لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 1: جرد تاريخي لمكانة المرأة



أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 6

يبدو، من البحث التاريخي، أن أقدم قضية اضطهاد في كل الحضارات، والإرث البشري هي قضية ظلم واضطهاد المرأة، التي غالباً ما عانت التمييز السلبي ضدها، والنظرة الدونية باتجاهها، ومنعها من القيام بدورها التاريخي في هذه الحياة، فدائماً كانت المرأة أقل من الرجل شأناً، بل لم ينظر إليها على أنها من البشر. وهذه بعض ملامح الظلم التاريخي للمرأة،
فها هي أعرق الحضارات، الحضارة اليونانية، بكل إرثها، وتراثها، وفلسفاتها، وأفكارها وفلاسفتها، تنظر إلى المرأة نظرة دونية، ففي "الديموقراطية" اليونانية المنقوصة كانت المرأة تحرم من التصويت والترشح لأنها كانت تعتبر نصف إنسان أو ما يشبه الإنسان، وعليه فهي ناقصة كالطفل. وليس هذا فحسب، بل وصلت درجة احتقار المرأة وامتهانها إلى أن اعتبرت رجساً من عمل الشيطان، وأداة إغواء، ووسيلة إسقاط في يده.
وكانت المرأة، في بعض الأحيان، تباع وتشترى، ولأنها "نصف إنسان" فقد كانت تمنع من مجالسة "الإنسان الكامل"، أي الرجل، فجلوس المرأة إلى جانبه تعتبر إهانة ما بعدها إهانة. ودائماً كان هناك وصي عليها-في حال المعاملات القانونية- بدئاً بالأب، ومن ثم الزوج، وإذا توفي الزوج أصبح ابنها الأكبر وصي عليها، فالمرأة مسلوبة الحقوق الشرعية.
وأصبحت المرأة في قمة النهضة اليونانية رمزاً مادياً للجمال، وتحولت إلى متاع، وبالتالي لم ينظر إليها ككائن حي.
ووجدت عادات متوحشة جاهلة مثل تقديم المرأة كقربان لآلهتهم في حال غضب هذه الآلهة عليهم، وشهدت في فترات من الحضارة اليونانية تعدد الزوجات بدون أي مانع، أو تحديد.
ويكفي أن نطلع على أقوال أعظم فلاسفة التاريخ واليونان لندرك ونستوعب مدى سلبية المرأة بالنسبة للرجل في ذلك العصر،فعلى سبيل المثال، يقول سقراط "إن وجود المرأة هو أكبر منشأ، ومصدر للأزمة والانهيار في العالم"!! ويقول أرسطو " المرأة رجل غير كامل، وقد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من الخلقة، وأن المرأة للرجل كالعبد للسيد، والعامل للعالم، والبربري لليوناني، وأن الرجل أعلى منزلة من المرأة."
ولم تكن حال المرأة أفضل من ذلك في العصر الجاهلي عند العرب، حيث كانت المرأة عاراً ويجب أن توأد منذ الصغر، أي أن تدفن وهي على قيد الحياة فقط لأنها خلقت أنثى، وما أبشع من هذه الجريمة!
وكان يحق للرجل أن يملك من النساء ما يشاء وبأساليب متنوعة وكأنها أداة من الأدوات، ووسيلة لإشباع الحاجات فقط، فعلى سبيل المثال، كان الرجل يرث امرأة أبيه بعد موته، ويحق له التصرف بمالها أو يحبسها، فكانت المرأة ورثة يرثها الرجل مع أموال أبيه، ولا يحق لها أن ترث.
والمرأة في الحضارة الرومانية كانت كما هي في غيرها من الحضارات؛ مضطهدة، مظلومة، منبوذة، لعنة من لعنات الرب، وأداة إغواء شيطانية، وكان ينظر إليها من منظار الاحتقار والدونية.
وكانت بعد الزواج تمنع من التواصل مع الأهل وبالتالي العزلة الكاملة عن عائلتها، حيث تمنع المرأة من رؤية أهلها أو التواصل معهم! وكانت تورث، ويوضع قفل على فمها لمنعها من التكلم رغم أنها ممنوعة من الخروج ومعزولة عن العالم إلا زوجها وأولادها.
في العصور الأوروبية الوسطى كانت المرأة-كما في غيرها من العصور- لعنة في الأرض، ونجسة و رجس من عمل الشيطان. وكان على المرأة أن تخجل لمجرد أنها امرأة!
وظهرت في العصور الوسطى أقفال العفة، وهي أقفال تربط حول خصر المرأة لمنعها من الخيانة في غياب الزوج، والتي تعبر عن مدى الظلم والاضطهاد التي كانت تمنى به المرأة، ودلت هذه التصرفات على مستوى خسة ودناءة وتوحش الرجل بشكل عام، والطبقة الحاكمة بشكل خاص، حتى إن الأمر وصل بالرجل لبيع المرأة كما في إنجلترا في القرن الحادي عشر( لم تكن إنجلترا كما نعرفها اليوم، بحدودها وقوميتها، ولغتها الخ).
والمرأة اليوم، في الوقت المعاصر، ما زالت تتشرب كأس الذل والهوان رغم أن مكانتها اختلفت كثيراً عما كانت عليه من قبل، ففي الدول الغربية مثلاً، تتمتع المرأة بالمساواة التامة مع الرجل، وتربى على هذا الأساس منذ الصغر. وتملك المرأة نفس الحقوق والواجبات كما هي الحال بالنسبة للرجل، فتتمتع بالتعليم والحرية، وحق العمل والاختيار، ولها صوتها المسموع في المجتمع. ورغم ذلك، ما زال الموروث الثقافي الحامل لتحقير المرأة له أثره في أكثر الدول تقدماً، حيث تشير إحصائية على أنه في فرنسا وحدها تموت ثلاث نساء، على الأقل، سنوياً بسبب العنف ضد المرأة.
وما زالت أيضاً النظرة الجنسية باتجاه المرأة حاضرة بقوة، حيث تظهر المرأة في الدعايات والترويج للمنتجات بصور عارية وكأنها مجرد تشكيل مادي للإغراء وليست كائناً بشرياً له روح.
وفي العالم العربي حدث ولا حرج عن الانتهاكات بحق المرأة-من ضرب وقتل وسلب-، فرغم أن النظرة إلى المرأة تطورت إيجاباً، إلا أنها لا زالت دون المستوى المطلوب بكثير، وتحتاج إلى الجهد الكثير، والعمل المثابر لكي تصل إلى مرتبة نظيرتها الأوروبية.
فلا صوت يعلو صوت الرجل الشرقي، ولا صوت أخفض من صوت المرأة في العالم العربي.
فالمرأة في العالم العربي ما زالت رجساً من عمل الشيطان، وكائناً ليس عاقلاً خاضعاً للرجل بمشيئة إلهية!
والآن تبدو الصورة أكثر وضوحاً من ذي قبل عن مدى الظلم الواقع على المرأة الإنسان، وحجم المعاناة والألم المتراكم على كاحلها طوال العصور المختلفة والمراحل التاريخية المختلفة، وكأن الحضارات، والإمبراطوريات، والدول الدائمة النزاع، لم يبنوا جسراً واحداً بينهم إلا جسر ظلم المرأة واستعبادها، مؤامرة كونية!