عند أقدام الحقائق يراق الدم



ليندا كبرييل
2013 / 7 / 11

تناول الأستاذ يوسف أبو شريف المحترم في مقاله ( للحقيقة طريقة ) ، موضوع الكاتبة الألمانية المشهورة " إيفا هيرمان " التي تعرضت لحملة شرسة بسبب تصريحات جريئة لها ، عندما تحدثت بإيجابية عن العائلة المتماسكة التي كانت عليها في عهد النازية ، مشيرة إلى أن المصلحين اليوم أفسدوا أكثر مما أصلحوا في أمر المجتمع والمرأة والحياة الأسرية ، راميةً في الواقع إلى ردّ الاعتبار للعائلة المستقرة . لكن الجمهور توقف عند إشارتها للنازية ولم يلقِ بالاً لاعتذاراتها وبيان الهدف من تصريحاتها ، مما أدّى إلى سقوطها الإعلامي المدوي بعد أن كانت من أبرز وجوه المشهد الثقافي .
وبغضّ النظر عما إذا كانت " هيرمان " مخطئة أم مصيبة في طرحها ، فإني أتوقف عند رأي الأستاذ أبو شريف في الخبر :
" ليس للحقيقة قيمة إن لم نخترْ لها مكانها وزمانها المناسبين وطريقة لائقة للتصريح بها " .
أثار السؤال جملة أفكار في اتجاه آخر . وقبل عرضها أود أن أحييه على سؤاله الهام الذي اختتم به مقاله :
" لا ننسى ونحن نعلن الحقيقة أن نسأل أنفسنا : هل تهمّ تلك الحقيقة الملأ الذي نعلنها عليه ؟ هذا إن كانت أصلاً حقيقة " .
فإن دلّ هذا السؤال على شيء يتعلّق بمجتمعنا العربي فعلى المصيبة التي نزلتْ به .. مجتمع الرؤية الواحدة والاتجاه الواحد .. مرض الحقيقة الواحدة التي يريد أصحابها فرضها وبسط هيمنتهم بواسطتها على كل الأطياف باعتبارها الحقيقة الأسمى !
أما العبارة الأخيرة ( هذا إن كانت أصلاً حقيقة ) فليس لي أن أقول سوى أن الأستاذ وضع إصبعه على مكان الألم .
وهذا رابط الموضوع :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=363545
استدعى المقال صورة " أمينة السبوعي " ، التونسية التي أقدمتْ وعرّتْ صدرها تحدياً للسلطة البطريركية ، وتمرداً على الضوابط الرامية لتقييد النساء وإلزامهنّ بتفسيرات متطرفة لشؤون الحياة ، معتبرة هي ومنْ يؤيدها أن لا أمان للنساء في ظلّ القوى المحافظة في المجتمع التي تريد تحييد المرأة في عصر التحدي ، والعودة بها إلى العبودية في زمن الحرية .
والعمل التمردّي الذي قامت به أمينة هو مواصلة للطفرات الاحتجاجية التي عرفناها في تاريخ المرأة العربية .
وهنا يطيب لي أن أذكر قامتَيْن تاريخيتين من عاليات رائداتنا الثائرات ، أشْعلتا عصرهما بالمواقف والأحداث ، وشقتا الطريق بالعلم والثقافة ، وضربتا المثل في الحضور النسائي القوي .
أولاهما السيدة عائشة بنت أبي بكر وزوجة الرسول محمد ، التي كانت تتصدّر مجالس الحوار والإفتاء والمحاججات الرصينة . ولا شك أنها تربّتْ في جو الثقافة الذي أحيط بالرسول ، فاستقتْ منه مقدرتها وعلمها .
ثم .. الجليلة سكينة بنت الحسين بن علي ، التي أوقفتْ نظر التاريخ عند أول من افتتح الصالونات الثقافية . والذاكرة تحفظ لبيت أهلنا أنه كان بفضل بنت الحسين مسرحاً لتقاطع الحقائق ، مما هيّأ لإنتاج ذهنيات تحمل مخزوناً معرفياً ثرياً لقامات أدبية رجالية ونسائية رفيعة .
وسارت في خُطى هاتين الثائرتين حفيداتهما من شخصيات التاريخ القريب ك : مي زيادة وهدى شعراوي وسيزا نبراوي ومنوبية الورتاني ... وليستْ آخرهن المناضلتان وجيهة الحويدر وفوزية العيوني الماثلتان اليوم أمام المحاكم . بنت الحويدر الجريئة التي قهرتْ إحدى ( الحقائق ) الهزليّة الهزيلة : قرار منع المرأة من قيادة السيارة في السعودية .. ولا حتى قيادة حمار !! في الوقت الذي تقود أختها الغربية الصواريخ الفضائية إلى الأكوان البعيدة .
وها هي الثورات العربية تفرز لنا جيلاً نسائياً ، أعلن رفضه لصفة ( الجنس الناعم ) التي بنوا عليها أحلاماً شاهقة واهية ظنّوها ( حقيقة ) ، فإذ به يتحدّى الأسد في عرينه ويتصدّى بثبات وجَلَد للمسلَّم المدجَّنين عليه .
ورغم كل القيود ومحاصرة عوامل اليقظة القادمة من بلاد الغرب ، فإن رياح التنوير تهبّ وتنفذ من شقوق النوافذ المغلَقة مزيحةً الستائر المُسدَلة على النور .
لست الآن في صدد مناقشة عمل الشابة أمينة التونسية وخروجها عن المقرر ثم عليه ، لكني معنيّة بردود الفعل الضارية على عمل يخالف نواميس المجتمع ويعترض على شرائعه ، فيُسفَّه صاحبه ويُستَجْهَل ويُستَقبح ويُهبَط به إلى الحضيض والانحطاط .
تعجز الذاكرة عن حصر الشخصيات التي تعرضتْ للتهجّم والتشويه والعنف ، وحتى اليوم ما زلنا نسمع الأصوات المناهضة تتحدث بلغة الإسفاف عنها ، ويكفي أن أذكر من التاريخ المعاصر : العظيم فرج فودة ، والكبيرة نوال السعداوي .

