لماذا نناصر المرأة في صراعها التاريخي؟! 2: دوافع عامة



أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 7

كما تم التوضيح في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، إن المرأة كانت وما زالت-رغم التقدم الملحوظ الذي أحرزته- أقل درجة من البشر!، أي الرجال، وهكذا حالها دوماً باستثناء حقب معينة في ثقافات معينة. لكن لماذا أناصر قضية المرأة أنا كإنسان عادي؟
أولاً، المرأة كالرجل، إنسان، فالذكر والأنثى مكملان لبعضهما البعض بشكل نصفي، ولا يوجد الفارق الإلهي المهيمن الذي يجعل لأحدهما الحق في تملك الآخر أو سلبه حياته وتحنيطه. فالفرق الوحيد هو الفرق البيولوجي، حيث أن الرجل يمتلك كتلة عضلية أكبر، وجسم أقوى من الكتلة العضلية، وجسم المرأة، لكن في المقابل، متوسط عمر المرأة بشكل عام أكثر من متوسط عمر الرجل بما يقارب ثلاث سنين. وكنتيجة لذلك، فإن المرأة والرجل يملكان سمتين بيولوجيتين مختلفتين يوازيان بعضهما في القوة إذا ما أردنا التدقيق، فلا تمييز ولا أفضلية لأحدهما على الآخر، بل إذا أردنا التمادي وسؤال "الجاجة مين جابها، والبيضة مين باضها؟" فإن للمرأة أسبقية على الرجل.
وأما الأوهام المنتشرة بأن عقل الرجل أنشط وأقوى من عقل المرأة بالفطرة، أو أن الرجل يتحكم فيه عقله، والمرأة تتحكم فيها عواطفها بحكم الطبيعة وقوانينها، فهذا يحتاج لتبيان؛ فقد عاشت المرأة طوال التاريخ في حالة اضطهاد وظلم، وكانت غالباً تمنع من التثقف والتعلم، أو الخروج ومعاملة باقي البشر، وبالأخص الرجال، وكان لهذا السجن التاريخي، أثر سلبي تراكمي على عقلية المرأة وتوازناتها الداخلية.
فمعلوم أن وعي الإنسان، ونظرته للحياة تتشكلان خلال احتكاكه بالعالم المادي المحيط، والمرأة كانت وبقيت حبيسة غرفة صغيرة-معنوياً ومادياً- ومقصورة على الأخذ الثقافي والمعرفي والتربوي من الزوج أو الأب والأم، وما يترتب على ذلك من تشكيل حدود عقل المرأة ووعيها بما يريد المجتمع، وذراعه القوية، أي العائلة.
حتى أن المرأة أصبحت تظلم وتضطهد نفسها، وبني جلدتها في حركة ميكانيكية ثابتة. فهي كانت، وما زالت-في بعض المجتمعات- كالطفل الصغير المسلوب الإرادة والحرية، الحرية العقلية النافذة للمعتاد والمألوف، والتي تتطلب بالأساس اختراق في الحياة المادية والتراتبية الشاذة عن الطبيعة. فلا حرية عقلية وتغيير جذري بدون حرية مادية تساهم في تشكيل جديد للوعي، وإدراك جديد للحياة، واختراق العادة.
لكن في الطرف الآخر، كان الرجل يخرج ويخالط ويسافر ويتعلم ويتثقف، وعليه فإن عقله وقدراته الذهنية تطورت عبر التاريخ لتتسع الفجوة بين الرجل والمرأة بشكل عام أكثر فأكثر.
فقد وصل الرجل إلى المستويات العليا من الوعي والثقافة والقدرة على السيطرة أيضاً، بحيث يخترع أساليب جديدة للسيطرة على المرأة في كل عصر.
فتخلف المرأة وجهلها هي مجرد نتائج للوضع المزري التي عاشت فيه وما زالت تعيش فيه المرأة. وهذه المرأة الجاهلة التي يحتقرها الرجل ما هي إلا صناعة يديه وتشكيل تربيته الذكورية.
