المرأة السلالية بين التشريع القانوني و تحديات التمكين



إدريس الغزواني
2013 / 7 / 6

ليست هاته الأسطر محاولة للملمة شمل هذا الموضوع، بقدر ما هي محاولة للإشارة إلى مناقشة هذا الموضوع الرنان جدا و الدعوة إلى التفكر فيه متسلحا بآليات الغربلة و التحليل، في الوقت الذي يستحيل في بعض الأحيان على المرأة الاستفادة من الإرث، و خصوصا حينما يتعلق الأمر بالأراضي السلالية (أراضي الجموع) . إن استدعاء هذا الموضوع له ما يبرره علميا و موضوعيا، ففهم و تفهم الديناميات الحاصلة و الأساسيات التي تحدد ملامح مستقبل المرأة السلالية يظل محدودا بدون تتبع هذا المسار، وكذا زعزعة بعض الأفكار التقليدوية المترسخة في بعض الأذهان ذات الثقافة النكوصية التمييزية . إذن، ما المقصود بالمرأة السلالية ؟ و كيف نعرف الأراضي السلالية ؟، ما علاقة المرأة السلالية بأراضي الجموع ؟ ما هو واقع حال هاته المرأة الآن وهنا ؟، و كيف ينظر القانون إلى هذه المسألة ؟ .
إن الهاجس الذي سيطر علي حينما اقترح الموضوع، كان في خلخلة الثابت و المتحول و كذا اكتشاف مدى قدرة ليس الهامش الضحية فقط (المرأة)، بل المركز المهيمن (الرجل) على نقد السائد وزعزعة مفاهيم المتن، حين يتاح لهذا المركز هو الأخر امتلاك الأدوات المعرفية المناسبة واللازمة للتحليل، إضافة إلى خصوصية موقعه، أي خصوصية كونه مركزا. فإذا كانت مجالات المقدس في عصرنا هذا هي: الدين و السياسة و الجنس، فإن هذه المجالات قد كانت في وقت مضى هي: المنزل و الأرض و المرأة. إن هذين العنصرين الأخيرين (المرأة و الأرض) "توأم سيامي، تجمع بينهما أكثر من دلالة، فهما رمز الخصب و العطاء، يقتسمان صفة الأمومة و ما تحمله من عطف و حنان، إلا أن الأعراف جعلت من الأرض جحودة متنكرة لهذه العلاقة الحميمية".
فالمرأة السلاية هي المرأة ذات الحقوق في الأراضي السلالية التي ورثتها عن آبائها و أجدادها، و يقدر عدد النساء السلاليات في المغرب بحوالي 9 ملايين امرأة حسب "الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب" . "فالمرأة حسب فصول ظهير 1919، لا تستفيد من حق الانتفاع من أراضي الجموع وفي حالة إذا كانت أرملة فهي تستفيد فقط إذا كان لها ولد ذكر، وتحرم من ذلك إذا أنجبت بنات فقط". وإذا كان هذا الأمر مبرر من حيث الأعراف التي تسعى إلى الحافظ على الملكية الجماعية داخل نفس القبيلة، بما أن المرأة قد تتزوج من خارج القبيلة مما قد يؤدي إلى انتقال الملكية من خلالها إلى قبيلة أخرى" و تحقيق مقولة "خيرنا ما يديه غيرنا"، و بالتالي تعتبر "أهم إستراتيجية للحفاظ على وحدة الملكية أي وحدة الأرض لأن وحدتها من الأسس المادية التي يقوم عليها التحام الجماعة العائلية كأدنى وحدة دفاعية داخل القبيلة" إلا أنه لم يعد مقبولا من الناحية الحقوقية التي تستمد مرجعيتها من مواثيق دولية وقوانين مغربية بما فيها الدستور الجديد الذي ينص على المناصفة بين الجنسين.