{ منذ دخول النيجيرية " زليمار " المدرسة في القرية الصعيدية ، والزميلات يتجنّبْنها بوجوه يشيها الامتعاض ، وهن يردّدن أن لها رائحة كريهة تنبع من جلدها الأسمر الضارب إلى السواد . وكانت سلاطة لسانهنّ تُشعِرها - وهي الغريبة عن المجتمع - بسطوتهن الشديدة . لكن الامتعاض اليوم يخالطه القرف والاشمئزاز ، ولأول مرة عرفتْ معنى الإرهاب النفسي عندما اجتمعْن عليها في باحة المدرسة كالدبابير الهائجة ، ووصمْنَها بطريقة تنمّ عن الوعيد بالعيب والشذوذ عن الأخلاق والدين : الأنثى فتنة تمشي على الأرض وتجسيد للشيطان !
صحيح ! لستُ مختونة مثلهن ، لماذا ؟
سمعتُ عمّتي أم صابر تتحدث مع أمي حول هذا الشأن .
كان الافتخار بالختان يعدّ نقطة مضيئة تضاف إلى سجل المجاهدات لإعلاء قيمة العفة والشرف .
الشيطان الأسود .. عاوزة تدور على حل شعرها !
وغرقتْ زليمار في فيض من المرارة ينهش داخلها . الصمت جبن أحياناً .. دافعي . فاندفعتْ تردّ تهمة العيب والانحراف عن نفسها ونساء أسرتها بين نظرات الازدراء والتحقير . ولما شعرتْ بالحلقة تكاد تطبق عليها ، راوغت مشاعرها وذهبت إلى التغنّي بأخلاقهن والثناء على حرصهن على طلب الحق من مظانّه لتظفر برضاهن وعطفهن عليها . وهرباً من خشونة مخيفة أكّدت لهن كذباً تصميمها على السعي الجدي إلى هذه ( المكرمة ) التي ستسبغ عليها التقدير والاحترام . }

