبة الشديدة ولايوجد أي مسوّغ للتفاهم والصداقة والمرونة والتساوي نقاشا وتحليلا واستنتاجا ، هنا الهيبة الشديدة فقط والامر يشبة وقوف الضابط الجهم المنتفخ الاوداج امام مجموعة من تماثيل عسكرية ! فهل الأمر يدور حول ابداء العنجهية واستعراض الجدية امام جندي يقف في ساحة العرضات مذعورا يستمع الى ضرورة الخدمة طيلة النهار في نقل الخشب والاحجار وفي آخر الليل يؤدي هذا الجندي اقصد المرأة واجبات الليل للمدلل ... والله لو كنت امرأة لانتحرت في المهد ولا اتزوج ابن سينا ! . او رجلا ظالما حشريا يتخذ مني خادمة وكيس لذة ودجاجة تفريخ وربما يغيظني بالزواج عليّ والتمتع الأضافي في سفراته وخلواته تبا وسحقا لزوجي ! . .
يتقدم ابن سينا فيلسوفنا العظيم بآراء ألمعية اخرى : " والويل حينئذ للرجل ماذا يجلب له تمردها وطغيانها ويجنيه عليه قصر رأيها وسوء تدبيرها ويسوق اليها غيها وركوبها هواها من العار والشنار والهلاك والدمار .. " اذن فالمرأة لاتقوى الا على الطاعة فلا تستطيع ان تنهى امرا او تدبره او تأمر به او بصلاحيته فالأمر جميعه له ولاتوجد مناصفة هنا ( هنا تمييز جنسي صارخ اشبه بالتمييز العنصري ) . ومن ثم فانها اذا لم تهبه فبالضرورة يتفجر خزينها وكأن ابن سينا يتحدث هنا عن انفجار بالوعة ! سيظهر تمردها وطغيانها وايضا قصر رأيها ! ... ولماذا افتراضنا القصر في الرأي أليس هذا موقف مسبق ومضاد للمرأة كونها قاصرة رأي وبعد ذلك انظر الى سوء تدبيرها ! فهي المعروفة بحسن تدبيرها تغدو في رأي هذا الفيلسوف سيئة التدبير وكأن حسن تصرفها والتدبير لايتمان الا تحت هيبة الرجل وشدته . انها اهانة عن سبق اصرار وترصد . واخيرا فهي متورطة بالغي وركوب الهوى والعار والشنار والهلاك والدمار ... كل هذا مرافق للمسكينة المتهورة المخبولة الناقصة السيئة التدبير كل هذه المؤآخذات بل الاخفاقات وحتى الجرائم هي من صفات المرأة . واذا سلمنا جدلا بذلك فان سؤآلنا للفيلسوف : هل من خطأ ما ، لدى الرجل يتجنبه ؟ لايوجد أخطاء للرجل ؟ ... لا لايوجد البتة ... انه معصوم اذن .. هل هذا رأي سديد صادر عن عاقل ؟ . فضلا عن ذلك فمن الخطأ التسليم بأن المرأة وهي المدبرة والحنون والشذية والفاتنة في جمال الهيأة والروح ان تكون بهذه الشباعات التي يكيلها لها ابن سينا . نعود للمقالة السقيمة مرة اخرى يقول الفيلسوف :" فالهيبة رأس سياسة الرجل أهله وعمادها وهي الأمر الذي ينسد به كل خلة ويتم تمامه كل نقص وينوب عن كل غائب ويغني عن كل فائت ولاينوب عنه شئ ولايتم دونه امر فيما بين الرجل واهله . وليست هيبة المرأة بعلها شيئا غير اكرام الرجل نفسه وصيانة دينه ومرؤته وتصديقه وعده ووعيده . " فاذن هيبة الرجل تسد العيوب وهيبة المرأة فقط تكمن في اكرام الرجل في الصيانة والتصديق .. والانسان يتسائل لماذا هذا التحيز وماهي جذوره في التاريخ أما يمكن ان نطالب الماضي الفكري بقليل من الانصاف للمرأة فهي لاشي الا من خلال الطاعة والاحترام . ان الرجل مواطن درجة اولى والمرأة من الدرجة الثالثة !