أما وغياب قطبية العقل والعاطفة عند المرأة، لأن المرأة تسيطر عليها عواطفها فقط، فهذا له أسبابه الأولى. فعندما غيب عقل المرأة، ومنعت من استخدامه، وقمعت كل محاولة لاستخدامه من الطبيعي أن تتضاءل قدرته وتنقص يوماً بعد يوم بدلاً من الازدهار الذي يحدث لعقل الرجل.
العقل كالجسد، يحتاج للغذاء والشحذ والتمرين، وعند غياب مثل هذه الحركات فإنه يتلاشى مع مرور الزمن، ويصبح العقل في هذه الحالة كالصندوق الفارغ، والمغلق بعشرات الأقفال الاجتماعية الذكورية الرجعية لوأد أي محاولة للنهوض.
فمفتاح الانفراج بعد هذا الانسداد التاريخي العظيم هي منح المرأة الحرية التي يتمتع بها الرجل، أي أن تكون سيدة نفسها بلا منازع، وأن يعترف بقدراتها العقلية والذهنية.
وأستطيع الحديث عن سبب آخر له أهمية كبيرة في أسباب مناصرتنا للمرأة، وهو أن المرأة تشكل على الأقل نصف عدد سكان العالم، وإقصائها وإزاحتها عن المسار الحياتي يعني تجاوز نصف السكان، وبتخطينا للأطفال وكبار السن، لن يتبقى للإنسانية إلا القليل من الشباب الذكور الذين يلقى على كاهلهم التطور الاجتماعي، والسياسي، والثقافي، والتكنولوجي، والمعرفي، والاقتصادي الخ.
وما ينجز من التطور الكمي والكيفي، وما يحدث من تراكم معرفي وعملي في كل جوانب الحياة في عشرين سنة من قبل المذكور وحدهم، يمكن أن ينجز في فترة أقل بكثير تصل إلى النصف في ظل مجتمع "إنساني" يتشارك فيه الرجل والمرأة جنباً إلى جنب في بناء حضارتهم وملحقاتها.
الارتقاء الحضاري بكل جوانبه لا يمكن أن يحدث بدون مشاركة فعالة من المرأة، أو على وجه الدقة لا يمكن اكتمال هذا الارتقاء. فالتطور يفترض مشاركة وإسهام كل المجتمع، لذلك يصل هذا الصعود إلى عقبة غياب المرأة عن العمل مع الرجل في مرحلة من المراحل. ومشاركة المرأة هي المفتاح لهذا الباب المنيع الضخم أمام استمرار السير على طريق التطور والارتقاء الذي يعيشه البشر منذ بدء الخليقة.
أوروبا واجهت هذا الطريق المسدود في مرحلة من المراحل وأدرك الأوروبيون أنه بدوه مشاركة حقيقية مع الإنسان الآخر، المرأة، فإن التقدم لن يحدث، وسوف يبقون خلف الأسوار لتسبقهم الأمم الأخرى، فأسرعوا في إعطاء المرأة حقوقها الكاملة لتساوي الرجل، وما دام التقدم مستمر فإن المرأة الأوروبية تجتاز بعض الشوائب المجتمعية التي لا زالت تحتقرها في أوروبا في علاقة جدلية تاريخية.
ومن أهم أسباب تخلف المجتمعات العربية هو عدم قدرتها على استيعاب الحركة التاريخية التقدمية الجدلية وفهم أسبابها ومكنوناتها وارتباطاتها مع إرجاع إنسانية المرأة المسلوبة. فكل حركة فكرية تحررية للمرأة تربط مباشرةً بالغزو الثقافي الغربي وسيطرة الغرب والحرام والعيب! وهذا ما سوف أفصله في مقالة قادمة عن ربط التقدم بكافة المجالات في العالم العربي والإسلامي بالغزو والعداء الغربي، لأنها مسألة هامة يجب رسم حدودها وتفصيلها لكي نستطيع الفصل بين الصواب والخطأ.
إذن المرأة إنسان، والمرأة شريك طبيعي للرجل في تشكيل مفهوم الإنسانية والعمل على تطور الإنسانية لتصل إلى أقصى ما يمكن وصوله من درجات الكمال، لذلك وجب علينا مناصرتها في حربها ضد الظلم والأفكار المتعفنة التي يمتد أثرها السلبي ليشمل كل المجتمع.