ترى .. هل تحتاج الحقيقة حقاً إلى طريقة لائقة لطرحها كما تفضل الأستاذ أبو شريف ؟
في هذه النقطة لا غير أختلف معه .
فأنا لا أجد كلمة ( لائقة ) مناسبة لقول ( الحقيقة ) .
الليْق هو فعل رَيق ، لا يُعرَف له وجه واضح أو حازم ، ولا يحمِل روح التحدي والطموح لتجاوز سقف معيّن ، فتكون المسألة المطروحة للمناظرة مدعاةً للاستخفاف بها أو التجاهل من العناصر المناهِضة لها .
الليْق يهذّب ويشذّب فحسب ، ولا يحثّ على البحث في الوضع القائم استعداداً لتغييرٍ قادم .
لا حقيقة مع اللياقة ، فهي تنأى بطبيعتها عن المجاملة ، وترفض الخروج من صالون زخرفة وتنميق . هي ليست من الميول والعواطف لِنتكيّس في عرضها .
الحقيقة من المفاهيم الصارمة في التجريد ، الصادمة للمتهامسين باللغة الملائكية ، الحازمة في التحديد ، الحاسمة في الإبانة ، تُحدِث خلخلة حتى لمنْ استغْلق عقله .

{ أغلقتْ " زليمار " باب الغرفة ، ووقفت أمام المرآة تتأمل جسدها .
أبسبب هذا الجزء الملعون في جسدها هي غير محترمة ؟ وسعْيها لبتْره يضفي عليها مكرمة ؟؟ هذا ميزان مغشوش !
ما دام زائداً يعرّها ويؤذيها ، أما كان الأسهل على الله أن يغدق عليها هذا الخير بمعرفته من أن يعرضّها لعذاب قطعه بشفرة قذرة على يد بشرية جاهلة ؟ هل .. يريد الله .. أذيتنا ؟
هل .. نسي .. هذا الجزء في جسدها ؟ لا عتب إذاً على أمها الناسية ..
يا إلهي .. لماذا تركتَني عُرضة لتحقير زميلاتي فوق قرفهن من لوني ؟ لماذا ؟
هل ستجرؤ على سؤال الله يوم الحساب ؟ لكنها حاسبته في ضميرها وهو يقرأ الضمائر . وانهارت باكية . }

الحقائق لا تنبت في المراعي الخضراء ، وإنما في بساتين الأشواك ، ولا تزهر على ضفاف الأنهار ، وإنما على حواف هاوية النار ، ولا تثمر إلا في أرض الانقلابات ، وتأبى أن تضع قدميها إلا في مجرى الثورات المتجدّدة ، تجري معها وتصبّ في عروق الأجيال البكر !
هناك فقط ميدانها الحقيقي .
لكن للثورات أهلها وأحكامها .
وأول بند في دستور الثورة أن يقبض رائدها على اللهب الحارق ، وأن يتنكّب قضية خارجة عن المألوف والسنن تحتاج إلى هزّ الأكتاف ، لا في الملاهي والبيوت المغلَقة وإنما في ساحات النضال المشمسة . وليست كل كتف قادرة على التكاليف الصعبة والمضي قدماً التحاقاً بالأفواج التي ساهمتْ في تغيير قوانين الطبيعة فجعلت الشتاءَ ربيعاً !

{ رددتْ " زليمار " أمام أمها أقوال زميلاتها قائلة إنها تخشى نار الشهوة ، والدين يحميها من الزلّة عندما يوصيها أن تحمل شرف التطهّر من الوباء الجنسي مثلهنّ . توهجَ التحدي في عبارات الأم :
لا تنذهليْ عن الحياة ، إنها شهوة تعمير الكون والإنسان يا ابنتي ، المختونة لا تعرفها ولا تعيها ، رأسها يحمل بداخله وعياً مطموساً وعقلاً يضمر القيمة التي تعتبر الأنثى مستعدة للخطأ دوماً ، وهي في أعماقها حاسدة لحريتكِ ، تحلم بها في يقظتها ومنامها وتتمنى زوالها عنك . ولأنها تعلم أنها لن تدرك سعادتك أبداً فإن حسدها يذهب بها إلى مدح هذه القيمة التي جرّدتها من حقها الذي وهبها الله .
إنهن لا يملكْن حرية الخيار ليرفضْن .
لا تتنازلي عن حقك في السؤال وفكّري ، أليس الختان اختراعاً لجسد جديد يعتدي على حق الله ؟
واسألي الله لِمَ خصّنا نحن بالذات ولم تجرِ العدالة على كل نساء العالم ؟
أم أننا خُلِقنا من بقايا طينة الأنعام والأغنام ؟
لكن العقل المرعوب من الخطيئة مضبوع ، وتمسّكت زليمار بموقفها أو العودة إلى قبيلتها عند جدّتها .
قبضت الأم على ذراعَيها بشدة وقالت بحزم :
لا هذا ولا ذاك ! ولن أكرر معك خطأ أهل أبيكِ معي .
الطهارة والعفّة تنبع من داخلك ولا تهبط من الأعلى .
التفتتْ ورمتْ ابنتها بنظرة نارية وصاحت :
حرّة أبداً .. بإرادتكِ ! القرار لا يأتي من أم أو مجتمع أو شيخ وإنما .. منكِ وفيكِ ! }

