المرأة بين الديانات التوحيدية الثلاث



إدريس الغزواني
2013 / 8 / 3

"لا أحب أن أكون يهوديا و لا مسيحيا و لا مسلما أكثر من أني أحب أن أكون إنسانا أولا"
بداية، إلى أي حد شكلت المرأة و الأنثوي أحد المواضيع الأساسية للدين ؟. كيف يحضر الجسد الأنثوي فيه باعتباره جنس آخر؟ ، و إلى أي حد توفق الدين في إحقاق المساواة بين المرأة و الرجل ؟.
أسئلة و أخرى سأحاول من خلال هذه الورقة أن أخدش جنباتها – الآن و هنا – بالبحث و التحليل، ممتطيا زمن الماضي و الحاضر و مسلطا الضوء على هكذا مواضيع ، التي تدخل في إطار المسكوت عنه و اللامفكر فيه . من هنا، فإن استدعاء هذا الموضوع، هو في الآن عينه سفر نرتحل فيه إلى دروب السوسيولوجيا و البحث في معنى الإنتماء المحتمل . إذن، من هذا المنطلق تشكل ثلاثية اليهودية، و المسيحية، والإسلام، ثلاثية مفاهيمية متراصة و متموضعة، اتخذت من المعتقد محتوى لها، لتستوي في ما يسمى و يعرف ب"الديانات التوحيدية الثلاث". إن الكثير من الدارسين و الباحثين في التاريخ و الدين يعتقدون و يقرون على أن هذه الديانات الثلاث هي نوع من الامتداد و الاستمرارية لديانات و معتقدات خلت، و ما هي إلا تطور دياليكتيكي لمفهوم الديانة. أما كلمة التوحيد فهي ليست إلا قناع سياسي يروم فرض نوع من الهيمنة السياسية على الشعوب الأخرى {باسم محمد حبيب}.
إن هناك حقيقة لا مرية فيها و ربما لديها نوع من الصدق الأنطلوجي هي، أن الحياة بدون شيء نؤمن به و نعتقد فيه، أو بمعنى آخر أن الحياة بدون معتقد و بدون عملية تدين قد تكاد تكون عشوائية أو بمعنى أصح كما يقول أحد القضاة البريطانيين (ديننغ): "... بدون دين لا يمكن أن تكون هناك أخلاق، وبدون أخلاق لا يمكن أن يكون هناك قانون" و بالتالي فالدين هو المصدر المعصوم الذي يعرف منه حسن الأخلاق من قبيحها، والدين هو الذي يربط الإنسان بمثل أعلى يرنو و يتوسل إليه، ويعمل له، والدين هو الذي يحد من أنانية الفرد، يكبح ويكفكف من طغيان غرائزه، وسيطرة عاداته، ويخضعها لأهدافه ومثله، ويربي فيه الضمير الحي الذي على أساسه يرتفع صرح الأخلاق. و منه يمكن القول باختصار أن الدين ليس في شقه الحامل للشعار و المفهوم المجرد الذي يتمظهر على أنه علاقة روحية بين خالق و مخلوق، بل في شقه العملياتي و الممارساتي، بأنه قانون.
إن تخصيص الإسلام في القرآن سورة بكاملها للنساء، و كذا تناول الديانة المسيحية و كذا اليهودية لهذا الموضوع سواء بالسلب أو بالإيجاب، دليل على الحضور القوي للمرأة سواء في علائقها الواقعية أو المفترضة في هذه الديانات باعتبارها جنس آخر. و هذا لا يعني بطبيعة الحال غيابها في مختلف الشرائع القديمة السابقة، إذ تناولتها على سبيل المثال شرائع الهند و المجتمع الروماني. و منه فإذا كان أغلب الفلاسفة الذين لهم أفلام درامية و قصص بوليسية مع المرأة كذات و ككينونة و كذا كموضوع للدراسة، نظروا إليها على أنها في بعض الأحيان كالقطة التي ما إن أنت مررت يدك على ظهرها حتي ترفع لك مؤخرتها، أو أنها مخلوق ليس من جنس الرجل لكنه التفت حوله و لم يجد غيرها فتزوجها ( نيتشه و شوبنهاور)، أو أن المرأة مشكلة صنعها الرجل عن عمد. فإلى أي حد أو كيف تنظر الديانات السماوية إلى المرأة ؟.
إننا نحن في هذا الهنا لا يصح لنا أن نسقط في تلك الادعاءات المغرضة التي تدعي بأن الديانات الثلاث لا تتلاءم مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان، ويتناسون الظروف الاقتصادية والسياسية التي تلعب الدور الأهم في تدني وضع المرأة في المجتمعات، و ما يفسر هذا الأمر تدني وضعية المرأة في مجموعة من المجتمعات لا تدين بالإسلام، و كذا التشدد في تفسير الدين واحتكاره من بعض رجال الدين الذين يفسرون الأديان بشكل متشدد ورجعي. و منه، فإن الإسلام اعترف للمرأة على أنها إنسان، أما اليهودية و المسيحية فلم يعطوا للمرأة هذه المكانة أو لم يعترفوا بأن المرأة إنسان مثلها مثل الرجل. فمثلا جمع المذكر السالم في اللغة العربية يشمل النساء و الرجال على حد سواء، لكن الله في القرآن الكريم يحب أن يؤكد على إنسانية المرأة و يوجه لها الخطاب مباشرة حتى يجعلها على قدم المساواة في جميع الميادين: فالمرأة تؤدي جميع الفرائض مثلها مثل الرجل كالصلاة و الحج و الصيام مثلا. ليس هذا فقط بل أحق استقلالية المرأة في الحصول على الثروة و الحق في الزواج مرة اخرى بعد طلاقها ،هذه الحقوق لم تنلها المرأة المسيحية إلا في السبعينات من القرن الماضي. لكن المشكل لا يكمن في الدين الإسلامي، بل على العكس المشكل يكمن في من يدين بهذا الدين، أي المسلمون كرجال الذين يتمتعون بقاضبية صارخة هم جروا الفكر إلى التشديد على اختلاف داخلية المرأة و هم من حرموها من هذه الحقوق و استحوذوا على كل السلطة سياسية و قضائية و تشريعية و جعلوا المرأة مجرد أنها للمتعة أو إنجاب الأطفال و تربيتهم رغم أن هذا هو الدور الأول و الرئيسي للمرأة، لكنها هذا لا يمنعها من تحقيق ذاتها كطبيبة و قاضية ووزيرة و لما لا تكون ملكة مثلها مثل الرجل.

