مُسَلسَل القاصرات .... يُسجّل أفضل حضور رمضاني لهذا العام



حيدر حسن كاظم
2013 / 8 / 9

في البداية كُنتُ أروم كِتابة مقال أنتقد فيهِ بِشِدّة الإنتاج التلفزيوني وما لَحقَ بهِ من تراجع تاريخي غير مسبوق في الساحة العربية لهذا العام ومن دون أيّة إستثناء ، فقد تولّدت لديَّ قناعة مسبقة وفكرة أوّليّة عن تواضع الاعمال التلفزيونية وخفوت رُقيّها مِن خلال بعض الاعلانات المنوّهة والمروّجة لبعض المسلسلات والبرامج المتنوّعة قبيل شهر رمضان ، ولكن ، وبعد إطّلاعي على البعض منها ومتابعة البعض الاخر إستنتجتُ إنَّ حدسي كان مصيباً ، فقد بدأ الاحباط يتملكّني وخيبة الظن تطاردني وتراودني وأنا أتابع بلهفة لتلك البرامج المملة والاعمال المتكررة ، فتفاهة الاداء بسبب غياب النجوم ويرودة الاحداث والمشاهد الهزيلة الخالية من أيّة فكرة أخذت تتصاعد يوماً بعد يوم في الشهر الذي كان الجميع يترقّبه وينتظر مفاجئاته التلفزيونية ببالغ الصبر ، فقد تمَّ تجاهل الاستعانة بالقصص الواقعية المعاصرة والمنتقاة من الشارع العربي وما يواجههُ من مشاكل متراكمة وخانقة لمجتمعنا العربي .
لكن من بين ما كل ذُكِرَ أعلاه وشيئاً فشيئاً بدأ مسلسل "القاصرات" للمخرج الكبير مجدي ابو عميرة (مخرج مسلسل المال والبنون) ، من تأليف سماح الحريري وتمثيل الفنان صلاح السعدني (عبد القوي) والفنانة داليا البحيري ، يلوحُ في الافق ويجلب الانظار من خلال تصاعد سخونة الاحداث ووتيرة المشاهد فيه لأنه يتطرّق لقصص شائعة في مجتمعنا وواقعية جداً حتّى إننّا مازلنا نعيشها ونسمع عنها كثيراً وفي كل يوم ، فتبيّن مدى الظلم والاضطهاد الذي يطال الفتيات المتزوجات الصغيرات السن من قبل مجتمعنا الذكوري ، ويُوضّح قساوة القوانين القبلية وكثرة قيودها وثقل أغلالها من العادات المتراكمة والتقاليد المتوارثة علينا والتي مازالت تحكمنا منذ آلآف السنين والممزوجة مع بعض الشرائع الدينية الغير صحيحة والمغلوطة .
ففي مشاهد المسلسل من حلقاته الاولى يتم تصوير مُعاناة حياة ذوي القاصرات وأهاليهن من الفقرالّذي يتعايش معهن في مناطق الريف المصري والبؤس الذي يطغى على حياتهن ويقتل أحلامهن ويقضي على آمالهن وطموحاتهن ، والذي يعكس أحدى المشاكل التي يعاني منها المجتمع من الناحية المادّية ، وما له من تأثير على بعض النفوس الضعيفة والجشعة ، كذلك يتم طرح القصور في التربية السليمة من قبل الأبوين وكيفية معاملتهن بتعسّف وأحتقار ودونية وتوجيه الأهانات والضرب للضغط عليهن ولتزويجهن برجل كبير في السن طمعاً بماله وجاهه وسلطته وسطوته على أهل القرية ، وهنا أبدعَ الرائع صلاح السعدني (عبد القوي) في إجادة آدائه وتجسيد دوره بكل حبكة وأمتياز من بيان قساوة قلبه وجبروته وإفتقاره الى المشاعر والاحاسيس ، حيث لا يمتلك في ذلك الدور ذرّة رأفة أو عطف أو شفقة على زوجاته القاصرات .
فمن خلال وحشيّة أساليبه وتصرّفاته نجد منهن من تتوفى نتيجة ممارسة عنفه الجسماني على رقة وطراوة أبدان زوجاته الصغيرات النحيلة والضعيفة ، وخشونته الذكورية على أنوثتهن الطفولية ، حيث تتوفّى أحداهن نتيجة فشلها في مقاومة الحمل لصغر سنها ، أمّا الاخريات الثلاثة اللاتي أجتمعنَ بعد وفاة الأولى والثانية على التوالي فوقَعَ عليهن الويل والاذى ، فيذهب في مشهدٍ من مشاهد المسلسل بغلق الباب عليهن وضربهن ضرباً مبرحاً بالسوط ليتلذّذ بذلك ويستمتع بأصوات بكائهن ونحيبهن وصراخهن بعدما يتركهن مطروحات أرضاً وسابحات بدمائهن البريئة .
كذلك يقوم عبد القوي بقتل زوج أخته عرفياً (حُسني : وقد تحمّل رصاصة قاتلة وجُرِحَ دفاعاً عنه ) الذي رَفَضَ تزويجها له لأنّها كانت أرملة لزوجٍ مُسن متوفّي أجبرها على الزواج منه قسراً في الماضي ووقعت في حب الاخير حديثاً لكنّه أمتنع عن القبول لذلك الزواج لوجود عرف قبلي يُحرّم فيه على الارملة الزواج من أي أحّد بعد موت زوجها .
وفي النهاية يتّفقن الزوجات الثلاثة وبتحريض من أخته على قتله للخلاص منه ومن بطشه بعدما ينجحنَ في ذلك ويهربنَ إلى أماكن متعدّدة ألا أنّهُ سرعان ما يفلح رجال الشرطة في القبض عليهن وجلبهن ومحاكمتهن ، لكنَّ ما يثير الاعجاب كثيراً هو دفاع المحامية (بنت اخو عبد القوي) بكل قوًة وتفاني واخلاص عنهن مطالبة سيادة المحكمة بأخذ ظروف وقوع الجريمة كرد فعل لسرقته براءة طفولتهن وإغتصاب حقوقهن وإنتهاك حُرّيتهن ، حيث يُعتبر هذا المسلسل هو إنعِكاس تام كالمرآة لواقع مجتمعاتنا العربية التي مازالت أسيرة لقوانين أسلافها وأجدادها القدماء .