ليس في قول الحقيقة بلياقة إلا الموت للحقيقة .
وأرى أن الأستاذ أبو شريف محقّ تماماً في عبارته الأخيرة :
( هذا إن كانت أصلاً حقيقة ) .
ذلك أن الحقائق نسبية .
فما كان مقبولاً في يوم مضى أصبح مرفوضاً في الوقت الراهن ، بدءاً من دقائق الحياة وحتى حقائق المقدسات .
واليقينيّات ذاتها تختلف من بيئة إلى أخرى ومن شارع إلى آخر ومن إنسان إلى إنسان ، كشرب الخمر ، أكل الخنزير ، الختان ، الحجاب ، السفور ..... هذا مع العلم أنها من المسلّمات الإلهية التي يُفترَض ألا يكون فيها رأيان !
وما يُعتبر حقيقة وبديهة لقوم ، قد يكون دجلاً أو فكاهة أو غير معقول لقوم آخر .
فأن نرى الناس مثلاً في وسط الشارع بملابسهم الكاملة فضيلة نستحسنها ، وليس أن نراهم كما في بلادنا في وسط البحر بملابسهم نفسها إلا فضيحة نستهجنها ، ولكن البعض يرى فيها تحقيق المتعة في حدود الحشمة والأدب .
وإذا نظرنا إلى بعض القبائل البدائية وجدناهم نساء ورجالاً شبه عراة .. نياماً وقياماً ، براً وبحراً وجواً .
وكما نستقبح عادة ظهور نسائهم عاريات الصدر فإنهم يشفقون بدورهم على العقول الهلعة التي تنهزم عند أول كعب امرأة مكشوف .
وحتى في شوارع بلادنا نختلف على كمية ووزن الألبسة .
فقد نرى سيدة أكْسى من بصلة كما يقول المثل العربي لكنها تستبطن العري في سلوكها ، أو العكس كما في تلك القبائل .
وكل طرف يعتبر نفسه الممثل الحقيقي للأخلاق ومالك مفتاح الحقيقة !

{ أدركت " زليمار " أن قبيلتها وإن لم تعرف الختان ، إلا أنها تعيش الآن في مجتمع آخر يعتبره القيمة الأولى لتحقيق العفة ، ووصفة جمالية ، وجواز مرور إلى الزواج ، ويغلِّب سوء الظن إن لم تلتزم بتعاليمه .
لا بدّ أن أستجيب لتعاليم المجتمع .
أجابت الأم : وبإمكانك رفضها إن كانت متناقضة مع العقل والمنطق . }

كل الليالي تحمل صباحات مشرقة إلا ليل العرب ، حيث يتمنّون أن يطول ~~ ليشبعوا فيه طعاماً وتناسلاً .. ويقولون لك إن العرب لا يعملون إلا ستاً وعشرين دقيقة في اليوم !
تتزاحم في ليالينا الحقائق ، من السماء وإلى خصاص الأبواب ، حتى حجبت الشمسَ عن فضائنا . كأن الله لم يكن له ثقة بهذا القوم حتى خصّه في الماضي بكل هؤلاء الأنبياء وما زال يمدّهم بنسخ جديدة من النبوة .
مجتمع ينفرد بكل الحقائق ومعها بشتى النوائب والمصائب ، ولكن ..
العرب يديرون خطوبهم بالخطابات ، والشعر والشعارات ، والتصفيق الصفيق !!
بلادنا الفاشية ، عبارة عن معامل ضخمة لإنتاج أزياء من الحقيقة ، تفرضها بالقوة ، مُسنَدة بالمؤسسة الدينية ، فتعملان معاً على تكريس ( الحقائق ) بالإرهاب النفسي والجسدي وترسيخها عبر قنواتهما في المجتمع .