أما الأراضي السلالية فتعتبر أراضي في ملكية الجماعة لذلك يطلق عليها أيضا اسم أراضي الجموع. وأراضي الجموع، هي تلك الأراضي المعروفة بأرض "الجماعة"، السلالية، العرشية؛ التي ترجع ملكيتها للقبيلة وليس للفرد، كان "يتم استغلالها والانتفاع منها عن طريق تنظيم "الجماعة" كأداة تنظيمية مؤطرة دخل القبيلة لفائدة العائلات المكونة لها وفقا لمنطق متكون من تقاليد وأعراف خاصة بها، قبل أن تتدخل الدولة في تدبير شؤون هذا النوع من الأراضي بخلق جهاز تابع لوزارة الداخلية، أصبح هو الوصي عليها بدل "الجماعة" مع صدور الظهير المنظم لأراضي الجموع عام 1965"
إن إشكالية أراضي الجموع ( الأراضي السلالية) لا تنفصل عن تاريخ انوجادها، بحيث أن "تنظيم استغلال هذه الأراضي يخضع لقانون يعود إلى الفترة الاستعمارية، مؤطر بظهير 27 أبريل 1917 وتم تعديل بعض مواده سنة 1965 لكن هذه التعديلات رغم قدمها فهي لم تمس جوهره". و بالتالي فجميع المشاكل المطروحة اليوم و المتعلقة بهذا الموضوع تستوي في توزيع أو الاستفادة من هذه الأراضي، مما يشكل خللا في انجاز الاستثمارات فوق هذه الأراضي، الشيء الذي ينعكس على واقع التنمية في هذه المناطق. من هنا، فإذا احتكمنا إلى العرف يصح لنا القول بان المرأة لا يحق لها أن ترث، و ذلك بغية الحفاظ على "نسبية" الأرض(نسبة إلى النسب)، "لأن المرأة تكون العنصر الذي يمكن بواسطته إتلاف الملكية الأرضية بحكم كونها الممر الذي قد يؤدي إلى نسب أخر". لكن هذا الأمر لم يعد قبولا في بعض الأعراف لعدد من القبائل العربية في اليمن، بحيث "لم تترك أبدا قانونها العرفي الذي يقضي ضمن ما يقضي به بأن المرأة لا تتمتع بأي حق من حقوق التملك" و كذا في إطار بطبيعة الحال التشريعات القانونية الحديثة.
لا يمر اليوم العالمي للمرأة دون الحديث عن وضعية هذه المرأة، و ما تتخبط في من مشاكل تتعلق بالاستفادة من أراضي الجموع، و كذا التطورات التي تعرفها. فهذا المشكل، "يلاحظ أنه تجاوز الحدود الوطنية ليأخذ بعدا دوليا زكاه اهتمام الهيآت و المنابر الدولية و المنظمات الحقوقية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة باعتباره مسألة تمس في جوهرها مبدأ المساواة بين الجنسين في الحصول على الحقوق الخاصة بهم في الإرث و الملكية و الاستفادة منهما".
من هذا المنطلق بدأت الحكومة المغربية و وزارة الداخلية على الخصوص بإيلاء الاهتمام بهذه القضية باعتبارها الجهاز الوصي على أراضي الجموع، "و هو الأمر الذي اعتبرته المنظمات الحقوقية مرحلة جديدة و قفزة نوعية تهم تدعيم حقوق المرأة المغرب".
زيادة على كون القانون ظاهرة اجتماعية بامتياز، يمكن تعريفه على أنه تلك القواعد القانونية الناتجة عن عملية التشريع أو المسطرة التشريعية المحددة في الدستور التي تحتكم لها جماعة معينة، بغية كبح سلوك الأفراد. فما يسمى "بالربيع العربي" أحدث نوعا ما انتقالا مهما على المستوى الدستوري بحيث يتم تحقيق "مبدأ المناصفة"، و بالتالي يحق للمرأة السلالية الاستفادة كغيرها من الرجال من أراضي الجموع على قدم المساواة. إن هذه الخطوة المهمة حاولت وزارة الداخلية القيام بها و ذلك عن طريق إصدار دوريتين هامتين :
-;- الدورية الوزارية عدد 60 بتاريخ 25/10/2010 بخصوص استفادة النساء السلاليات من التعويضات المادية الناتجة عن العمليات العقارية (الكراء و التفويت).
-;- الدورية الوزارية عدد 17 بتاريخ 30 مارس 2012 الخاصة بإعطاء حق الانتفاع للنساء السلاليات في الأراضي الجماعية.
و قد مكن تطبيق مقتضيات هاتين الدوريتين من تسجيل نتائج جد إيجابية كما تدل على ذلك حصيلة النتائج المسجلة من سنة 2011 إلى حدود نهاية شهر فبراير 2013 (انظر المبيان أعلاه ).
و خــتامـــــــا:
نحتاج إلى وقفة تأمل لتطوير وضعية المرأة بصفة عامة، فرغم كل هذه المعطيات لا يسعنا في الأخير إلا أن نقر بأن المرأة السلالية لا زالت تتخبط في مجموعة من المشاكل، رغم إعطائها الدستور الجديد لحقوقها في ما يخص هذا الموضوع. إن قضية المرأة السلالية و علاقتها بأراضي الجموع باتت تشكل "قنبلة موقوتة" في وجه الدولة، بحيث تنامت حالات القلق و التوتر في الآونة الأخيرة على غرار باقي المطالب التي يرفعها أصحاب الحقوق المهضومة.
المراجع:
- إدريس الكرش، المرأة السلالية: هل من مدونة تضمن الحقوق و تلغي الأعراف الجائرة؟، مقال صحفي.
- علي أنوزلا، أراضي الجموع... القنبلة الموقوتة، تحقيق، 2012.
- رحمة بورقية، المجلة المغربية للاقتصاد و الاجتماع، مطبعة النجاح، الدار البيضاء، عدد 7، 1984.
- ن.ج. كولسون، في تاريخ التشريع الإسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، ترجمة محمد احمد سراج، ط 1، 1992.
www.Terrescollectives.ma