أما الشريعة اليهودية فلا تساوي بين الرجل والمرأة حتى في مسألة العقاب والثواب، فالرجل مثلا يبرأ من ذنبه أما المرأة فلا، "ففي الإصحاح الخامس من (سفر عدد) ورد النص الصريح التالي حول تلك المسألة: هذه شريعة الغيرة إذا زاغت امرأة من تحت رجلها وتنجست، أو إذا اعترى رجلا روح الغيرة فغار على امرأته يوقف المرأة أمام الرب ويعمل لها الكاهن كل هذه الشريعة فيتبرأ الرجل من الذنب وتلك المرأة تحمل ذنبها". إن هذا النص يعكس واقع الرجل اليهودي في حالة التخلص من الذنب و ذلك على حساب المرأة، الشيء الذي لم نعهده في الإسلام، اللهم إلا في المجتمع العربي في العصر الجاهلي الذي يكن بأقل قسوة من الشريعة اليهودية في معاملته للمرأة، و شيوع بعض العادات التي لا علاقة لها بالإسلام حتى بعد مجيئه (كعادة الوأد)، أو اعتبار المرأة عورة أو عارا.
لكن و الحال عندما نتحدث عن المسيحية نجد السيد المسيح قد كرم المرأة وأعلى من شأنها، فمنع الطلاق وحرم الزواج بأكثر من واحدة وهو ما لم يكن مسموحا قبل تعاليم السيد المسيح وهكذا ترث المرأة زوجها المتوفى وهي لا تصبح إرثا لشقيق زوجها المتوفى كما هو الحال في الديانة اليهودية. وقدم الرسل العديد من التعاليم التي تخص المرأة ومنها قول النبي يسوع عليه السلام:" الرجل رأس المرأة مثلما أنا رأس الكنيسة" وفي رسالة الرسول (بطرس) ورد النص التالي: "عيشوا مع نسائكم عارفين أن المرأة مخلوق أضعف منكم وأكرموهن لأنهن شريكات لكم في ميراث لقمة الحياة ".
إن ما أريد أن أؤكد عليه من خلال هذه الورقة ليس هو استطاعتي مناقشة و تحليل هذا الموضوع بشيء من التفصيل لأن هذا يحتاج إلى وقت و إلى تأليف كتاب، بل خلق حوار بسيط مع هكذا مواضيع لعل هذا يدفعنا إلى التعمق في الموضوع بشكل كبير. لهذا لا يسعني إلا أن أحث القارئ على مساءلة مثل هذه المواضيع نظرا لأهميتها رغم تعقدها، لهذا أقول لكم: اذهبوا إلى حال سبيلكم فإنكم لن تجدوا عندي أجوبة لأسئلتكم....