{ وكان للقدر كلمته . استيقظتْ " زليمار " ذلك الصباح لتجد أمها ميتة . ميتة !؟ نعم ميتة ، قالوا : جلطة قلبية . وعاد الأب المصري الذي يعمل في الخليج . دفنها في اليوم الأول وفي الثاني كان يضع يده بيد صديقه ليزوّج زليمار لابنه .
قال لها الأب يريدونها مختونة فالرجل لا يحب الزوجة الشبقة والمتسلطة !!
غاب الأسد فترك الغابة بلا حماية ، تصول النابِحة فيها وتجول المتوحِّشة . رجتْه أن تعود إلى كنف جدتها لأمها في نيجيريا ولن تطالبه بقرش .. فردّ بعنف : والمزرعة التي ستأتي مع العريس ؟ لن يأتينا في كل يوم مثل هذا النصيب .
أيبيعني لذاك الذي تشي قسماته بالسذاجة الفارطة والغباء ؟
وعهد بابنته إلى عمّتها أم صابر . }

يحقّ لنا ونحن نعيش في عصر حقوق الإنسان أن نرجو لأنفسنا مستقبلاً مضيئاً ، لذا نرفض فرض الوصاية على الحقائق من أية جهة كانت ، فاحتكار المعرفة تفكيك عن حريتها وتفريغ لها من استقلالية القرار .
وبفضل فلاسفة الغرب الذين ناضلوا بجسارة حتى جعلوا الحقائق المطلقة قيماً إنسانية لا تمفصل بينها وبين السلطة الدينية أو السياسية ، نتطلّع اليوم إلى عصر نتخلّص فيه من الهيمنة المطلقة على دقائق حياتنا ، سياسية كانت أم دينية ، حتى حوّلت واقعنا إلى لوحة كاريكاتورية مضحكة مبكية .
ولولا إنجازات عصر النهضة لكان حرق الفلاسفة وكتبهم متواصلاً ، وظللنا حتى اليوم نسعى لشراء صكوك الغفران ، والكنيسة توصي الزوج أن يشدّ (حزام العفة ) على زوجته قبل خروجه ، ولولا الثورة الثقافية لظلتْ قدما المرأة الصينية محبوستَيْن في القالب الحديدي أو الخشبي بعد كسر الأصابع كي تنثني قدمها فلا تقدر على الخروج من البيت تجسيداً لتعاليم كونفوشيوس الأخلاقية حول التهذيب وطاعة الزوج ، و .. ..
وآآ~~ ه يا بنات جنسي .. آه ~
حطّم الرجل العربي الرقم القياسي في الامتثال لتعاليم تعود إلى عصر سحيق . فإن كان تاريخ قالب القدم الصيني يعود إلى ألف عام قبل الميلاد ، فإن الختان يعود إلى عصر الفراعنة ! وما زال ينتعش اليوم على أيدي المتعلمين الجهّال !!
ترى .. هل تعاليم العقيدة عاجزة عن ضبط السلوك الجنسي والخلقي للمرأة حتى يطالب مختومو القلب بالختان ؟
ألا يتجاوز مختونو العقل حضورَ الله الذي لم يأمر بالختان عندما يسندون لنبيّهم هذه العادة اللاإنسانية في حديث ضعيف ؟
لمَ لا تلتزم السعودية معقل الدين بهذه الجريمة الهمجية ؟ أجيبوا .
ضعْ الحرام ولا تترددْ أمام ناظرَيْ المؤمن لأرى ثبات قلبه على دينه وتمسّكه بأوامر الله ونواهيه !
تنتفي جدّية حجة العفة في ظلّ الالتزام الخلقي والأدبي عند غير المختونات ، كذلك في وجود الانحراف عند المختونات إثبات قاطع لضعف ادعائهم .
من موقعي هذا ، أطالب ( بقوة ) بتطبيق الأمر الديني في ختان الإناث على كل الدول الإسلامية إسوة بالمصريات والسودانيات والإفريقيات !
وسنقتدي نحن المسيحيات بأخواتنا المسلمات ما دامت مكرمة وعملية تجميل وسنة حميدة تبعدنا عن الفتنة والرذيلة .
ألم يحلّلها الرسول لأنها مكرمة للنساء وأحظى للمرأة وأحبّ للبعل ؟ انظرْ أيها النبي من علوّك المقدس كيف يفرّطون بتعاليمك ..
لماذا لا يعرفها أحفادكَ على الإطلاق في المشرق ولا نسمع الشيوخ يطالبون بها ؟
أليس الإسلام واحداً لا يتجزّأ ؟ هل نساؤكم غير نسائنا ؟ هل رجلكم يعرف الغيرة على المرأة والحفاظ عليها كالجوهرة أو كقطعة حلوى ورجُلنا رِجْل كرسي يرضى الفجور لأهله ؟
أطالب شيوخ المسلمين بأن تتساوى كل النساء في وحدة المصير ، وتطبيق أمر الدين بجدية ، أو فلْيجتمعوا ويقرروا رسمياً وبشكل قاطع أنها ليست من الدين . واقْطعوا من بعدها الزائدة الدودية في أفواه الثرثارين المتاجرين بقضايا المرأة !
وأما إذا لم تتفقوا فهذا يعني أن هناك منْ يخالف معلوماً من الدين بالضرورة ، وأن أوامر الدين لا تستحق منكم الاحترام إلا إذا تعلق الأمر بمزايا الرجل !
هلمّ وانشروا هذه العادة ما دامت إسلامية أصيلة حيثما وُجِد الإسلام واخْلِصوا في وفائكم لتعليم الدين أو امنعوها تمااااماً .
هزل الهازلين يشتدّ بصمت الصامتين .
قول هذه الحقيقة لا يحتاج إلى لياقة وإنما إلى صفاقة .