يقول ابن سينا ايضا : " اما كرامة الرجل اهله فمن منافعها ان الحرة الكريمة اذا استجلبت كرامة زوجها دعاها حسن استدامتها لها ومحاماتها عليها واشفاقها الى زوالها الى امور كثيرة جميلة لم يكد الرجل يقدر على اصارتها اليها من غير هذا الباب بالتكلف الشديد والمؤونة الثقيلة ". مرة اخرى فان الرجل هو مركز الاهتمام . والمرأة فلك الخدمة الدوّار . وهنا حجر الزاوية المهم في دراسة اسباب الواقع المزري الذي يعم وضع المرأة . ان الظهير الفلسفي والفكري لايساويها بالرجل ولو مساوات نسبية ، فمن اين يأتي سلوك التضامن والتفاعل الايجابي اذا لم يكن هناك تنظير وارشاد وتعليمات لضرورة احترام المرأة كمخلوق متساوي الحقوق بالولادة ! . ولو اراد النطاسي والعلامة ان يسبر الغور البعيد للتخلف لوجد التسوس في عرق الضرس . فهو من اوله ناتن وقائح وعفن وذلك بسبب تدني مستوى الكتابة عن المرأة وضحالة السلوك المجاري للفكر الهابط غير العلمي بل الخرافي . وبحكم توارث العادات والتخلف التقني وعدم اللحاق بالزحف الحضاري ظلت هي في مربع ضيق من الحركة . بل ظلت اسيرة الصحون والقدور ورعاية الأطفال ، فمن اين تأتي القدرات في مجتمع يسجنها في هذا الأطار ، قدراتها الفكرية وطاقاتها في الشراكة العلمية والثقافية ؟ . "
نعود للرسالة البائسة لنقتبس منها : " على ان المرأة كلما كانت اعظم شأنا وأفخم أمراً كان ذلك أدل على نبل زوجها وشرفه وعلى جلالته وعظم خطره . وكرامة الرجل اهله على ثلثة ( أي ثلاثة ) اشياء في تحسين شارتها وشدة حجابها وترك اغارتها . " انه يكتب عن المرأة اذا كانت أعظم شئنا وافخم امرا .. ولابد للنظر الى ( اذا ) وهذا الشرط نابع من منزلة عالية نادرا ما تصلها المرأة فاذا وصلتها فذلك عائد لا لخصال فيها انما لجلالة الزوج ونبله . واخيرا فان كرامة الرجل نابعة من مسؤليته عن تحسين سمعتها وشدة تحجيبها وعدم السماح لها بالمشادة والغضب
والعراك .
اننا هنا لانعرف ماذا عن تحسين شارته فهو افتراضا حسن الشارة ! وهو المعروف بلياليه وعربداته وخياناته وزيجاته ومتعه ووو .. الى آخره مما لم ينزل الله لذلك من سلطان . وهو يحجب ولايحجب وهو يشدشد ! ولايُشدشد وهو المنطلق والحابس السجان حامل مفاتيح القضبان وهو الصارخ في فضاء البيت بزعيقه ونهيقه وهي القطة المسكينة التي تلبد هي وأطفالها هو السهير والسكير والدعّير وهي المحرومة من الاغارة او الغضب اذ يجب ان تتحلى بالهدوء والمسكنة . وان يداس عليها وتبتسم وان تهان ولاتصرخ وأن تكبت كل انفعالاتها وتمرض وتتحطم نفسيا وتتسرطن وتصمد !..
والله والله والثلاث اسماء الله انتحر .. لابد من ان انتحر ! . الموت حرية والعيش مع رجل مثل هذا هو العار والشنار .
هل نقارن بالعالم المعاصر وماوصلت اليه المرأة في مجتمعات راقية ؟ ... نترك هذا الأمر لملايين من الناس الذين يعرفون ويحرفون وذلك لا لأنه من غير المجدي ان تخاطب ذواتهم المنتفعة من استعباد المرأة " ...... ولكن لاحياء لمن تنادي " .
واخيرا المقطع الأخير من رسالة بعقلية ايام زمان لفيلسوف ايام زمان ! : " وأما شغل الخاطر بالمهم فهو ان يتصل شغل المرأة بسياسة اولادها وتدبير خدمها وتفقد مايضمه خدرها من اعمالها فان المرأة اذا كانت ساقطة الشغل خالية البال لم يكن لها هم الا التصدي للرجال اذا كانت بزينتها والتبرج بهيأتها ولم يكن لها تفكير الا من استزادتها فيدعوها ذلك الى استصغار كرامته واستقصار زمان زيادته وتسخط جملة احسانه . "
لم استطع ان اعلق على الكلام أعلاه لا لأني لم أفهمه بل لأني انتحرت ! .