{ حضّرْن ل " زليمار " الشربات ، وخضّبْن كفّيْها بالحناء ، وثوباً جديداً .. الأحمر يحمل الفال الحسن ! انطرحت أمام الداية فوق طاولة الذبح المقدس ، وقلبها يدقّ بعنف وخوف ، والنساء حولها يضحكن ويمضغن اللبان .
ذات يوم طلبتِ الختان بنفسكِ فأثنتْكِ أمك المرحومة ، ماذا حصل اليوم ؟ هبّي من رقدتكِ ، استثيري ما بأعماقك من مقاومة تستمدّين عنادها من كلمات أمك .
سبق السكين العذَل . وهوتْ الشفرة الجاهلة تدمّر عناصر الحياة بلا رحمة كما يهوي المنجل على السنابل فيقطع صلتها بالأرض ليصبح جسدها حطباً ورأسها طعاماً للآخرين . أطلقتْ صوتاً رفيعاً حاداً ثم غاب لحظات ليعود أشدّ وأعمق .
كل ذبيحة جديدة لا بدّ أن تذوق الألم التاريخي وتذيقه لمنْ بعدها !
أيمكن لألمٍ فقد عقله أن يحرّك قلباً فقد رشده ؟
شهقت زليمار وقد جحظت عيناها ، وصدرها يعلو وينخفض ، والدماء تسيل ، والنسوة تعلو أصواتهن بالأدعية ويصبّرْنها ، والدماء تسيل . تتطلّع إلى الله ليلتقطها من عذابها لكن السماء كانت صامتة .
تتزحزح الجبال ، وتنشف الأنهار ، ويذوب جليد القطب ، وحده الصراخ التاريخي لم يتغيّر !!
لملمت قواها وأطلقت نحيباً شقّ حنجرتها فأخذتها شرْقة ، ومع كل سعال يخرج من أعماق صدرها يتدفّق الدم من الجرح ويطرد الحياة من عروقها ..
يا ربّ ! هبْني أمل الحياة .. تستغيث بأمها ، تقلّب رأسها يمنة ويسرة فيتراقص كل شيء وتتقافز الأشباح حولها . ترهّل الصوت ثم بحّ ، ثم أخذ يغمرها عنفوان ظلمة ، وحركة خدْر تسري في الجسد الواهن ..
هاتوا اللبان .. نزيف .. خذي الرماد .. قطن . شاش .
وتمكّنتْ قذيفة ألمٍ من صدرها قبضتْ على شهقاته ، فتلاحقتْ في أنين مكتوم يشقّ عتمة الموت ، ثم تقطّعتْ فتباعدت والموجات الهائلة من الوجع المتصاعد تنعقد عبوساً على القسمات وعضّاً على النواجذ وانقضاضاً على مسرى الحياة في عنقها ، وتراخت مقاومة الجسد ، لكن حركة ندّت عن يديها كأنها تقبض على جمرة الحياة التي بدأت تنطفئ في العينين المرتقيتَيْن ببطء مدارج السماء ، ثم انطلق منها صوت كحشرجة الهلاك .. وغاب ..
.... الطبيب .. مستشفى . لِمَ الزحام ؟ . ختان . زمرة الدم أ.. لن أكرر الخطأ معكِ .. الحق عليه .. أبي .. همستْ بضعف : رح.. متك .. يا .. رب . استجمعتْ أطراف أشلاء وعي يذوب في عتمة غير مرئية ، فإذ بالضباب ينشق عن وجه أمها تمدّ يديها تناديها : تعالي إليّ يا حبيبتي زليمار .. ما أبخس جزاء حياتك القصيرة يا ابنتي !
غامت الوجوه ، وجه الله ، وجوه كائنات هلامية بلا رأس ولا وجه ، وأخذت تنحلّ في وعيها ، بهدوء تتباعد ، برفق تتفرّق .. ابتسمي لجدّتك .. يا لهذا الضجيج ! نيجيرية .. برْد .. زليمار أنا أبوك .. منْ ؟ أمي ~~ .. أم ..ي .. أم .. أ ........
......................................................
فترت العينان ، وعلقت النظرة الباردة في السديم الأعلى ، ودخل الوجه الأسود في عتمتَيْن . }

لماذا يخشى الرجل المرأة ؟
الحقيقة بلا لياقة لأن المرأة لو حصلت على حقوقها والجنسية من بينها لملكتْ نفسها وحدّتْ من سلطة الرجل عليها ، إنه يريدها دوماً خانعة ، خاضعة .
نظرتُ في عبث الرجل وصناعته للحقائق ، فوجدت أن صنعة ( إله صغير على الأرض ) أكثر ما لاقى هواه .
أدرك الرجل جدلية المعرفة والتحرر ، والتلازم الوثيق بين الوعي وتنمية الملكات العقلية لامتلاك الحضور ، فخشي طوال التاريخ من تمرّد يقوّض الميزات التي يحظى بها ويستعلي ، فكان أن خلق قيود المرأة بنفسه ، مسنِدها إلى قوة عليا مقدسة لتستمدّ شرعيتها كمسلّمة غير قابلة للنقاش .
ويبقى السؤال الأخلاقي :
أنكون فداءً ذليلاً نحن النساء لمجتمع ظالم يعيش على التهام عقولنا وأجسادنا ليتحقق ثابت مريب ؟
أم نقوّم حياتنا باللجوء إلى حرية فاسقة بنظر ( عنترة ) لنستوهب العدل العزيز ؟
إن جريمة الختان الدموية اللاأخلاقية ، هذا الوجع التاريخي ، تحتاج إلى وقفة من الشعب المصري مماثلة للتي يقفها اليوم ضد الشيوخ الداعمين لها ، وما دمتم واقفين وواقفين في ميادين البطولة العملاقة التي تليق بكم فلِمَ لا تضمّون لأمجادكم شعار :
لا للختان ؟!
مسكينة أنت أيتها المرأة العربية ، اختصروكِ فختنوكِ في ثلاثة : شعرك .. ونظرك .. و ....... ومنهم لله .
القفزة الاستثنائية في العصر السقيم عمل عظيم !!!